لكل السوريين

فراس قصّاص: “عامل الكرامة هو المحرّك لأحداث السويداء، والإدارة الذاتية هو الحل للتعارض بين السلطة وحق الحرية في المجتمع”

حاوره/ ميزر الشهاب 

اعتبر رئيس حزب الحداثة والديمقراطية لسورية، أن ما يجري في السويداء مؤخرا لا يرتقي لمستوى اعتباره ثورة، لافتا إلى أن نموذج الإدارات الذاتية الديمقراطية نموذج يحل التعارض الحاصل بين ضرورة السلطة وحق الحرية في المجتمع، ففي نموذج الإدارة الذاتية تتوزع السلطة على الذات الجماعية بصورة هي الأوسع.

وشهدت محافظة السويداء مؤخرا انتفاضة شعبية على خلفية منع الدعم عن شريحة واسعة من الأهالي، ولا سيما أهالي السويداء، الذي على الفور خرجوا في مظاهرات مطالبة بتحسين الوضع المعيشي، لتمتد لاحقا إلى مطالبات بالعدل والمساواة.

وحول هذا الموضوع أجرت صحيفتنا حوارا مطولا مع، فراس قصّاص، رئيس حزب الحداثة والديمقراطية لسورية، وجاء نص الحوار كما يلي:

ـ عادت السويداء للانتفاض مجددا. هلا تراها ثورة جياع أم أبعد من ذلك ولماذا؟

لا يرتقي ولا يصل الحراك الذي يحدث في السويداء هذه الأيام سواء في تعبيراته أو مداه أو الآفاق التي يمكن أن يطلقها، إلى مرحلة اعتباره ثورة (وفقا لاستخدامك المفردة في سؤالك)، ولا أتصور أن الدينامية الرئيسية التي حركت المشهد في السويداء مرتبطة فقط بالوضع الاقتصادي بالغ الصعوبة، الذي يطال بقساوته لقمة العيش في معانيها المباشرة، بل هناك عامل آخر قد يكون أكثر رئيسية وتأثيرا في إشعال فتيل الأحداث الأخيرة في المدينة، أقصد العامل المرتبط بالكرامة والشعور باستحقاق الذات الجماعية في السويداء لاجتماع سياسي تحترم فيه إرادتها وتدير فيه شؤونها كما يليق بها.

ما يمكنني قوله بشكل مباشر أن تطورات السويداء الأخيرة هي ارتدادات لا يمكن فهمها خارج السياق العام للحدث السوري، وإن حصولها يعد استكمالا وتأكيدا على صيرورة التغيير الذي أطلقه حراك السوريين عام ٢٠١٢، لكني لا أتصور وفقا لهذا الفهم أن يأخذ هذا الحراك مسارات تصعيدية فارقة في الحدث السوري، تؤدي به إلى خلاصات ومآلات جديدة ومختلفة عما تم بلورته خلال هذه السنوات، هذا مستبعد إلى درجة كبيرة.

ـ لطالما كانت مناطق جنوب سوريا تشكل مخاوف لدمشق. تفسيرك؟

نعم أتفق معك أن مناطق جنوب سوريا أصبحت تشكل مخاوف ملموسة للنظام السوري، على الأقل منذ آذار من عام ٢٠١١، كيف لا وقد تفجر الحدث السوري أول ما تفجر في مدينة درعا، وقد أدخل هذا التفجر سوريا وربما النظام الإقليمي في مرحلة جديدة.

لست أبالغ حينما أقول أن الحدث السوري أسهم  في زيادة حدة وزخم التفاعلات الدولية وفي تعظيم الاستقطابات التي تحصل في أتونها، على أني أزعم أنه كان للجنوب السوري أهمية خاصة ومستمرة،  منذ ما قبل مرحلة الاستقلال وأثناءها وبعدها، لسببين إضافيين، الأول متعلق بوجود جماعة مذهبية طالما كان لها حضور تأسيسي وفعالية حاسمة في الاجتماع السياسي السوري، أقصد بالطبع الموحدون الدروز الذين كانوا رأس حربة في صيرورة استقلال سوريا وتبلور شخصيتها الحديثة، إذ لا يخفى على أحد دورهم المركزي في الثورة السورية الكبرى على المستعمر الفرنسي وإسهامهم الكبير في تمتين عرى سوريا والدفاع عن وحدة أرضها وشعبها خارج مقولات وقراءات مخالفة.

