لكل السوريين

حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية -2-

بتصرف وإعداد أنعام إبراهيم نيوف

إن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية توحد النساء والرجال والمهاجرين والشعوب الأصلية والشباب والشيوخ من كل الأجناس والديانات والاتجاهات السياسية والخلفيات الاقتصادية والاجتماعية في تحقق مشترك للمبادئ العالمية للحرية والكرامة الإنسانية، ولتبيان ماهية هذه الحقوق وأنواعها كالحق في التمتع بالصحة والحصول على مستوى معيشي ملائم من طعام ومسكن وخدمات، والحق في التعليم والحماية والعمل والضمان الاجتماعي والمشاركة في الحياة الثقافية، فهي الحقوق اللازمة لضمان الحياة الكريمة للإنسان و التي تؤّمن له الرعاية الصحية و التعليم والغذاء و المياه والمسكن و العمل و الضمان الاجتماعي والحياة الاسرية المناسبة و المشاركة في الحياة الثقافية، ويندرج ضمن حزمة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية مجموعة من الحقوق الفرعية , وهي متنوعة من بلد إلى آخر، و تتنوّع كذلك ضمن المواثيق الدولية وصكوك حقوق الإنسان , و يمكن تقسيم تلك الحقوق إلى الأنواع التالية :

الحق في الصحة- الحق في التعليم- الحق في توفير المعيشة المناسبة- الحق في الحماية الأسرية – الحق في العمل – الحق في الضمان الاجتماعي- الحقوق الثقافية.

بالرغم من عدم وجود ما يلزم الدول بتطبيق تلك الحقوق، إلا أنها ملزمة بطبيعتها، نظرا لما تتصف به من خصوصية تجعل منها ضرورة إنسانية.

إن أهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كضرورة حياتية للبشر قد جعلتها تفرض نفسها بقوة ضمن جميع المواثيق والعهود الدولية، ومن أهم ما تضمنته الشرعة الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

ميثاق الأمم المتحدة – الاعلان العالمي لحقوق الانسان – العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

فرضت على الدول الأطراف أن تضمن احترام الحقوق المنصوص عنها في العهد الخاص والإعمال الكامل لتلك الحقوق، والتمتع الفعلي التدريجي بالحقوق الواردة به وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة.

وفي ذات السياق، فقد تضمنت مبادئ ماستريخت مجموعة من الالتزامات على الدول الأطراف في العهد الخاص وهذه الالتزامات هي:

الالتزام بالاحترام – الالتزام بالحماية-الالتزام بالتنفيذ:

إن الالتزامات السابقة ذات طبيعة مزدوجة فهي تتطلب بذل عناية وتحقيق غاية، وذلك من خلال اتخاذ الاجراءات اللازمة بعناية وجدية إعمالا لحق ما، كما يجب على الدول تحقيق أهداف معينة وفقا لقاعدة معيارية محددة.

ويقع على عاتق حكومات الدول بوصفها السلطة التنفيذية مسؤولية تطبيق تلك الحقوق من خلال وزاراتها المختلفة والأجهزة المنبثقة عنها، ومنها وزارة الاقتصاد والصحة والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية والعمل والبيئة، وهذه الوزارات تشكل ركيزة أساسية في جميع حكومات العالم، لكن مسألة الالتزام بتطبيق تلك الحقوق تختلف بين الدول بحسب درجة احترام حقوق الانسان ومدى توفر الموارد المادية لديها.

وقد استلهمت دساتير الدول في أحكامها حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ما ورد من مبادئ في العهد الدولي الخاص والمواثيق الدولية، مع الاختلاف بين تلك الدساتير حول الإشارة الصريحة إلى تلك الحقوق ودرجة تفصيلها، كما أفردت الدساتير فصولا مستقلة ضمنها لتلك الحقوق.

ومن الضمانات الهامة التي تقدمها الدول الديمقراطية في مجال الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية تتمثل في احترام الصفة الإنسانية، فهي تمنح تلك الحقوق ليس لمواطنيها فقط بل لجميع الناس المقيمين على أراضيها بصرف النظر عن أعراقهم أو أجناسهم أو معتقداتهم أو أي اعتبارات أخرى و لكن لمجرد أنهم بشر، وهذا ما يقتضي خضوع أجهزة الدولة جميعها للقانون وقبولها بالرقابة بكافة أشكالها القضائية والتشريعية و الشعبية و احترام حقوق الإنسان، وهذا يحتاج إلى وجود قضاء نزيه ومستقل يكون ضامنا لحماية حقوق الإنسان وفرض الرقابة القضائية و تطبيق مبدأ دستورية القوانين , كما يكون القضاء ملجأً لكل من تتعرض حقوقه للاعتداء، ولا بد من الإشارة إلى أن جميع الدساتير تحرص أن يكون مبدأ استقلالية القضاء من المبادئ الراسخة بها، ما يتطلب ذلك، وجود مجلس تشريعي يمثل مصالح المجتمع و يدافع عن حقوقه و حرياته ويتصدى لكل الانتهاكات التي يمكن أن تتعرض لها حقوق الإنسان، ولا بد من تفعيل دور مؤسسات حقوق الإنسان و النقابات و منظمات المجتمع المدني و وسائل الإعلام لما لها من دور مؤثر في الضغط نحو احترام حقوق الإنسان.

إن حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تتطلب اتخاذ العديد من الاجراءات والتدابير الجدية في أعلى مستويات الهرم التنظيمي والقانوني للبلاد وتطبيقها بشكل حقيقي وذلك من خلال:

اضفاء حصانة دستورية على تلك الفئة من الحقوق، تمكين جميع الأفراد المقيمين على إقليم الدولة من التمتع بتلك الحقوق، خضوع الدولة فعليا بكافة مؤسساتها وأفرادها للرقابة والمحاسبة، العمل على تعزيز مبدأ سيادة القانون والمساواة في المجتمع.

يجب على المؤسسات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني أن تقوم بدورها في نشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع وتوعية الناس حول مفهوم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأهميتها مما يسهم في تعزيز الفكر الحقوقي في المجتمع والحد من الانتهاكات وخاصة ضمن هذه الفئة من الحقوق.

ينبغي تفعيل دور القضاء الدستوري والإداري في البلاد من أجل حماية حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية.