لكل السوريين

الفنان التشكيلي السوري إبراهيم برغود: أعمالي تخترق جدران القلوب وليست للزينة!

*الأسلاك المعدنية جزء مهم من ألعابنا كأطفال وعجينة “البيلون” أطوعها في أعمال النحت

*حجر الحوَّار والأقلام البسيطة أدوات تستهويني لرسم الأشكال الفنية

*قراءة اللوحة تعتمد على الحصيلة الثقافية والمعرفية

*الموهبة جينات وراثية يمكن لها أن تذوي إذا لم تصقل لكنها لا تموت!

 

عبد الكريم البليخ

عشق الرسم، وتعلمه في سنّ مبكرة جداً. هوايته التي طغت على أي هواية أخرى، وما يقع بين يديه طالما يُطوّعه إلى لوحة فنية لا سيما في طفولته، ومع بداية نشأته كان يفتقد للألعاب أسوة بغيره من أبناء جيله، تلك الألعاب التي نجدها اليوم متوافرة وبكثرة بين أيدي الأطفال، فضلاً عن استعماله وتطويعه الأسلاك المعدنية التي كان يستخدمها مع بداية عشقه لهذا الفن مع ما يروقه من صناعات تستهويه، مثال: العربات التي تجرّها الخيول، ناهيك بصناعة الحافلات والسيارات والبيوت الحديثة.

هكذا كانت طفولة الفنان التشكيلي إبراهيم برغود، وبعد أن تجاوز مرحلة الطفولة بدأت محاولاته بتقليد الرسومات المختلفة، وكل ما تقع عينه عليه من مشاهدات ظلت محط اهتمامه، وخاصة بالنسبة للرسوم الكلاسيكية والواقعية التي تعلق بهما، فكان يحاول تقليد تلك الأعمال باستعمال مادة الشمع والطباشير، إلى أن انتسب إلى مركز الفنون التشكيلية في مدينة حلب، مسقط رأسه، وشارك في ما بعد في الكثير من المعارض الفنية بعد أن أصبح شاباً يافعاً تعمّقت تجربته، فتمكن من أن يَشق طريق حياته الفنية وعشقه لهذا الفن، فأخذ يرسم ما يتعلق بالحالات الإنسانية، ومنها ما يُعنَى بالحروب والكوارث، ومعالجة القضايا الإنسانية، وتجسيدها في لوحات عرضت في جميع أنحاء العالم.

 

يتميز الفنان بحساسية أكثر من غيره

*عن بدايته مع التشكيل، والمدارس التي اهتم بها ولفتت نظره، يقول الفنان التشكيلي إبراهيم برغود:

كل موهبة تكون عفوية بسيطة وغير إرادية في بدايتها، ولكل طفل أدواته بحسب البيئة التي يعيش فيها.. وباعتباري أنّني ابن ريف بسيط لم امتلك أدوات ومستلزمات الرسم التي كان يمتلكها طفل آخر يعيش في بيئة أفضل من تلك التي كنت فرضت علي.

