لكل السوريين

طقوس رقاوية في طريقها إلى الانقراض؟

فوزية المرعي

شكل من أشكال المعاناة التي كانت تقوم بها المرأة الرقية سابقا في الريف والمدينة حين كانت الرقة قرية كبيرة لا تختلف طقوسها الحياتية كثيرا عن عادات الريف.

السليجة: وأصل الفعل (سَلَقَ)والجيم مصرية، أو جيم خزرجية، والتصريف اللغوي للمفردة، السلق في الطبخ هو طهي المادة الغذائية بالماء كسلق البيض والبطاطا والحنطة وما شابهها.

السَليقَةُ: الطبيعةُ، يقال: فلان يتكلم بالسليقة، أي بطبعه لا عن تعلّم. السليجة في الطقوس الدينية: قال رسول الله ص.ع (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فذاك صيام الدهر).

كانت نساء الرقة بعد صيام الأيام الستة تقوم بتحضير ما يعرف عند أهل الرقة (سليجة السّت) وهي عبارة عن الحنطة، والذرة، الهكط، حمّص، زبيب، عوّين، تسلق في قدر كبير، وبعد النضج توزع على الجوار والحي بأكمله، وكان الأطفال يفرحون كثيراً بهذه الوجبة ويقتتلون عليها. وعنها انبثق المثل الشعبي المعروف حين تختلط أمور كثيرة في أمرٍ ما يطلق هذا المثل: (سليجة السّت).

من طقوس النذور عند الرقيات، طهي السليجة وتوزيعها على أهالي الحي والفقراء في حال تحقيق أمر ما فيه استحالة، وتصنع السليجة وتوزع على الأطفال والكبار في حال ظهور الأسنان اللبنية عند الطفل.

سليجة ـ الحنطة ـ البرغل؟

من الطقوس الغذائية الجميلة التي كان يقوم بها أهالي الرقة قديماً هو سلق الحنطة من أجل صنع البرغل بأصنافه المتعددة، ويقوم بعملية السلق الرجال والنساء، في وعاء كبير يطلق عليه (الحلّة) وهناك حجمان للحلّة واحدة تتسع لكيس من الحنطة والأخرى تتسع لكيسين.. وذلك حسب ما ترتئيه الأسرة من كمية البرغل.

تقوم المرأة بعملية غسل الحنطة، بينما يقوم الرجل بمساعدة ذويه بتجهيز الحلة وسكب الماء فيها مع الحنطة وتتم عملية السلق بإشعال جذوع الحطب تحتها حتى يتم سلقها وتنضج، واستبدل الحطب في بعض الأحيان بدولاب بلاستيكي قديم..

وبعد أن تتم عملية السلق يتساعد الشبان والشابات من أهل الحي بتفريغ السليجة وفردها على أرضٍ نظيفة من الاسمنت، وقبل أن يدخل الاسمنت كانت السليجة تفرد على حصر أو خيش، وقد شاهدت بأم عيني مشهداً آخر لتجفيف السليجة وهو، وضعها على سطح الغرف وتتم العملية بواسطة الحبل والدلو لرفعها بعيداً عن الحشرات الأرضية وعن عبث الصغار بها وتُحرك يومياً حتى تجف.

أما أطفال الحي فيجتمعون كلٌ يحملُ بيده طاسة ليملأها بالسليجة ولا يقتصر الحشد من أطفال الحي فقط، بل يتهافتون من الأحياء الأخرى ويشكلون تظاهرة من إناث وذكور يرقبون بفارغ الصبر نضج الحنطة.. وعندما تنتهي عملية السلق، يقوم صاحب البيت بتلبية رغبات الأطفال الذين يحومون حوله كالفراشات. فيملأ أوانيهم ويمضوا فرحين يلتهمون السليجة بعد إضافة قليل من السكر عليها. وهي الوجبة الأشهى لهم في موسم ينتظرونه بفارغ الصبر من عام إلى عام..

بعد عملية التجفيف تتساعد نساء الحي بتنظيف الحنطة وتنقيتها مما يشوبها كالزوان أو الحصى أو الشعير وغيرها ثم تعبأ بأكياس وتوضع في مكان نظيف وجاف لتبدأ بعدها عملية الجرش.

كانت (الجاروشة) أو الجرّاشة تنتقل من بيت إلى بيت ومن حيٍ لآخـــر لجرش البرغل ويطلق على الرجل الذي يقوم بعملية الجرش(الجراش)وكان يتقاضى أجره على طريقتين، الأولى نقدية والثانية عينية من مادة البرغل وذلك حسب الاتفاق بينه وبين أصحاب الشأن.

أصناف البرغل المجروش: البرغل الخشن وهو الذي يطهى كوجبة غذائية مع الشعيرية أو بدونها مع الدجاج أو اللحم بأصنافه ويفضلونه أهل الرقة حتى الآن عن وجبة الرز.

البرغل الناعم: وهو الذي تصنع منه وجبة الكبة بأصنافها المختلفـــــة كالكبة المقلية أو المشوية أو الكبة بالصينية أو …والقائمة تطول…والوجبة المفضلة عند الرقيين هي الكبة النيئة المشهورة بـ(الجيكة) والجيكة تصنع بأصناف مختلفة: جيكة بالهبرة.. جيكة بالسمنة.. جيكة بالزيت.. جيكة بالعدس وهي مزيج من البرغل بالعدس الأصفر وتصنع بالزيت أو السمن.

وهناك صنف من الكبة (الكبة المسلوقة) وتصنع من جريش الحنطة دون أن تخضع الحنطة لعملية السلق، وتعبأ أصناف البرغل بأكياس نظيفة على مناضد وتأخذ مواقعها في غرفة (المونة) لتكون في متناول يد المرأة على مدار السنة.