لكل السوريين

بعد التعزيزات العسكرية حولها…درعا.. توتر متصاعد، ومحاولات لاحتواء الموقف

تصاعدت حدة التوتر في محافظة درعا بعد أن دفعت دمشق بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى محيطها، وخصوصاً إلى المناطق التي ما تزال تشهد هجمات مضادة لوجود قوات النظام فيها، والمنطقة التي شهدت مقتل عناصر من شرطة المزيريب، وهي العملية الأولى من نوعها منذ دخول القوات السورية إلى المنطقة الجنوبية بعد اتفاقات التسوية.

تواجد هذه التعزيزات المكونة من الفرقة الرابعة، والقوات الخاصة من الفرقة 15، بالإضافة إلى القوات المتواجدة في المنطقة أصلًا يثير قلق أهالي المنطقة، وتخوفهم من اقتحامها بذريعة إلقاء القبض على منفذ عملية قتل الشرطة، ومجموعته بعد أن انتهت المهلة التي أعطتها هذه القوات للجان التفاوض خلال اجتماع عقدته مع “اللجنة المركزية” في المنطقة الغربية من درعا بوساطة روسية، وطلبت خلاله تسليم منفذ العملية، والذين شاركوه في الهجوم، وحددت مهلة للقيام بذلك، وإلا ستشهد البلدة عملية اقتحام بحثاً عن المطلوبين.

واستمرار تدفق هذه التعزيزات، وأسلوب انتشارها في المنطقة، ينذر بحدوث اقتحامات واسعة، ومواجهات عنيفة  في أكثر من موقع في درعا، ويساهم في تصاعد حالة الاستعداد، والترقب، والقلق رغم استمرار المفاوضات، والاجتماعات على مختلف الأصعدة لاحتواء الموقف، ومنع القيام بأي عمل عسكري في المحافظة كما حصل في اجتماع قيادات شعبية، وفعاليات سياسية، وإعلامية على مستوى حوران لبحث هذه التطورات، وتوحيد الرأي في مواجهة هذا الوضع الدقيق.

استدراج الشرطة.. وقتلهم

وكان أحد قادة المعارضة، الذي دخل ضمن “اتفاق التسوية” مع مجموعته المسلحة قد دعا تسعة من عناصر الشرطة المدنية التابعين لمخفر المزيريب إلى منزله ثم قام بقتلهم  بطلقات متفرقة، ورمى جثثهم على “دوار الغبشة” في بلدة المزيريب رداً على اغتيال ابنه، ونسيب له حيث فُقد الشابان في ريف درعا الغربي قبل أيام، ثم عُثر على جثتيهما بين بلدات ابطع، والجعيلة في الريف الأوسط من المحافظة، واتهم القاتل قوات النظام في المنطقة بعملية اغتيالهما.

وفي نفس اليوم أصدرت فعاليات حوران المدنية، ولجان التفاوض المركزية بياناً استنكرت فيه هذا الفعل، وتبرأت من المسؤولين عنه، ودعت إلى ملاحقة الفاعل، والقبض عليه، ومعاقبته على فعلته التي “تتنافى مع الأخلاق، والأعراف الاجتماعية”، وأشار البيان إلى أن عناصر الشرطة المغدورين “وجدوا لخدمة المواطنين، والسهر على تلبية احتياجاتهم، ولم يعرف عنهم غير كل تصرف، وسلوك حميد حسن”.

وقامت فصائل محلية من عناصر التسويات باقتحام منزل الفاعل لإلقاء القبض عليه، وتجنيب المنطقة أي تصعيد عسكري، ولكنها لم تعثر عليه حيث لاذ بالفرار بعد تنفيذ فعلته فقامت بإحراق منزله.

 محاولات لاحتواء الموقف

عقد قياديون من اللجنة المركزية، وفصائل التسوية، والمصالحة في محافظة درعا اجتماعاً مع عدد من ضباط الفرقة الرابعة في إحدى قرى الريف الغربي لبحث الوضع في المنطقة التي وصلت إليها التعزيزات العسكرية مؤخراً، والتخفيف من حدة التوتر فيها.

