لكل السوريين

حينما يحدد الكرد الهوية الوطنية السورية

محمد أرسلان

عقد تقريبًا سيمر على ما سُمي بالربيع العربي الذي منذ بدايته ولد ميتًا وكان السبب في سقوط بعض الدول وتشتت دول أخرى والباقي ما زال يعيش حالة الصدمة التي لم تخرج منها حتى الوقت الحاضر. حراك شعبي أراد من خلاله الشعب التعبير عن نفسه في المطالبة ببعض الحقوق التي استحوذت عليها النظم الحاكمة تحت حجج كثيرة وأهمها أنها وضعت نفسها في زاوية دول الممانعة التي ستتحطم عليها كافة المؤامرات.

سنوات مرت وتحول ذاك الحراك إلى عراك ما بين الشعب بحد ذاته وذلك بدوافع عوامل كثيرة منها الداخلية والخارجية. وربما يمكننا القول إن أردوغان وأجهزة استخباراته التي لعبت دورًا سيئًا في تحوير الثورة عن دربها لتتحول بعد فترة إلى مجرد بنادق مأجورة تأتمر بما يمليه عليهم سيدهم وخليفتهم أردوغان.

الثورة والثورة المضادة اللتين ظهرتا مع بعض وكان لكل منهما أهدافها وأجنداتها الخاصة التي تعمل عليها. وما بين الثورة والثورة المضادة حيز صغير جدًا كان المنتفعين يحاولون العبث فيه بكِلا الجانبين لوضعهما تحت سيطرتهما وتوجيههما كما تمليه المصالح عليهم. ربما نجحوا في السيطرة على طرف معين والذين ادعوا أنهم من المعارضة التي تمثل الطيف السوري أجمعه، لكنها بعد فوات الأوان نراها أنها لم تعد تمثل حتى نفسها واعترفت بأنها رهينة بيد من يمولهم ويدعمهم.

الرف الآخر الذي حافظ على هويته الذاتية بثبات رغم المتغيرات الكثيرة التي طرأت على الساحة السورية والتي كان من تداعياتها التغييرات التي ضربت التوازنات التي كانت قائمة يومًا ما. كل شيء كان ضمن الجغرافيا السورية يعيش الديالكتيك الذي لا يعرف معنى السكون والمتغير باستمرار، إلا طرفين لم يطرأ عليهما أي تغيير وكانوا مصممين في أن يحافظوا ويتمسكوا بعقليتهم التي تربوا عليها. المعارضة والنظام اللذين كانا وما زالا يصرون على أن أسباب الحراك الشعبي والثورة ما هي إلا أسباب سياسية بحتة ويخفون الأسباب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وكأنها أمور ثانوية. وبذلك ربطوا الثورة والحراك بالعسكرة والعنف حتى تحولت سوريا إلى حلبة صراع للثيران ما بين النظام والمعارضة.

الكرد الذين انتهجوا لأنفسهم من بداية الثورة الخط الثالث غير المرتبط لا بالنظام ولا بالمعارضة اللذين لا يختلفان عن بعضهما البعض من حيث عقليتهما ومقاربتهما للقضايا الأساسية التي قامت من أجلها الثورة السورية. كان للكرد هدف واضح وهو أن سوريا ينبغي أن تكون للجميع وليس لطائفة على حساب باقي الشعب السوري بكل تنوعاته واختلافاته القومية والمذهبية والأثنية. كان وما زال النظام والمعارضة يتمسكون بالهوية العربية للجغرافيا السورية الغنية بالكثير من القوميات الأخرى التي لم تشعر بانتمائها لهذه الجغرافيا منذ تسلم عائلة الأسد للسلطة في سوريا.

ورغم أن المعارضة والنظام ومن يقف خلفهما يتهمون الكرد بالانفصال وتقسيم سوريا إلا أن تلك التهم رجعت إليهم وأثبتت الأيام أنهما من يعملا على تقسيم سوريا حسب مصالحهما وأجندات القوى الداعمة لكل طرف منهما. فلا تركيا وأردوغان يعترفون بالنظام ويقولونها جهارًا بأنهم لن ينسحبوا من المدن والمناطق التي احتلوها في الشمال الغربي من سوريا، ولا النظام الذي لا حول له لا قوة وهو حبيس ورهينة بيد الروس والإيرانيين المسيطرين الحقيقيين على سوريا يستطيعون عمل شيء أمام احتلال تركيا لمناطق سورية.

الكرد الذين يحملون مشروعًا وطنيًا يعتمد على التعايش السلمي ما بين شعوب سوريا بمختلف انتماءاتهم يسعى لبناء نظام معاصر بعيدًا عن الشعبوية القوموية والدينية التي يعتمد عليهما النظام والمعارضة. مشروع الأمة الديمقراطية الذي أساسه يعتمد على أخوة الشعوب استطاع حتى الوقت الحاضر ورغم كل الهجمات التي يتعرض لها، أن يصمد ضدها ويحافظ على الشكل الجديد من الإدارة وهو نظام الإدارة الذاتية، الذي هو بنفس الوقت نظام يمكن اعتماده لكافة الجغرافيا السورية.

يصرّ الكرد على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا وأن تكون هوية سوريا جامعة لكل شعوبها من دون تمييز واصطفاء طائفة على أخرى كما هي الآن وما تحلم به المعارضة إن استلمت السلطة. بكل تأكيد أن الفلسفة التي يعتمدها الكرد في الأمة الديمقراطية ستكون أساس استرجاع الهوية الوطنية السورية لكل السوريين من دون تمييز بين أحد. من جديد ستكون مقاومة الكرد ضد الاحتلال التركي ومرتزقته والعقلية السلطوية، هي المحدد الرئيسي للهوية الوطنية السورية الجديدة.