لكل السوريين

إذا تجرد الرجل عن إنسانيته يتحول إلى وحشٍ كاســــــــرٍ، ضحايـــــاه الزوجــــــــة والأطفــــال

عانت المرأة سابقاً ولا حقاً بصمتٍ وصبرٍ من غياب الزوج طويل الأمد، فهي التي تحتمل مسؤولية تربية الأطفال لوحدها، وتقوم على تأمين كل متطلباتهم المعيشية، وعلى رعايتهم أثناء أمراضهم. وعن تسجيلهم في المدارس ومحاولة الحفاظ عليهم من حرِّ الصيف وقرِّ الشتاء.

وبعد كل هذه الأعباء يبقى هاجس الخوف من ألسنة البشر التي لا ترحم بالتعرض لكرامتها خاصة إن تبادلت الزيارات مع أحد أو إذا زارها أحد.. فالتُهم والغمزُ واللمزُ جاهزة على ألسنة النســــاء اللواتي يتربصن لأي زلة مهما كانت بسيطة لتلك المرأة المسكينة التي تصبح سجينة في بيتها تجنباً للألسنة السليطة.

ينسى المجتمع أن هذه المرأة بالإضافة لحقوقها على الزوج من أجل مساعدتها في مسؤولية البيت هي بحاجة عاطفية وجسدية حتى وإن كانت امرأة ريفية بسيطة لا تتقن فن التعبير عن تلك المشاعر أو المطالبة بحقوقها كابنة المدينة الواعية.

كان بعض الأزواج يذهبون إلى دول الخليج يعملون هناك ويغيبون عـــام أو عامين أو أكثر تاركين العائلة خلف ذاكرتهم مكتفين بإرسال مبلغ من المال لهــم بين آونة وأخرى.. كما يقوم البعض منهم بالزواجٍ من امرأة أخرى من البلد التي يعمل بها.. وحين يقوده الحنين الى عائلته.. يذهب بمفرده ويخبر زوجته أنه قد تزوج عليها.

وإذا احتجت يضعها بين أمرين: الامر الأول أن ترضخ إذا كانت تحرص أن تبقى مع أولادها وتلتزم بالصمت.. والأمر الثاني التهديد بطلاقها.. فتذرف الدموع بصمت وتلتزم بالأمر الأول. وبهذا يكون قد أضاف الى متاعبها مأساة هي الأكثر مرارة بالنسبة لكل ما تعانيه. وهذه المأساة تعاني منها أغلب نســــاء الريف.

أما بالنسبة لنساء المدينة فالأمر مختلف وقد ترفض أغلبهن هذا الأمر ويطالبن بالطلاق وفي هذه الحالة يتعرض الأطفال إلى الضياع والعذاب.

سأروي لكم عن قصة شهدتها كدليل بأم عيني لامرأة وثلاث أبناء.. تتراوح أعمارهم بين الثانية.. والرابعة.. والسادسة من العمر.. أقنعها الزوج بالسفر إلى أميركا من أجل تحسين وضعه المالي ووعدها أنه سيرسل في طلبها للحاق به عندما يجد عملا.. فرحت وحزنت في آنٍ معاً.. وحين تحدثت إلى جاراتها وأهلها شجعوها من أجل تحسين وضعهم المعيشي.. ودعته بالدموع والنحيب.

وبدأت تعد الأيام والشهور والسنين بحزن ومرارة.. وجاءتها الأخبار إنه تزوج من أمريكية ويعمل ويصرف على الملذات ما يشاء وبعد خمسة عشر عاما عاد إليه وقد أصيب بالسرطان.. هذه القصة تشبه آلاف القصص المشابهة.. سواء من نساء الريف أو المدينة.

ومن مآسي العصر الحديث.. هناك حالة أفرزتها الحرب.. فهرب الرجال المتزوجين وغير المتزوجين إلى بلاد الغربة تاركين الأهل والزوجات برسم الانتظار والوعود الخائبة.. وعندما تستمر المماطلة في لم الشمل يتزوج الرجل تاركاً زوجته وأولاده يعانون من قسوة الحياة.. وكثيراً من الأبناء يتركون مدارسهم لضيق العيش ويلتحقون بمهن مختلفة ليؤمنوا ثمن أرغفة الخبز لأخوتهم الصغار.

كما تضطر الأم إلى تزويج بناتها رغم صغر سنهم لتتخلص من مصاريفهن، وقد تفشل معظم هذه الزيجات نتيجة عدم وعي الشابة لأمور الزواج وخاصة من ناحية النضوج العاطفي وغيره.

وفي هذه الأحوال مجتمعة تعيش الام هائمة على وجهها في صحراء الحياة تبحث عن أمل في السماء والأرض فلا تجد.. فتتجرع كؤوس الضياع المترعة بمرارة العيش أمام مجتمع عالمي وعربي فقد كل أمور الإنسانية التي أصبحت حبراً على ورق..!