كانت أدواتي بعض الأقلام البسيطة وحجر الحوّار لرسم بعض الأشكال التي كانت تستهويني وأعيش فيها وتعيش فيني مثل قبب الطين والأشجار والطبيعة الريفية بمختلف أشكالها، وبما تحتوي من بيادر القمح والفلاحين وناقلي الماء وبعض الحيوانات، كالدجاج وغيرها، وكل ذلك كان يرسم على الجدران والأرض، أو على أي قطعة خشبية أو معدنية تقع بين يدي، بالإضافة إلى بعض أوراق الدفاتر والكتب. وكان بالقريب من بيتنا هضبة اسمها البيلونة، وكانوا يستخرجون منها “البيلون” والمعروف لدى الحلبيين أكثر من غيرهم لاستخدامه في الحمام، وبعد نقعه بالماء يُصبح مثل عجينة الصلصال، فكان أداة للأعمال النحتية بالنسبة لي، حيث أطوعه لجميع الاشكال التي أرغب في نحتها، بالإضافة إلى ذلك لم نكن نملك الألعاب الترفيهية، كما هو الحال في مثل هذا اليوم، فكانت الأسلاك المعدنية هي الوسيلة الوحيدة بالنسبة لنا كأطفال، وجزء من ألعابنا حيث كنا نصنّع العربات التي تجرّها الخيول، والحافلات والسيارات والبيوت الحديثة من تلك الأسلاك. كل ذلك كان في أثناء طفولتي حتى نهاية المرحلة الإعدادية، واستمريت على هذا الحال، ونلت أول جائزة على مستوى مدينة حلب وريفها في مسابقات الطلائع، وذلك في مرحلة دراستي الابتدائية، وشاركت بعدها في معارض المرحلة الإعدادية، وكان هوسي كبيراً في البحث عن لوحات لفنانين  كبار في المجلات والجرائد التي تكون بصحبة أخي الكبير القادم بها من مدينة حلب، وكنت أدهش بالرسومات الكلاسيكية والواقعية، وأحاول تقليدها بأدوات بسيطة وتقليدية كالشمع والطباشير وغيرها، ولكن بعد تلك الفترات الدراسية والتجارب البسيطة انتسبت إلى مركز الفنون التشكيلية في حلب، ودرست على يد كبار الفنانين التشكيليين، وتعلمت منهم الدراسة الأكاديمية، وأكثر ما كان يلفت نظري الرسم الواقعي، وبدأت بالبحث عن تجربة وأسلوب كل فنان وتقنياته، وشاركت في عدّة معارض مع فناني حلب عندما كنتُ طالباً، حيث بدأت في تلك الفترة العمل والبحث والتعمّق في  المدرسة التعبيرية التي عملت عليها وما زلت، ومن خلالها تمكنت من نقل أفكاري وأحاسيسي إلى المتلقي، وذلك بالعمل على رسم عديد من المواضيع التي تتعلق  بالحالات الإنسانية التي نعيشها، فكان معرضي الأول بحلب  تحت مسمى حالات إنسانية، وبعد ذلك عالجت العديد من القضايا الإنسانية التي تتعلق بالحروب والكوارث الطبيعية من خلال اللوحة، والهدف هو نقل رسالة معاناة أهلنا في سوريا وفلسطين، وكل من عانى من اضطهاد وظلم الديكتاتورية، بالإضافة إلى معالجة قضية انتهاكات حقوق الإنسان والطفولة خاصة أنني جسدتها في لوحاتي، وعرضتها في كثير من دول العالم. فمن واجب الفنان التشكيلي والكاتب والشاعر أن يكونوا رسل سلام ومحبّة ومؤرخين للواقع وما يجري من خلال أعمالهم.

 

لكل فنان طقوسه الخاصة

*وماذا عن طقوسك الخاصة في الرسم؟

أعتقد أن كلّ إنسان له طقوسه الخاصة في المجتمع، والفنان واحد من هذا المجتمع، ولأن الفنان يمتاز بحساسية أكثر من غيره في محيطه، لذلك يمكنني أن أقول إنني لا أستطيع الاقتراب من ألواني ومرسمي لأسابيع، ويمكن لأشهر. فالسطح الأبيض الخاص بـاللوحة يكون أحياناً مخيفاً، ولا يمكن الاقتراب منها، لأنك لا تملك بداخلك أي أفكار وخواطر لتفريغها على هذا السطح، لا سيما أنَّ اللوحة وليدة فكرة، وتأتي دون سابق إنذار.

 

 

 

*الفن التشكيلي غموض وجمال، كيف لغير الفنان قراءة اللوحات الفنية؟

يوجد خطأ شائع وكبير بين الناس العاديين والغير متابعين للفن التشكيلي. يظن هؤلاء أن الفن التشكيلي هو اللوحة التجريدية، أو النصب التجريدي فقط، ولا يعلمون أنّ جميع الفنون البصرية من رسم ونحت وغرافيك وغيرها يتم تسميتها تحت اسم كبير وهو الفن التشكيلي، وإن كل هذه الفنون لها مدارس متعدّدة كالكلاسيكية والواقعية والتعبيرية وغيرها حتى التجريدية.

