لكل السوريين

محافظة اللاذقية.. رحلة في عالم الجوع

تقرير/ سلاف العلي

الحديث عن الجوع والجوعانين، له شجون وآلام، وكل كلمة فيه تضج بالأبعاد الإنسانية وتلامس أرواح البشر، لأنها مرتبطة بالفقر والحاجة، غالبا ما تحضر في الفكر والمخيلة صورا لأشخاص هزيلين، ضعيفي البنية، مظاهرهم شاحبة والبستهم وأحذيتهم رثة، وغير ذلك من صفات الصورة النمطية للإنسان الفقير الجائع، إحدى النتائج المباشرة لهذه الصورة النموذجية أن الجائعين فعلا لا ينظرون إلى أنفسهم على هذا النحو، ويعتقدون – طالما أن شيئا من سمات هذه الصورة لم يصبهم- أنهم بمنأى عن الجوع وتداعياته ، وللإطلالة على هذا الموضوع الراهن قمنا برحلة في سفر الجوع بريف الساحل السوري بين بعض النخب الفكرية وبعض الجائعين.

السيد مفيد أستاذ مادة العلوم الطبيعية للثانوي بريف جبلة، قال لنا: إذا وضعنا المفاهيم الشائعة المغلوطة جانبا، واعتمدنا الفهم العلمي الدقيق لمسألة الجوع باعتباره تجسيدا لعدم قدرة الإنسان على تناول الكميات الضرورية من السعرات الحرارية الكافية لتلبية احتياجه اليومي من المغذيات اللازمة لنموه البدني والذهني، سنصل إلى استنتاج حاسم بأن الأغلبية الساحقة من المواطنين من أهالي الساحل وهم من الطبقة التي لا يستطيع دخلها أن يؤمن الاحتياجات اليومية وفقا لمعايير هذا التعريف، وهي جائعة قولا وفعلا.

المعلمة مواهب وهي مرشدة اجتماعية تضيف: وفق ما تم طرحه سابقا، يتضح الفرق بين الشبع كتعبير عن امتلاء المعدة، والشبع كمفهوم يدل على سد الاحتياج الفعلي للإنسان، في الحالة الأولى، قد يتناول الفرد كميات كبيرة من السعرات الحرارية دون أن يتغذى فعليا، أما الحالة الثانية فهي مشروطة بتأمين الاحتياج اللازم بدنيا وذهنيا، وتسمى الحالة الأولى بالجوع الخفي المقترن بنتائج عدة، منها إضعاف جهاز المناعة، وإعاقة النمو الجسدي والذهني، وما يتبع ذلك من إرهاقٍ عام وانخفاض القدرة على مكافحة الالتهابات وضعف الوظائف الإدراكية: مثل فقدان الانتباه والتركيز والذاكرة والمزاج، إضافة إلى مشاكل الهزال والتقزم، أوالسمنة الناتجة عن تناول كميات كبيرة من السعرات الحرارية غير الغنية بالعناصر المغذية.

الدكتورة هيفاء وهي طبية تغذية في اللاذقية أوضحت لنا ما يلي: تختلف كمية السعرات الحرارية التي يحتاجها الناس اختلافا كبيرا، فعوامل مثل طول الشخص ووزنه وجنسه وعمره ومستويات نشاطه البدني تعني أن بعض الأشخاص يحتاجون إلى سعرات حرارية أكثر من غيرهم، وباعتبار هذه الفروقات، فان كمية السعرات الحرارية الضرورية للفرد تتراوح بين 1700 و3100 حريرة يوميا، ما يعني أن الوسطي اليومي من السعرات الضرورية للفرد هو 2400 حريرة كل يوم.

لكن طبيب الهضمية في جبلة أشار إلى إن عدد السعرات ليس كافيا ما لم يضمن تأمين تغذية فعلية بمصادر البروتين والكربوهيدرات والسكريات والألياف والدهون الصحية والفيتامينات والمعادن وغيرها، لهذا يجب أن يحصل المواطن على السعرات الحرارية التي تكفل له الحياة وإعادة إنتاج قوة عمله من جديد، بطريقة حساب بسيطة فان حصول الفرد الواحد على 50 غرام من البيض و500 غرام خبز، و70 غرام أرز، و112 غرام حلويات، و200 غرام فواكه، و250 غرام خضار، و75 غرام لحوم، وهو ما يقارب مجموعه 2400 حريرة يوميا، وهذا يعني أن الحد الأدنى الشهري لتكلفة غذاء عائلة مكونة من 5 أفراد يزيد على 4 ملايين ونصف، وبناء عليه كان الحد الأدنى لتكاليف المعيشة أكثر من 7 ملايين ونصف، على اعتبار أن تكاليف الغذاء تشكل 60% من مجموع تكاليف المعيشة، والوسطي حوالي 12 مليون. بهذه الحالة، ومن هذا ينتج أن ذلك يشكل حوالي 65 ضعف الحد الأدنى للأجور.

علق على ما ورد السيد مصطفى من ريف اللاذقية قائلا: بأن هنالك الكثير من الأُسر السورية تؤمن طعامها بأقل من هذا المبلغ، وهذا صحيح بالنظر إلى التغذية السيئة للأسر، ويمكن أن تأكل الكثير من الأُسر الريفية شهريا بأقل من 4 ملايين ونصف، لكن لا يمكن أن تحصل على الراتب الغذائي فعليا بأقل من هذا المبلغ.

السيدة ام فاطر وعندها خمسة أولاد وهم من قرية أوبين بريف اللاذقية، قالت لنا: نحن أسرة نعيش يومنا على الكفاف وأولادنا بالمدرسة، والتكاليف عالية جدا نؤمن بعض الأغذية من الأرض ومع خبزنا اليومي ولا يكفينا أحيانا، والوالد موظف وراتب الموظف معروف، ومثل الأُسر الكثيرة نمشي الأمور لكن لا نعرف كيف تمشي، من أشهر لا تدخل الفواكه إلى بيتنا ولا اللحمة ولا الفروج.

الطبيب غياث وهو أخصائي هضمية في جبلة أشار إلى أنه لا يقتصر تدهور الأمن الغذائي على أولئك الذين لم يعودوا قادرين على إيجاد ما يسد رمقهم فحسب، بل إلى جانب ذلك، يعاني الملايين اختلالا كبيرا بالنظام الغذائي، والذي أدى الى حدوث تحول ملموس في سلوك الأسر ، تجلى بعدم قدرتها على تناول البروتينات والفواكه ومنتجات الألبان والبقوليات، واعتمادها في التغذية على السكريات والدهون وبعض الخضروات، ما يسلط الضوء على تدهور كبير في تنوع النظام الغذائي، الذي يتألف الآن من الأطعمة الأرخص وغير الغنية بالمغذيات، ولا يجد المواطنون سوى التكيف السلبي مع التدهور الغذائي والفقر، عبر اللجوء لآليات مثل تقليص عدد الوجبات، وتقليص الحصص الغذائية للبالغين من أجل إشباع الأطفال، وتكثيف الاعتماد على الخبز.