لكل السوريين

السواس من أقدم المهن في حلب وأعرقها

حلب/ خالد الحسين 

السواس رجل فخور بنفسه يملك عمودا فقريا سليما وشرايبن مرنة، نحيف ذو أذن موسيقية يعشق الماضي وهو ضابط ايقاع شوارع حلب.

والاذن الموسيقية عند السواس تأتي من شرب السوس، حيث يرفع ضغطه قليلا وارتفاع الضغط يشد غشاء الطبل في الأذن الخارجية مما يجعله مرهف الحس للإيقاعات، ويلاحظ على مرضى الضغط انهم يصابون بطنين في الاذن كعارض من عوارض ارتفاع ضغط الدم.

ارتبطت مهنة السواس بالسقاية عند قريش، وبما اننا لا نملك كعبة في حلب فإن السواس يطوف على المساجد بعد صلاة الظهر والعصر ويبيع السوس للمصلين بعد اداء الفريضة، وربما وجد السواس محسنا يشتري منه القربة كاملة ويجعلها سبيلا على روح امواته، فيتجمع المارة ويشربون مجانا تعلو وجوههم ابتسامات الفرح بتناول هذا المشروب اللذيذ.

تطورت قربة السوس في القرن العشرين مع ظهور حنفية القلاووظ، حيث كانت في القرن التاسع عشر قربة عديمة الحنفية عامودية نحو الاعلى، ويميلها السواس لكي ينساب منها السوس حسب نظرية الاواني المستطرقة.

لكن حلب صنعت قربتها الحالية في سوق النحاسين باستخدام النحاس المطلي، وعليها نقوش ونجمة وهلال تعطيها طابعا مقدسا الى حد ما.

وتتألف القربة من خزانين الاول رئيسي للسوس والثاني أصغر منه للماء، ولكل خزان حنفيته الخاصة.

هناك اشياء كثيرة تطورت مع دخول حنفية القلاووظ الى حلب، ونذكر منها ظهور القاظانات والحمامات الخاصة في كل بيت، وكذلك ظهور باعة المازوت المرتبطين بالحنفية والحمام ارتباطا وثيقا، وسببت هذه العوامل افول نجم حمامات السوق العامة.

السوس بالأصل آفة زراعية تنمو على حساب الخضراوات في الاراضي كثيرة السقاية (باذنجان فليفة بندورة)، وكانت المسافة الفاصلة بين اغيور وقسطل الحرامي، يمر منها جدول ماء هابط من الجبل الأحمر (ثكنة هنانو) وهذا الجدول سمي فيما بعد الشرعسوس وتعني شارع السوس، وكانت منطقة خصبة تزرع فيها الخضار وتباع في اغيور ضمن خان يشبه سوق الهال، وبقي هذا الخان مركزا لبيع الخضار حتى وقت قريب.

بعد انتشار البناء في القرن الثامن عشر في الشرعسوس بقي بئر مسبح الصحة ليشير لنا الى ان هذه المنطقة كانت بساتين تفصل اغيور عن قسطل الحرامي في الماضي .

اخذت العديد من عائلات حلب كنية سواس في تسجيل نفوس عام 1922 ,وبالطبع فإن لهم كنية اخرى ونسب حقيقي ،لكن التسجيل لم يراعي ذلك النسب واكتفى بالمهنة .

والسواس بالاصل بستاني ،لكن غياب البساتين عن حلب نتيجة المد العمراني حوله الى بائع سوس ،وهناك ادلة على اصول السواس البستانية :

1- السواس يعمل في الشتاء بائع مازوت وهذه المهنة تحتاج الى رجل يجيد التعامل مع الدواب وهذا يعطينا اشارة  الى  اصوله البستانية .

2- اغلب عائلات السواس تسكن شمال حلب ،قسطل الحرامي وقسطل المشط والشرعسوس وصقاق الطويل  ،وسكان هذه الحارات في غالبيتهم بساتنة في الاصل .

السوس صنفته منظمة الأغذية العالمية على انه ( super food),لما له من فوائد كثيرة ،فهو مضاد اكسدة من الطراز الرفيع ويمنع حدوث السرطان .

والسوس شره للبوتاسبوم يتحد معه مسببا ارتفاع ضغط الدم عند الاشخاص قليلي  الحركة ،بينما ينشط ضربات القلب عند الرياضي .

لذلك فإن مشكلة ارتفاع ضغط الدم تتعلق بسلوكك وليس للسوس ذنب فيها .

لم يكن ارتفاع ضغط الدم مشكلة شائعة في الماضي القريب ،بل هو مشكلة جاءت مع تطور المواصلات ودخول التليفزيون وقلة الحركة ،وكذلك مع ظهور الزيوت المهدرجة ( السمن النباتي ) ،جميع هذه العوامل جعلت قلوبنا اضعف وشرايينا اضيق .

السمن الحديدي ودهن الخروف لايصيب الشرايين بالتصلب ،بل على العكس يكسبها المرونه .

ومن اسرار السوس انه يمزج بنسبة قليلية جدا مع البن اثناء الطحن ( نصف ملعقة شاي من السوس لكل 5 كيلو غرام بن )،وبائع البن الناجح يفعل ذلك ليعطي القهوة مذاقا يجعلك تعود للشراء منه  البن مرة اخرى ،والتفسير العلمي لهذه المتعة هو ان السوس يساعد على امتصاص الكافائين في الامعاء فيزيد من  حالة الرواق عند تناول القهوة.