لكل السوريين

مصير السياسة التركية في ضوء العهد الأمريكي الجديد

حسن مصطفى

لا يستطيع أحد أن يشك بأهمية تركيا في معادلات السياسة الشرق أوسطية، ولكن يغدو ضربا من الغباء السياسي أن يتصرف رجل السياسة التركية الأول والمقصود هنا الرئيس أردوغان كما هو حاصل حاليا دون أية ضوابط أو اعتبار للمحظورات الدولية السياسية الدولية، فتارة يتدخل في سوريا بذريعة دعم المعارضة السورية من ناحية، ومن ناحية أخرى يزعم بعزمه إعادة توطين اللاجئين السوريين في بلادهم، وهذا لم يحدث قط، بل كل ما قام به هو المشاركة والمساهمة في عمليات التغيير الديمغرافي التي حدثت في العديد من مناطق المعارضة السورية، بعد أن قام السيد اردوغان بالاتفاق مع النظام وحليفه الروسي على تسليم تلك المناطق للنظام عبر صفقات مشبوهة، بعد أن جرى التخلي عن تلك الفصائل وتركها لقمة سائغة بيد النظام وحلفائه.

وبالمقابل نجده يبحث عن الذرائع الواهية لغزو الأراضي السورية في شمال شرق سورية، ولم يكتفي بذلك بل نقل ملعبه إلى ليبيا فعل بها لفترة من الوقت، ولكن الدخول المصري في الملعب الليبي وبمشاركة أوروبية أفشل المخطط الاردوغاني وراح يجر أذيال الخيبة والفشل، وآخر مغامراته كانت اقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أرمينيا أذربيجان، حيث جاء التدخل الروسي ليحسم النزاع.

ولكن ليس كما يهوى الجانب التركي أن كل تلك المغامرات السياسية التركية جاءت بمباركة وصمت من ادارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان يحرص على مساعدة الرئيس اردوغان عبر غض الطرف عن سياساته الطائشة والغير مسؤولة، لكونه عضوا في حلف الناتو.

وقد كان الرئيس ترامب يحرص على تلك العلاقة التي كانت تخفي وراءها صفقات مشبوهة، أما اليوم فقد تغيرت المواقف الأمريكية، وجاء إلى البيت الأبيض الرئيس الديمقراطي جو بايدن، الذي لم يكن يخف امتعاضه من السياسة التركية سابقا، أما وإنه الآن بات سيد البيت الأبيض، فعلى السياسة الأتراك وعلى رأسهم السيد اردوغان أن يعلموا أن سهر العسل الذي كانوا ينعمون به في ظل الإدارة الأمريكية السابقة قد انتهى، وقد جاءت اليوم إدارة جديدة ستقف بالمرصاد للتجاوزات والمناورات السياسية التركية، وقد تواجه عقوبات اقتصادية وسياسية سيشارك فيها الاتحاد الأوروبي، وهذا ما بدأت تتناقله وكالات الأنباء نقلا عن مسؤولي الاتحاد الأوروبي، الذي ضاق ذرعا بالسياسة التركية، التي باتت عامل توتر وعدم استقرار في منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط، الأمر الذي يشير إلى أن هناك خطوطا حمر جرى تجاوزها من قبل الحكومة التركية وعليها أن تدفع ثمن ذلك.

من هنا ندرك أن السياسة التركية في عهد بايدن لن تكون بالسياسة التركية في عهد ترامب، وهذا سيكون له نتائج  إيجابية ستنعكس على عموم الساحة السورية، وبالأخص على شمال شرق سوريا بالرغم من الاستفزازات والاعتداءات اليومية التي تقوم بها فصائل المرتزقة الموالية لأردوغان على قرى وبلدات عين عيسى في خرق فاضح لكل المواثيق والأعراف الدولية، إضافة إلى أنها أثبتت أن لا وجود لأي ضامن لوقف إطلاق النار بعد أن تكشف للعالم حجم التواطؤ والتآمر الدولي على مناطق الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا، التي باتت اليوم نموذجا الاستقرار والأمان، عدا عن كونها باتت تجربة فريدة في شكل الحكم، لم تعهده دول الشرق الأوسط من قبل، ويمكن لها أن تعمم في العديد من المناطق.