لكل السوريين

حالة سور “الرقة” الأثري

محمد عزو

هناك أهمية قصوى لترميم المباني والأسوار الأثرية. وهذا يعتبر اهتمام بالمباني والأسوار القديمة التي تعود إلى عصور ماضية، إلا أنها تشكل حضارة لعصور حالية، كذلك الأمر فالترميم يهدف إلى معرفة المشاكل التي تعانيها منشآت المدن التاريخية من الناحية الترميمية، وأنه لابد من إيجاد الحلول الذي يعتبر خطوة تطويرية لعملية الترميم في سورية ولاسيما في مدينة “الرقة” التي تحتاج منشآتها الأثرية إلى أعمال ترميم عاجلة وخاصة سورها الأثري.

ويعود سور الرقة (الرافقة) إلى العصر العباسي الأول (منتصف القرن الثاني الهجري، الثامن الميلادي)، شُيّد سنة 155 هـ / 772 م من اللبن المجفف تحت الشمس وباستخدام الجص كمادة رابطة. مع أعمدة خشبية من شجر الصفصاف. وسور الرافقة، يبلغ طوله الأساسي 5 كم تقريباً، وطوله الحالي 3,5 كم بعرض 6م عند القاعدة،  و *- 5,90 م في الأعلى، وعلى الرغم من تباين الارتفاعات فيه إلا أن ارتفاعه يُقدّر في المجمل بين من : 9 إلى 13 متر تقريباً، وقد أُجريت عليه ترميمات كثيرة آخرها ترميم عام 2010م والذي تضمن فك الجدران المبنية باللبن وتدعيم أساساتها واستبدال اللبن التالف نتيجة الرطوبة بقطع جديدة أكثر احتمالا للعوامل الجوية، فكانت على الواجهات من اﻵجر المشوي وبنفس القياسات العباسية القديمة 27×15×7 سم ، والحشوات الداخلية بمادة اللبن النيء.

يأخذ سور الرافقة شكل نعل الفرس، وهو مبني على نمط سور “بغداد” المبني خلال فترة “أبي جعفر المنصور” (القرن الثاني الهجري، الثامن الميلادي).

تشير الدراسات الأثرية إلى أن سور الرافقة قد شُيّد فيما مضى بشكل مضاعف، حيث كان هناك سور داخلي وخارجي يفصل بينهما (فصيل)؛ وهو الجزء الذي يسمح بتحرك الجنود لحماية الأسوار.

ويبلغ عرض الفصيل الداخلي 20,80م، ويهدف إلى تسهيل حركة الجند والأسلحة وتبديل الجند، والخندق المائي الذي كان يحيط به من الجهات الثلاث؛ الشرقية والغربية والشمالية وذلك لحماية السور من الرطوبة وتفتت أساساته، بعد ملء الخندق بالمياه لحماية المدينة عن طريق قناة (النيل) التي قام بحفرها قديماً “الملك حمورابي” وفيما بعد جددها- “هارون الرشيد” في عصره، ويُذكر أن هذه القناة كانت مُبلطة بالآجر. فيما شكّل نهر “الفرات” الذي يجري في الجهة الجنوبية من المدينة حاجزاً مائياً طبيعياً للمدينة.

وعلى الرغم من غياب الخندق المحيط به إلا أن هيبته مازالت ماثلة بأبراجه الدائرية الشكل، والتي قامت على أساسات صخرية من الحجر الكلسي مكونة من مدماكين يتموضعان فوق بعضهما البعض بارتفاع يبلغ نحو 65 سم، وهي التي ساعدت في الحفاظ على بنية السور وعدم انهياره.

وأهم هذه الأبراج تلك القريبة من البوابات الرئيسة باب بغداد؛ وباب الجنان في الزاوية الجنوبية الغربية الذي لم تعد له آثار واضحة وكان خلفه يقع برج الزاوية الضخم وكانت بقاياه تسمى عند أهل الرقة ب “الكلة”، التي أزيلت قسراً عام 1964م، و”باب بغداد” الذي تشير الدراسات إلى أنه منشأة منفصلة عن السور، إلا أنه لا يوجد دليل قاطع على ذلك، وهو باب “السبال” الذي قام بتجديده “هارون الرشيد”، ويحيط بالأبواب من الجانبين برجان دائريان كبيران، كما تنتشر الطاقات على السور الداخلي لتسهيل حركة المرور. وتشير الدلائل الأثرية إلى أن “هارون الرشيد” أمر بتلبيس الأسوار والأبنية التي بناها جده “أبو جعفر المنصور” بالآجر المشوي للحفاظ عليها.. ونتيجة لأهمية هذا السور والمنشآت.

الاثرية الأخرى كـ “قصر البنات” و”جامع المنصور”، فقد رُشحت مدينة “الرقة” لنيل جائزة “ميلينا ميركوري” من قبل اللجنة الوطنية “لليونسكو”؛ وذلك لأن “الرقة” تعتبر واحدة من أكثر المدن في العالم محافظة على طبيعة أسوارها الدائرية، بالإضافة إلى حصولها على جائزة منظمة المدن العربية للحفاظ على الآثار والتراث في عام 1986.. وفي تموز من عام 2017 تعرضت الأسوار لأضرار كبيرة نتيجة الضربات العسكرية من قبل قوات التحالف، كما تعرض السور عند باب “بغداد” لأضرار كبيرة أخرى نتيجة انفجارات هائلة، مما أدى إلى انهيارات كبيرة فيه، وحيث أنه يعتبر من مواقع التراث المهدد بالخطر، فقد عملت لجنة الثقافة والآثار على ترميم في الضلع الجنوبي في الأماكن الآيلة للسقوط.. والسور اليوم بحالة صعبة ويحتاج إلى أعمال ترميم عاجلة جداً.