لكل السوريين

لماذا انسحبت تركيا من اتفاقية حقوق المرأة؟

أثار قرار النظام التركي بالانسحاب من اتفاقية إسطنبول لحقوق المرأة، استهجاناً دوليا واسعاً، ودعت معظم الدول للعدول عن هذا القرار الذي يعرض حقوق المرأة التركية لخطر شديد. واعتبره المراقبون مؤشراً على حجم التراجع الكبير في مجال حقوق الإنسان، ومخالفة تركية صريحة لقيم الاتحاد الأوروبي ستصعب عليها الانضمام إلى عضوية التكتل الذي طالما سعت إليه أنقرة.

وتزامن هذا الانسحاب مع تحرك النظام التركي لإغلاق ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي، وهو حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد ما يقوض الديمقراطية الهشة أصلاً في تركيا.

وعبّرت الجماعات المناصرة لحقوق المرأة عن مخاوفها من أن التخلي عن هذا الاتفاق سيفاقم ارتفاع منسوب العنف ضد المرأة المتفشي في تركيا.

وبررت السلطات التركية انسحابها من الاتفاقية بأن قوانينها المحلية تحمي حقوق النساء ولا حاجة للحلول الخارجية.

ردود فعل محلية

أثارت الخطوة احتجاجات مختلف الهيئات الاجتماعية التركية، واندلعت مظاهرات في إسطنبول هتف المتظاهرون خلالها “ألغوا القرار، طبقوا الاتفاقية”.

وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها “لن تنحني النساء” و “المساواة للمرأة”.

كما قابل قادة المعارضة في تركيا القرار برفض شديد، وطالبوا النظام بعدم الانفراد بصلاحيات اتخاذ القرارات لا سيما تلك المتعلقة بأمور مصيرية.

وأكد رئيس حزب الديمقراطية والتقدم المعارض، أن حزبه سيطلق إجراءات جماعية لرفع دعوى في مجلس الدولة ضد هذا القرار.

وسيقوم في الوقت نفسه بجمع التواقيع في جميع أنحاء تركيا لإجبار النظام على التراجع عن قرار الانسحاب من الاتفاقية.

ووصفت كاتبة تركية الانسحاب من الاتفاقية بالعار.

بينما وصفه رئيس بلدية إسطنبول بالمؤلم الذي تجاهل نضال النساء على مدى سنوات.

وردود دولية

تعرض قرار الانسحاب التركي من المعاهدة لانتقادات دولية واسعة، ووصفه زعماء أوروبيون بـ “قرار تركيا المحير والداعي للقلق”.

وأبدى الاتحاد الأوروبي انزعاجه من هذا القرار، وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد “لا يسعنا إلا أن نبدي أسفنا العميق ونعبر عن عدم فهمنا لقرار الحكومة التركية”.

وأشار أن القرار “يجازف بتعريض حماية النساء والبنات في تركيا وحقوقهن الأساسية للخطر، ويطلق رسالة خطيرة في مختلف أنحاء العالم”.

وبدورها وصفت الأمينة العامة للمجلس الأوروبي  القرار بأنه “مدمر” بالنظر إلى العنف الذي تواجهه النساء والفتيات.

وبدورها أكدت باريس أن انسحاب تركيا يمثل ردة فعل جديدة في ما يتعلق بحقوق الإنسان، بينما قالت برلين إنه لا يمكن أن تكون الثقافة أو الدين أو التقاليد “ذريعة لتجاهل العنف ضد النساء”.

بين المعتدلين والمحافظين

طرح الانسحاب من الاتفاقية إشكالية كيفية الحد من العنف الأسري في تركيا، حيث زادت جرائم قتل النساء إلى ثلاثة أمثالها خلال عشر سنوات، وفقا لما قالته جماعة حقوقية.

وأشارت أوساط سياسية تركية معتدلة إلى أن المبررات التي طرحتها السلطات التركية للانسحاب من الاتفاقية غير مقنعة، فالدفاع عن حقوق المرأة بمنع تعنيفها من القيم الكونية التي تتشارك فيها الإنسانية، ولا علاقة للعادات والتقاليد في مثل تلك الممارسات.

بينما اعتبر المحافظون في تركيا، وخاصة في حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية أن الاتفاقية تقوض البنية الأسرية وتشجع على العنف.

وكانت الاتفاقية قد أدت إلى انقسام في حزب أردوغان الحاكم بين جماعات رافضة وأخرى متحمسة لها.

ويعتقد المتابعون أن أردوغان يستغل الانسحاب من الاتفاقية لحشد ناخبيه من المحافظين، والمجموعات إسلامية التي دعت إلى التخلي عن هذا الاتفاق.

يذكر أن تركيا وقعت على الاتفاقية عام 2011، ومع ذلك شهدت البلاد ارتفاعا ملحوظاً في جرائم القتل والعنف الذي تتعرض النساء خلال الأعوام الماضية.

وتتعهد الاتفاقية التي أشرف عليها مجلس أوروبا بمنع العنف الأسري ومقاضاة مرتكبيه والقضاء عليه وتعزيز المساواة بين الرجل والمرأة.