ومع أن اللجنة المركزية لم تصدر أي بيان حول نتائج هذا الاجتماع فقد تحدث مصدر مقرب منها عن اتفاق حول إيقاف العمل العسكري مقابل إنشاء حواجز عسكرية جديدة على طول الطريق من درعا إلى اليادودة فالمزيريب وصولاً إلى معسكر زيزون لتأمين خط الإمدادات العسكرية لنقاط الفرقة في معسكر زيزون، ومخيم الصاعقة، وعدّة نقاط أخرى متواجدة ضمن منطقة حوض اليرموك، وعلى الشريط الحدودي مع الأردن، ومرتفعات الجولان.

وحسب المصدر قد يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في الأيام القليلة القادمة وسط تكهنات حول وجود شروط أخرى قد تكون ضمن الاتفاق دون الإعلان عنها.

استهداف المفاوضين

وخلال عودة المفاوضين على الطريق الواصل بين بلدتي المزيريب، والعجمي تعرضوا لكمين نصبته مجموعة مسلحة، وفتحت النار على سياراتهم مما أدى إلى مقتل ثلاثة منهم، وإصابة أربعة آخرين تم إسعافهم إلى مشفى مدينة طفس، وحالتهم تتراوح بين الخطيرة، والمتوسطة.

واعتبرت هذه العملية محاولة لتخريب أي اتفاق يمكن التوصل إليه قبل تنفيذه.

وتوجهت أصابع الاتهام إلى بعض المجموعات التي عملت سابقاً في صفوف تنظيم داعش، وبعض ممن أفرجت عنهم الأجهزة الأمنية بعد تنفيذ اتفاقيات التسوية فقامت بعض المجموعات العاملة ضمن الفصائل المحلية الخاضعة لاتفاقية التسوية، والمصالحة بالهجوم على مقرات، ومواقع المجموعات المتهمة في محيط بلدة المزيريب بهدف القضاء عليها، وعلى بقايا تنظيم داعش في المنطقة، وشهدت هذه المواقع اشتباكات عنيفة بين الطرفين.

جهود للتهدئة

ومع أن الوساطة الروسية تمكنت حتى الآن من وقف أي هجوم شامل، وتراجعت الوحدات السورية من بعض المناطق إلا أنها مازالت متمركزة عند أطراف العديد من البلدات في درعا، وما تزال مستعدة للهجوم في أي وقت، وتواجدها على مسافة قريبة من البلدات يمكنها من قصفها بقذائف المدفعية كما حدث في الصنمين‎ أوائل شهر آذار الماضي.

وذلك ما يصعد حالات القلق، ويبرر التحرك المكثف للجان، والفعاليات الاجتماعية، والمدنية في درعا، ومحاولاتها استباق اقتحام بلدة المزيريب من خلال إدانة عملية مقتل عناصر مخفر المزيريب، والإشارة إلى أن اتفاق التسوية الساري في المنطقة تعهدت به كافة الفصائل التي وافقت على التسوية، ومنه عدم التعرض لعناصر الشرطة المدنية، وتسهيل أمور عملهم في المنطقة ما دامت ليس لهم يد في إراقة الدماء.

وفي السياق تعالت الأصوات التي تؤكد أن قتل عناصر الشرطة خطأ فردي، ولا يجوز أن تتحمل تبعاته المنطقة بكاملها، وتلك التي تتخوف من محاولات استغلال النظام لهذه العملية بتقديم مبررات للضامن الروسي تتيح له العودة إلى الأعمال العسكرية، واجتياح المنطقة من جديد، وفرض تشديد أمني على تلك المناطق، وساكنيها.

وفي الأسبوع الماضي اجتمع عدد من أعضاء “اللجان المركزية” من جميع أنحاء المحافظة، وطالبوا روسيا بتنفيذ التزاماتها التي تعهدت بها خلال مباحثات اتفاقيات “تسوية الوضع”، ومنع أي هجوم عسكري على أي موقع في المنطقة.

