لكل السوريين

التراث الثقافي اللامادي

محمد عزو

التراث الثقافي غير المادي هو التصورات والممارسات، وكل أشكال التعبير والمعارف والمهارات التي هي جزء من تراث الأفراد والجماعات البشرية.. وعبر مسيرة تاريخية تغير مصطلح التراث الثقافي في مضمونه تغيراً كبيراً وخاصة في الأخيرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى الصكوك التي وضعتها منظمة “اليونسكو”.

وأصبح التراث الثقافي لا يقتصر على المعالم التاريخية ومجموعات المتبقيات من الماضي التي هي القطع الفنية والأثرية، وإنما يشمل أيضا التقاليد أو أشكال التعبير الحية الموروثة من أسلافنا في الماضي، والتي ستنقل إلى أحفادنا في الحاضر والمستقبل، مثل التقاليد الشفهية، وفنون الأداء، والممارسات الاجتماعية، والطقوس، والمناسبات الاحتفالية كالرقص والغناء وغير ذلك، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، أو المعارف والمهارات المرتبطة بإنتاج الصناعات الحرفية التقليدية كالخزف والزجاج. ويشكل التراث الثقافي غير المادي، بالرغم من طابعه الهش، عاملاً مهماً في الحفاظ على التنوع الثقافي في مواجهة العولمة المتزايدة. ففهم التراث الثقافي غير المادي

للجماعات المختلفة يساعد على الحوار بين الثقافات ويشجع على الاحترام المتبادل لطريقة عيش الآخر.. ولا تكمن أهمية التراث الثقافي غير المادي في مظهره الثقافي بحد ذاته وإنما في المعارف والمهارات الغنية التي تنقل عبره من جيل إلى آخر. والقيمة الاجتماعية والاقتصادية التي ينطوي عليها هذا النقل للمعارف تهم الأقليات مثلما تهم الكتل الاجتماعية الكبيرة، وتهم البلدان النامية مثلما تهم البلدان المتقدمة.. لقد صدرت مجموعة كتيبات عام 2009: معنونة ب“ما هو التراث الثقافي غير المادي عن “اليونسكو”.. إن التراث الثقافي غير المادي هو: تراث تقليدي ومعاصر وحي في الوقت نفسه: فلا يقتصر التراث الثقافي غير المادي على التقاليد الموروثة من الماضي وإنما يشمل أيضاً ممارسات ريفية وحضرية معاصرة تشارك فيها جماعات ثقافية متنوعة وهو تراث جامع، فقد تكون أشكال التعبير المنبثقة عن التراث الثقافي غير المادي التي نمارسها مشابهة لأشكال التعبير التي يمارسها الآخرون. وسواء كانت من قرية مجاورة، أو بلدة أو أتت من مدينة تقع في الجانب الآخر من العالم أو غيرتها جماعات هاجرت واستقرت في منطقة أخرى كما يحدث اليوم، تُعتبر جميعها تراثاً ثقافياً غير مادي: فقد توارثتها الأجيال الواحد تلو الآخر وتطورت استجابة لبيئاتهم، وهي تساهم في إعطائنا إحساساً بالهوية والاستمرارية وتشكل حلقة وصل بين ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. والتراث الثقافي غير المادي لا يثير تساؤلات بشأن انتماء بعض الممارسات لثقافة ما أو لا. فهو يسهم في تحقيق التماسك الاجتماعي، محفزاً الإحساس بالهوية والمسؤولية الذي يقوي عند الأفراد الشعور بالانتماء إلى جماعة واحدة أو جماعات مختلفة وإلى المجتمع ككل؛ تراث تمثيلي: فلا يثمَّن التراث الثقافي غير المادي فقط باعتباره سلعة ثقافية لها طابع متميز أو قيمة استثنائية بالمقارنة مع غيرها. فهو يستمد قوته من جذوره في الجماعات ويعتمد على هؤلاء الذين تنتقل معارفهم في مجال التقاليد والعادات والمهارات عبر الأجيال إلى بقية أفراد المجتمع أو إلى جماعات أخرى.

والتراث يعتمد على الجماعات، ولا يكون التراث الثقافي غير المادي تراثاً إلا حين تطلق عليه هذه الصفة الأطراف التي تنتج هذا التراث وتحافظ عليه وتنقله، أي الجماعات أو المجموعات أو الأفراد – فبدون اعتراف هؤلاء بتراثهم لا يمكن لأحد غيرهم أن يقرر بدلاً عنهم إن كانت أشكال التعبي هذه أو تلك الممارسات تشكل جزءاً من تراثهم.. واليوم نجد هذا التراث اللامادي في سورية تراثاً زاخراً ومعبراً عن التكوين الفسيفسائي السوري الجميل.