لكل السوريين

شتّي.. وزيدي

لطفي توفيق

شـتي وزيدي…
بيتنــا حديدي…
وعمنـا عبد الله…
والرزق على الله.

هذا ما كنا نترنم به عندما تهطل دموع السماء للمرة الأولى..

وتعانق التراب البكر..

فتفوح من هكذا عناق طيوب بالغة الروعة.. والتفرد.. والندرة.

ومع عبق هذه الرائحة.. التي لا تتكرر ولو تكرر العناق..

نسير في طرقات ضيعتنا الترابية..

وتنطلق حناجرنا الغضّة بالشدو:
شتي وزيدي….
وتصبح هذه الأغنية رحلة عشق طفولية عذبة..

قبل أن يتلاشى عطرها رويداً… رويداً..

عندما نعود إلى بيوتنا وندرك أنها لم تكن “حديدية” كما كنا نغني.

كانت سقوفها الطينية لا تحمي من المطر..

ونوافذها الكهلة.. لا تصمد في وجه الريح..

وأبوابها الهرمة.. تهتز مفاصلها أمام هجماته.
فنهرع إلى الأواني.. وسطول السمن الفارغة..

لنضعها تحت “الدلف” الذي ينهمر من سقوفنا الطينية..

وتضع أمهاتنا ما تيسر من أشياء خلف النوافذ الكهلة.
ويمر وقت ننام ونصحو خلاله على نغمات الدلف المتساقط على الأواني..

بإيقاعات متناغمة مع نشاز صفير الرياح..

قبل أن ترحل أصوات الأواني وصفير الرياح..

وقد قام الرجال بإصلاح السطوح والأبواب والنوافذ..

بهمة يحسدون عليها وهم يغنون أغنيات خشنة..

ولكنها تشبه أغنيتنا بطريقة نستطيع أن نشعر بها..

ولا نقوى على تفسيرها.
وتوقف الدلف.. وانزوت الرياح خلف النوافذ..

وعم الدفء.. فصار بيتنا.. “حديدي”.. فعلاً..

أما.. عمنا عبد الله.. فلم ألمحه بين الرجال الذين أصلحوا البيت..
وعرفت بعد مرور الزمن..

أن أي مخلوق ذكر.. هو مشروع عبد الله.

وبعد مرور الكثير من الزمن..
بقي السؤال المؤرق في ذاكرتنا.. وقد غادرتنا براءة الطفولة:

هل بيتنا “حديدي” فعلاً ؟..
إذا كان كذلك… فلتستمر الرياح بعصفها… والرعود بقصفها…
فلا شيء يهم..

وإذا لم يكن كذلك..
فلماذا لانبحث عن عمنا عبد الله.. وعمنا عبد الهادي.. وعبد الفادي..

وعبد المولى.. وعبد الـ…..

لإصلاح بيتنا.. وتحصين نوافذه وأبوابه.. وتحويله إلى “حديدي”..

في مواجهة عصف الرياح.. ولمع البروق.. وهدر الرعود؟!!..

وفي مواجهة السواطير العصرية..

وفي مواجهة ورثة الامبراطوريات البائدة.

إذا تمّ ذلك سنغني معاً.. كما كنا نفعل في طفولتنا:
“شتي وزيدي..
بيتنا حديدي”.