لكل السوريين

التحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني في نشاطاتها لمكافحة الإرهاب

مع امتداد الأزمة السورية لعدة سنوات وتطور الأوضاع العامة إلى مواجهات مسلحة بين جميع أطراف النزاع السوري واستباحة منظومة حقوق الإنسان من قبل جميع تلك الأطراف المتنازعة الأمر الي ادى إلى ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والذي أدى بدوره إلى دمار البينة التحتية للدولة مع كامل مؤسساتها، وتقلص سلطة الدولة في بعض المناطق السورية والانهيار الشبه كامل للعديد من مؤسسات الدولة المعنية بحماية المواطنين وخاصة القضاء والشرطة والمؤسسات الأخرى المعنية بتأمين الحماية والأمن للمواطنين، ومع استخدام القوة المفرطة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كانت كفيلة بظهور تنظيمات إرهابية موغلة في التطرف والتشدد، بحيث تحولت الساحة السورية إلى بؤرة اقليمية ودولية من النزاعات استقطبت العديد من الأشخاص والتنظيمات الإرهابية وظهور تنظيمات جديدة اشد إرهابا من سابقاتها مثال تنظيم (داعش) الإرهابي، توفرت على بيئة خصبة سورية سمحت لهذه التنظيمات بإيجاد حاضنة شعبية التي تأويها و قبول نهجها المتطرف.

وبما أن الإرهاب ظاهرة تهدد كامل منظومة حقوق الإنسان وأشد خطراً من أي ظاهرة أخرى في العالم على تلك الحقوق نظراً للانتهاكات الكبيرة التي ترتكبها تلك التنظيمات بحق الإنسان وكامل حقوقه، وما يشكله من خطر على التنمية وتطور الشعوب وتآلفها وتقاربها.

فإن مسؤولية مناهضة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية تقع على عاتق الجميع وفي مقدمتها المنظمات المعنية بحماية وشيوع حقوق الإنسان في المجتمعات، إلى جانب التنظيمات السياسية والعاملين في الشأن العام ومنظمات المجتمع المدني، وذلك من خلال نشر المعلومات والانتهاكات التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية ونشر ثقافة حقوق الإنسان وقبول الآخر ونشر ثقافة التسامح والسلم الأهلي والمجتمعي ونشر الوعي الحقوقي للوصول إلى تحصين المجتمع بتلك الثقافة الأمر الذي يحرم التنظيمات الإرهابية من الحاضنة الشعبية للنمو والتمدد فيه، حيث أن اللبنة الأولى لمكافحة الإرهاب هو حرمانه من الحاضنة الشعبية التي تتقبله وتعمل على انتشاره وتمدده، إضافة إلى أمكانية تعبئة الجماهير والحشد الشعبي للمطالبة المجتمع الدولي لتكثيف الجهود من أجل مكافحة الإرهاب ووضح حد لتمدده وانتشاره والوصول بالمجتمع الدولي ومؤسساته المعنية إلى إصدار وتنظيم معاهدة دولية لمكافحة الإرهاب ومنع انتشاره.

وهذا ما كان من توجهات المنظمات المدافعة عن حقوق النساء وحقوق الانسان الناشطة بالداخل السوري، بالرغم من مختلف التحديات التي واجهتها على المستوى الذاتي والموضوعي.

إن التحديات ناتجة عن وضعيتها التاريخية، لكننا سنشير إلى التحديات في هذه المرحلة التاريخية الحرجة ومنها:

عجز هيئات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في ايجاد الكيفيات والاليات الضرورية الهامة للدخول بحوار مع الأشخاص أو الجماعات المرتبطة والممارسة للعنف والإرهاب، والذي سيكون أسهل بكثير من دخول الحكومات والدول فيه، حيث أن هذه الحوارات لا تعطي الجماعات التي تمارس العنف أي نوع من الشرعية أو التبرير.

إن سياسات مواجهة الإرهاب ترکت تأثيرات سلبية علی مفهوم الاختلاف في العقيدة كمفهوم ديمقراطي وحرية الراي والاعتقاد، وقد أثرت هذه السياسات بشکل خاص علی أداء المنظمات الحقوقية والاهلية ووسائل الإعلام العامة، بما صعب من عمل هذه المؤسسات وتعاملها مع الحكومات والتجمعات المحلیة.

ومن التحديات الأخرى، والقلق من مسألة کون المؤسسات المدنية والمنظمات الحقوقية تشکل عائقا أمام الأجهزة الحكومية، في مواجهة  ظاهرة الإرهاب، وخاصة عبر المطالبة، في مثل هذه الظروف، تحقیق احترام حقوق الإنسان ومراعاة القوانین الانسانية والدولية، باعتبارها عناصر أساسية في استراتيجية فاعلة لمواجهة الإرهاب، کما تتهم المؤسسات المدنية بأنها تسعی لتحقيق أهداف جهات أجنبية بدل اهتمامها بالمصالح الوطنية، وما يزيد في الأمر سوءا هو تعرض المدافعين عن حقوق الإنسان للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب, تحت شعار مواجهة الإرهاب ، وقد وصل هذا التعذيب أحيانا إلی تهديد سلامة حیاة بعض المدافعين عن حقوق الإنسان أيضا، لذلك یجد هؤلاء المدافعون عن حقوق الإنسان والمعرضون هم أيضا للخطر صعوبة في إيضاح الطرق والسبل الصحيحة لمنع استمرار العنف والارهاب.

أن المعوقات والتحدیات التي یواجهها المجتمع المدني والمنظمات الأهلیة في العمل في مکافحة الإرهاب تعود مباشرة إلی دورها الرادع والوقائي، فعلی سبیل المثال یصعب علی هذه المنظمات العمل في ظروف ومناخات لا تتوفر على حق المشاركة والتعددیة السیاسیة أو ان هذه التعددية ضعيفة وهشة، هذا في حین أن عدم وجود تعددیة سیاسیة یوفر الأرضیة الخصبة لجذب عناصر إرهابية.

ومن التحديات الأخری التي تضع مؤسسات المجتمع المدني أمام صعوبات التعامل مع الرأي العام وإمكانية تعبئته في مواجهة الارهاب، هو تطبيق القوانین التي أقرت حدیثا حول الإرهاب، هذه القوانین التي وضعت وفقا لتعاریف فضفاضة لمصطلحات مثل الإرهاب والأصولیة والتي تفتح الطریق أمام استغلال القوانین, وهذا ما ترك آثارا مدمرة علی أداء الناشطین في المؤسسات المدنیة والمنظمات الحقوقية خاصة الذین یرکزون في نشاطهم علی مکافحة العنف والإرهاب.

ومن التحديات البينة والخطرة، هذا الحجم الهائل من السجالات الکلامیة والإشاعات والتصريحات الحكومية وغير الحكومية والشعبية، بشأن الإرهاب ومواجهته، في حین أن أغلب قطاعات المجتمع تفتقد لإمكانية الحصول علی معلومات موثقة وكذلك لفهم صحیح وموحد حول الإرهاب ومواجهته.

أنعام إبراهيم نيّوف