أما السبب الثاني فله علاقة بتأسيس دولة إسرائيل التي تقع إلى جهة الجنوب من سوريا، وما تلا ذلك من حروب خاضتها سورية معها وأدى إلى احتلال إسرائيلي لهضبة الجولان المستمر منذ عام ١٩٦٧ حتى الآن.

وبالطبع وجد الاستبداد في الحالة المترتبة على تأسيس إسرائيل والقضية العربية والفلسطينية أساسا رئيسيا برر فيها مشروعية استبداده وأخرج الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتحقيق اقتصاد متماسك يليق بالسوري والشخصية السورية من الأولويات الوطنية السورية.

لقد ربط نظام البعث منذ عام ١٩٦٣ ومن ثم الأسدية لاحقا وخصوصا شرعيتها بالصراع العربي الإسرائيلي، واتخذت منه بمستويات متباينة من الانسجام والالتزام أو من التضليل والإلهاء والتمويه عاملا رئيسيا في بناء علاقات وتحالفات ومحاور عربية وإقليمية. الأمر الذي يظل يعطي الجنوب السوري في الجغرافية المتعلقة بسورية في مرحلة الأسدية أهمية إضافية.

ـ صدّر الإعلام السوري والحكومة أحداث الجنوب على أنها أزمة عابرة وانتهت. هل حقا انتهت؟

أنا أيضا لا أتصور أن يثمر حراك السويداء عما هو فاصل و جديد في الحدث السوري، إلا أنني لا بد أن أؤكد أن النظام يخفي عبر غوبلزية إعلامه الكثير من الحقائق فيما يخص تلك المدينة وأهلها، من أهم تلك الحقائق أن السويداء لا تنتمي، كما يصر النظام أن يظهر في إعلامه، لمناطق سلطته، كما كان الحال قبل عام ٢٠١١، و أن أهلنا الموحدين الدروز امتنعوا بغالبيتهم الساحقة عن الالتحاق بجيش النظام وعن قمع أهلهم السوريين في المناطق التي ثارت على الأسدية، وإذا اتفقنا أن السويداء خارجة على الحقيقة عن هيمنة النظام التي يمارسها في مناطق سيطرته الأخرى فذلك يفرغ دعاية النظام التي ذكرتها في سؤالك من أي مضمون ذو قيمة.

ـ روسيا لم تحرك ساكنا حيال القضية. برأيك لماذا؟

بتقديري إن أحداث السويداء والتطورات الأخيرة فيها لا تستدعي وفقا للحجم الذي حصلت فيه تدخل روسيا فيها، ناهيك إنني وربما بعكس الكثير من القراءات الأخرى لا أجد تطابقا بين الإرادة الروسية في سوريا وبين ما يريده النظام الأسدي فيها.

فالروس هم من اتفقوا مع الأمريكان وبقية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وصاغوا قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ وأقروه، ملخصين موقف الشرعية الدولية من الحدث السوري وواضعين خلاصة الأطر العامة لتحصيلاته التي لا تصب في مصلحة النظام السوري بل تطيح به كنظام سياسي، في الواقع.

يخلط كثيرون في رؤية الدور الروسي في سوريا ولا يفرقون بين أنهم حموه بالفعل من سقوط فيزيائي على الطريقة الليبية ومنعوا التفكك البشري لنظامه وانهياره، وبين الدفاع عن الاسدية كنظام سياسي قابل للاستمرار في حكم البلد وإعادة الوضع في سوريا إلى ما قبل عام ٢٠١١.

قرار مجلس الأمن الذي جهزته ودعمته روسيا ستطيح بالأسدية بوصفها نظاما لإنتاج كافة مناحي الحياة في سوريا، في نهاية المطاف وعلى المدى المنظور، وهو ما يقلق النظام ويقض مضجعه، لذلك لست أرى أن التوافق والتطابق بين الرؤية الروسية في السويداء وما يريده النظام، وربما في مناطق أخرى سواها، مبررة وصحيحة.

ـ المنطقة تشهد تواجد إيراني على حدود إسرائيل. البعض فسر الأحداث بأنها تشهد دعما إسرائيليا. هل تتفق؟

إسرائيل نأت بنفسها عما يحصل في سوريا طوال السنين الماضية على اشتعال الثورة السورية، ولم تقدم إلا مساعدات إنسانية وطبية لحالات قليلة على حدودها؛ ولعلي أجد في سؤالك فرصة كي أختلف مع التحليلات التي تقول بأن إسرائيل هي من أبقت على النظام أو دافعت عن بقاءه.

هكذا قراءة تضخم في تأثير العامل الإسرائيلي على قضايا المنطقة وتهمل مجمل معادلات القوى المحلية والإقليمية والدولية التي أثرت في الوضع السوري وعقّدت من هدف الإطاحة المادية بالنظام على منوال ما حصل في ليبيا ومصر على سبيل المثال.

ما أميل إلى الاعتقاد به هو أن الحضور الإسرائيلي في مسرح الحدث السوري يقتصر على القيام بما يستدعيه قلق الإسرائيليين من تواجد إيراني مباشر أو بالوكالة عبر ميليشياتها في سوريا وبالقرب من الحدود الإسرائيلية، بما يمكن أن يشكل ذلك تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي، لذلك نرى كيف يواصل الطيران الإسرائيلي بوتيرة مستمرة ومتصاعدة على ضرب أهداف إيرانية أو تخص حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى في سوريا، أبعد من هذه الحدود لا أتصور وجود دور إسرائيلي آخر لا في السويداء ولا في أي مكان آخر من سوريا.

ـ بعض المناشدات تعدت المطالبات المعيشية وذهبت لتنادي بإدارة ذاتية. هل تراها حلا لتفاصيل أزمة البلاد؟

بالتأكيد نعم، الإدارة الذاتية الديمقراطية نموذج يحل التعارض الحاصل بين ضرورة السلطة وحق الحرية في المجتمع، ففي نموذج الإدارة الذاتية تتوزع السلطة على الذات الجماعية بصورة هي الأوسع، بحيث تفقد معه كل أو أكثر ما تحويه من الهيمنة والقمع والقسر المتضمن في ممارسة السلطة لدورها الاجتماعي.

مع الإدارة الذاتية تحضر أو يمكن أن تحضر كل عوامل دمقرطة المجتمع، فتفقد الدولة صفتها قابليتها لأن تكون أداة قهر في يد فرد أو فئة أو طبقة، ولا يمكن وفقا لهذه الصيغة للاستبداد أن يستقر ولا للشمولية أن تستقر وتترسخ، وإنما على العكس تماما.

لذلك هذا النموذج يرعب الاستبداد الأسدي كما يرعب من يريد استبدال استبداد الخمسين عاما الماضية باستبداد ديني تكفيري أو استبداد ذو طابع مقنع ومفشل للدولة والمجتمع، استبداد يقوم على تأكيد الهيمنة الذكورية وانكار الطابع التعددي، ويحول الفساد من فساد مؤسس تفيد منه دائرة ضيقة عائلة وبعض من يدور في فلكها كالفساد المتجذر في تجربة الأسدية في سوريا، إلى فساد مؤسس تستفيد منه طبقة السلطة التي يمكن أن تشغلها معارضة كانت تتحدث طويلا عن الديمقراطية ولا تدرك آلية ممارستها إلا على نحو شكلاني وضيق، ولك في العراق ولبنان نموذجان لها.

نعم أقول ودون حذر أن الإدارة الذاتية الديمقراطية نموذج يصلح كي يكون حلا جذريا وشاملا لقضايا سورية بكل تأكيد

يتبع…