جهود.. لنزع فتيل الأزمة

قبل اجتماع الأسبوع الماضي عقدت اللجان المركزية من مختلف مناطق المحافظة العديد من الاجتماعات فيما بينها، ومع الجانب الروسي بهدف تجنيب المنطقة الغربية من درعا أي عمل عسكري، وقد نتج عن هذه الاجتماعات اتفاقات معلنة من ضمنها إعادة تفعيل بعض الحواجز العسكرية، وغير معلنة، وما تسرب منها تنفيذ حملة أمنية على مجموعات وشخصيات لم يتم الإعلان عن أسمائها.

ومن أبرز هذه الاجتماعات “اجتماع مدينة ازرع” الذي عقد منتصف الشهر الماضي بين القوات الروسية، وممثلين عن اللجان المركزية في مختلف مناطق درعا، وتم خلاله استعراض كافة الملفات منذ إجراء التسويات حتى يوم انعقاده.

وحسب مصادر هذه اللجان تم التأكيد خلال هذا الاجتماع على ضرورة أن يقوم الجانب الروسي بكامل واجباته، والتزاماته كضامن لاتفاق التسوية، وإلزام الجانب الحكومي بتطبيق كافة بنود التسوية، وجاء البيان الذي أصدرته اللجان بعد الاجتماع مباشرة: “تم التركيز على الوضع الحالي في الجنوب خاصة، والحشود العسكرية للجيش، وما تضمه من مليشيات طائفية تسعى لضرب الاستقرار، وزعزعة الأمن، والتي تم نشرها في معظم الجنوب، وخاصة المنطقة الغربية ومدينة طفس مما خلق حال من الاحتقان لدى الأهالي، والتخوف من قيام هذه الحشود بأي عمل عسكري متهور يجر المنطقة إلى فوضى، وحرب مفتوحة تذهب بعملية التسوية التي ضمنها الروسي أدراج الرياح”.

كما تحدث البيان عن تعهد الجانب الروسي بالعمل على منع وقوع أي عمل عسكري في المنطقة،

وعن اتفاق حول تسيير دوريات شرطة عسكرية روسية في عموم محافظة درعا، وخاصة المنطقة الغربية لرصد انتشار هذه القوات العسكرية.

ووجهت اللجان المركزية في ختام هذا البيان دعوة إلى الأهالي في درعا عامة، والمنطقة الغربية خاصة بعدم ترك منازلهم وممتلكاتهم، وممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي اعتيادي، وعدم الانجرار وراء الشائعات، والأخبار الكاذبة التي تتداولها بعض المواقع الإلكترونية.

ووعدت بأنها ستبقى على تواصل دائم معهم لوضعهم بصورة ما يجري بشكل دقيق.

يذكر أن جذور الأزم

ة الراهنة تعود إلى عدم استطاعة الجيش بسط سيطرته الكاملة على محافظة درعا بعد أن استعادها من الفصائل المسلحة عام 2018، حيث قامت روسيا بتسهيل عودته إليها من خلال إبرام اتفاقيات “تسوية الوضع” مع مجموعات مسلحة عديدة.

وبقيت بعض المناطق تحت سيطرة الفصائل المسلحة التي رفضت هذه الاتفاقيات في الأحياء الداخلية لمدينة درعا، ومواقع في طفس، ونوى، واليادودة، وسحم الجولان، وأجزاء من حوض نهر اليرموك الذي كانت تسيطر عليه جماعات مسلحة تدور في فلك تنظيم داعش.

وما زالت عمليات الاغتيال التي ينفذها مجهولون، تطال عناصر الجيش، وتستهدف النقاط الأمنية، والحواجز.

وقد تمت مئات محاولات الاغتيال في المحافظة في السنتين الماضيتين استهدف بعضها “فصائل التسوية”, بينما استهدف معظمها وجهاء محليين مشكوك بولائهم للسلطة.

تقرير/ لطفي توفيق