يمكن القول إن الفن التشكيلي ليس غامضاً، وإنما الغموض في اللوحة التجريدية الغير مألوفة لدى المتلقي العادي والغير متابع للفن، الذي يريد أن يرى الشجرة شجرة، والنار بألوانها وتفاصيلها الدقيقة، بينما اللوحة التجريدية تعتمد على طرح فكرة أو موضوع بشكل غير مباشر، وتعتمد على الألوان والخطوط والرموز، لذى فإن المشاهد العادي لا يستطيع فك هذه الرموز ومعرفتها. ومن هذا المنطلق يمكنني القول أن المشكلة تكمن في المتلقي، وليس في الفنان. فاللوحة فكرة لحظة تتبادر إلى ذهنه بشكل مفاجئ، والفنان لا يفكر بالنتيجة سواء أكانت ترضي المتلقي أم لا، وهل يمكن للمتلقي أن يكون قادراً على قراءة لوحته أم لا لأن الفنان يرى العالم المحيط به بعين مختلفة، بعيداً عن عين الإنسان العادي، لا سيما أنّه يعيش في عالمه الخاص به.

نستخلص من ذلك أنّ قراءة اللوحة تعتمدُ بشكل مباشر على الحصيلة الثقافية والمعرفية بالنسبة للمتلقي، وما يستند إليه من ذائقة ومعرفة جيدة للوحة مما يمكنه من فكّ رموز اللوحات وقراءة مشاعر وأحاسيس الفنان.

 

 

 

 

أعمالي تخترق جدران القلوب

*وماذا عن اللوحات التي تضفي شيئاً على جو المنزل؟

أعمالي ليست من أجل تزيين جدران الأبنية فقط، بل من أجل أن تخترق جدران القلوب، وتحثّها على المحبة والسلام.

اللوحة هي جزء من المجتمع، وقد وجدت على جدران الكهوف منذ زمن بعيد؛ ولذلك أعتقد أنه يجب أن تكون جزءاً من المنزل؛ لأنها تضفي جواً من الدفء والحميمية فيه، وليس بالضرورة أن تكون اللوحة جميلة وأنيقة كالزهور وغيرها كما يعي ذلك الكثيرون، وإنما هناك الكثير من اللوحات العالمية تقرأ فيها الكثير من المعاني الإنسانية والقيم الأخلاقية والفكر العميق، والفلسفة الوجدانية ما يجعلك تفكر في فك رموزها وما تضفيه ألوانها من جمال، ودليلنا في ذلك لوحة “غيرنيكا” من أشهر لوحات  الفنان  بيكاسو التي كانت كرد فعل على جرائم الضحايا نتيجة القصف الذي تم من قبل النازية على بلدة “غيرنيكا” الإسبانية، وما نتج عنها من مآسي ومعاناة لكثير من الناس في تلك الفترة.

*كيف يمكن اكتشاف موهبة الرسم عند الصغار؟

أستذكر هنا قولاً للفنان العالمي بيكاسو كل طفل فنان. المشكلة هي كيف تصبح فناناً عندما تكبر؟.

أعتقد أنّ الموهبة جينات وراثية، ولكن هذه الجينات أشبهها أنا مثل حبة القمح، أو أي بذرة مغروسة بالتراب، فإما أن تعتني بها لتنتج لك سنبلة مثمرة، وإما أن تهملها دون عناية ما يعني أنها تذبل وتذوي، لكنها لا تموت، ولذلك اكتشاف موهبة الطفل تتم من خلال حركاته واهتماماته في المنزل والمدرسة والحديقة، ويمكن من خلال كتاباته على دفتره وجدران بيته، والمواهب كثيرة منها الموسيقا، والرسم والغناء وغير ذلك.

*كيف ترى واقع الساحة التشكيلية للفنانين العرب في النمسا؟

عندما نتحدث عن الفنانين العرب في النمسا يمكن القول إن في فيينا يتوافر روح الفن، لأنها مدينة الفن والثقافة والموسيقا.. فأغلب الفنانين العرب وغير العرب يقيمون فيها، وبعد أن أجبرت على الرحيل من سوريا قسراً، وأحط رحالي بالنمسا في العام 2013 لم يكن في فيينا سوى ثلاثة أو أربعة فنانين تشكيلين عرب ولكن الآن يوجد هناك عدد لا بأس به من الفنانين العرب السوريين والعراقيين والمصريين وغيرهم من باقي الدول، فمنهم الفنانون المهمون ولهم نشاطاتهم الفنية على مستوى العالم، ولكل منهم تجربته الفنية وأسلوبه وتقنيته والبعض الآخر يمكننا أن نقول عنهم أنهم ما زالوا هواة.

 

النمسا/ فيينا