لكل السوريين

اردوغان والنداء الأخير

كثيرا ما يكرر التاريخ نفسه فقبل ستين عاما من الآن، كانت الحكومة التركية يترأسها عدنان مندريس، وكان يتمتع بقوة وسلطة واسعة نظرا لقربه الشديد من كبار قادة الجيش التركي، ولهذا كان يعتقد أن تحالفه مع العسكر قد يمنع الآخرين من التفكير بالانقلاب عليه، لهذا تجاهل نبض الشارع التركي ورغبته الحقيقية بإجراء الانتخابات وإحداث تغييرات حقيقية تخفف من أزمته ومعاناته نظرا لتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي جراء التضخم الذي أنهك الاقتصاد التركي وما رافقه من ركود وانهيار لقيمة العملة التركية تسبب في وقوع البلاد بعجز كبير ظلت تركيا ولعشرات السنين اللاحقة تعاني من تبعاته وانعكاساته السلبية.

واليوم يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بعد أن أضحى الحاكم التركي يتصرف كسلطان ولا صوت يعلو على صوته، حيث أمست رغباته أوامر لا ينبغي لاحد أن يتجاوزها أو يتجاهلها حتى وصل به الأمر إلى التفكير بتعديل الدستور التركي وإعادة تفصيله على مقاسه في سابقة لم يعهدها المجتمع التركي من قبل.

ومرد هذا السعي الاردوغاني المحموم لتغيير الدستور هو انقسام المجتمع التركي وبروز تحالف قوي للمعارضة التركية هو تحالف (الأمة المعارض) الذي ينضوي تحت مظلته حليف اردوغان بالأمس السيد أحمد داوود اوغلو، الوزير الأول الأسبق في الحكومة التركية، ومعه زعيم حزب الديمقراطية والتقدم السيد علي باباجان وكيل الوزارة الأسبق، ويضاف إليهم زعيم حزب السعادة (تمار كارامولا اوغلو)، إضافة إلى كل ذلك مستويات كبيرة من المجتمع والجيش التركي الذي مارس بحقهم اردوغان أبشع سياسات الإقصاء والتنكيل بذريعة الانتماء إلى تيار غولن، مما تسبب  بخلق فجوة كبيرة في المجتمع التركي يصعب ردمها.

وها نحن اليوم نقترب من معايشة نفس السيناريو الذي جرى في حقبة الستينات من القرن المنصرم، حيث أكد الجنرال (الكرباشبوغ ) من أركان الجيش التركي في مقابلة له مع صحيفة جمهوريت الواسعة الانتشار قبل فترة وجيزة على ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية.

وكان هذا التصريح ليس للتذكير فقط بما جرى سابقا، وإنما الغاية من الرسالة تحذير مبطن للزعيم التركي اردوغان بعدم تجاهل مطالب المجتمع كي لا يقع المحذور الذي يخشى عواقبه.

وكان هذا التصريح بمثابة النداء الأخير الموجه للحاكم بأمره اردوغان للعمل بمقتضاه وبما يتفق مع مصالح المجتمع التركي بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة، فهل يا ترى يستمع السلطان العثماني لهذا النداء ويتصرف وبما يمليه عليه واجبه الدستوري من ناحية، ومصالح الشعب التركي من ناحية أخرى، بعد أن ضاق ذرعا بالممارسات التعسفية والديكتاتورية التي اتصفت بها السياسات الاردوغانية خلال الحقبة الماضية من حكمه، دون أن تأخذه العزة بالقوة الخادعة التي يمتلكها الآن، والتي لن تستطيع الوقوف في الشعب ومطالبه الحقة التي لا يمكن تجاهلها، لأن إرادة الشعوب أقوى من كل الإرادات والتجارب على ذلك كثيرة والعاقل من اتعظ بغيره وجنب عن نفسه الكوارث.