لكل السوريين

مسيو ماكرون… قدس الله سره

” لم تكن زيارة “مسيو” ماكرون مفاجئة إلى المنطقة في هذا التوقيت المناسب له والذي لربما كان ينتظره منذ سنوات ليطل علينا بهذه الفتوة والشجاعة والسرعة، وأين، في بيروت التي أنهكتها التفجير وبغداد التي انهكتها الطائفية كما بيروت. زيارة كانت في زمانها ومكانها وكأنها ضربة حظ جاءت للرئيس الفرنسي الذي كان يبحث عن قشة يتمسك بها ليعوم بفرنسا ثانية في مشرق المتوسط أو الحديقة الخلفية لفرنسا التي كانت يوماً ما جغرافيتها التي تمرح وتسرح فيها أثناء الانتداب. لبنان الدولة التي تم تقسيمها من الشام الكبرى لتكون باراً للنخبة السلطوية اللبنانية الهوية والفرنسية الهوى. ولا يهم حامل تلك الهوية إن كان شيعياً أو سنياً أو مارونياً ولا حتى درزياً لأنهم كلهم يحومون حول الفلك الفرنسي البعيد القريب وكأنه حبل الوريد.

ذهبت فرنسا عن لبنان في 1943 ولكنها لم تخرج كثقافة واقتصاد ومال ونفوذ وانتداب نفسي، وهذا ما رأيناه في جولة ماكرون في بيروت حينما تم جمع عشرات الآلاف من التواقيع والتي تترجى من فرنسا أن تعود كي تنتدبهم ثانية. وطبعاً لا شيء في لبنان يحدث صدفة وإن كل شيء له سببا. وعملية البحث عن السبب هي عملية مضنية كثيراً وربما تكون قاتلة بعض الأحيان، لأنها هي السبب نفسه الذي دعا أهل طرابلس أن يستنجدوا بأردوغان ويرفعوا علم تركيا كي يأتي وينقذهم مما هم فيه، وهو نفسه الذي شجع أهل الجنوب كي يستنجدوا بايران لتكون لهم سنداً بعد الاتهامات الموجهة لهم بضلوعهم في تفجير بيروت.

بيروت التي هي عاصمة مصغرة عن بغداد ولا اختلاف بينهم سوى بالحجم وشكل الانتداب. هنا كانت فرنسا وهناك كانت بريطانيا وكِلاهما يتنافسان على النفوذ والهيمنة مع تشابه الأساليب والطرق في التقسيم والسيطرة وحتى المجازر التي تم ارتكابها أثناء وجودهما في المشرق. من بيروت طار ماكرون ليحط رحاله في بغداد ويوجه رسائله من هناك إلى تركيا التي تبحث لها عن موطئ قدم لها في مستقبل المنطقة ما بعد الفوضى. وحينما كان دخان تفجير بيروت لم يزل يتراقص على أصوات ضحاياه كان ماكرون أول رئيس جاء ليواسي أهل بيروت على هذا المصاب الجلل،

وليخفف من آلامهم وحزنهم والصدمة التي ضربتهم وحولت بيروت إلى مجرد ركام وأطلال ليتغنى عليها السياسيون قبل الشعراء. ماكرون الذي لم يستطع أن يخرج لشوارع باريس حينما ضربتها إضرابات الفرنسيين ذوي القمصان الصفراء ولم يسأل ماكرون حينها أيضاً عن الفنانيين الفرنسيين، لكنه جاء بيروت وتوجه ليزور سيدة الغناء فيروز في دارها وكذلك ماجدة الرومي. رسائل لها مغزاها في اهتمامه بالثقافة اللبنانية وأن فيروز وماجدة هم من يمثلون لبنان وهم هوية لبنان وليس سياسيوها الذين دمروا لبنان بفسادهم وسرقاتهم وصراعاتهم الطائفية والمذهبية والسلطوية.

من بغداد القريبة من ايران وجه ماكرون رسالته لطهران بأنه على العهد باقون في دعمهم لهم وأنه أي ماكرون يدرك جيداً أن فرنسا هي التي احتضنت قائد ثورتهم الإسلامية ومن باريس كانت ثورة الكاسيتات الخمينية التي سبقته إلى طهران ومنها انطلقت الطائرة الفرنسية التي أقلت الخميني لتحط به في مطار طهران وليعلن انتصار الثورة الإسلامية. فرنسا التي كانت من أول المدافعين عن فرنسا في اتفاقها النووي مع أمريكا والتي رفضت انسحاب امريكا من الاتفاق واعتبرته خروجاً عن قواعد الاتفاقات الدولية. كذلك فرنسا كانت القوة الاقتصادية الثانية بعد ألمانيا في علاقاتها مع طهران. كل ذلك جعل من ماكرون يذهب إلى بيروت ومن بعدها إلى بغداد ليوجه رسائله من هناك لأطراف عدة. وبكل تأكيد أن هاتين الزيارتين لما كانتا أن تتم لولا الموافقة الضمنية لطهران وكذلك الضوء الأخضر من مرشد الثورة.

الانتخابات الامريكية على الأبواب وأن مستر ترامب مشغول في صراعه مع غريمه من الحزب الديمقراطي وكذلك كم المشاكل الداخلية وهو أي ترامب ليس لديه الفراغ ليهتم بمشاكل المنطقة على الأقل في الوقت الحاضر وحتى الانتهاء من الانتخابات. وتم توكيل مهمة إدارة المنطقة لمسيو ماكرون كي يصول ويجول فيها يسترجع أيام الخوالي لفترة الانتداب. ولكنه الان يدخل المنطقة من بابها الأوسع وبرضى شعوبها. حالة من الاغتراب الذاتي والفكري نعيشه وقادة المنطقة وزعمائها منشغلين بضرب شعبهم وتهجيرهم. فحال بيروت المدمرة ليست أفضل من المدن السورية ولا العراقية ولا الليبية ولا اليمنية المدمرة. فعلى مسيو ماكرون أن يذهب ويزور تلك البلدان والمدن أيضاً لأنه ما حدث فيها من تفجير بكل تأكيد أن لفرنسا يد فيها، ليذهب ويرى ما فعلت قواته وأسلحته بتلك المدن.

وحتى نعود لحقيقتنا والارتباط بتاريخنا سنواصل مشاهدة هذه المآسي والأحزان.

محمد أرسلان علي