لكل السوريين

الصحة بين ضعف القطاع العام وشريعة الغاب في القطاع الخاص

احمد الابراهيم

سياسة البقاء البشرية منذ لحظة الانطلاقة الأولى للوجود البشري على سطح الكرة الأرضية، كانت محطة الاهتمام الأولى للبشرية، ومن أبواب البقاء البشري هي المحافظة على الصحة البشرية، وهذه المهمة كانت تمتاز بالجانب الإنساني كونها تخفف الأعباء المرضية عن الإنسان في لحظات شعوره بالضعف.

وأخذت هذه العملية تتطور وتتنامى مع التطور البشري، ولكن لماذا انحرف مسار العملية الإنسانية؟، ولماذا اليوم أصبحنا نعاني من ظاهرة الألم المضاعف وبماذا تتصف هذه الظاهرة؟.

جميعنا يعلم بأن الحروب تولد الويلات وتولد تخريب في الجانب الأخلاقي والعمراني والصحي وحتى تؤثر على الإرادة البشرية في التقدم، وحالنا اليوم بعد دخولنا للعام التاسع للفوضى العسكرية وحالة اللاستقرار في سوريا، لابد أن تكون لهذه الحالة جوانب سيئة.

وسنختصر الحديث بالتكلم عن الجانب الصحي، والذي اليوم أصبح منهكا في مناطقنا، والبداية كانت من إهمال الجانب الوقائي، حيث أن إنهاك الطاقة البشرية في مناطقنا بسبب الحروب جعل منا أقل اهتماما بالجوانب الوقائية، والتي تخفف من انتشار الأمراض، وكذلك نوعية الأسلحة التي كانت تستخدم، أدت إلى ظهور أمراض جديدة وتشوهات جينية.

ولطالما كنا نعتمد مبدأ درهم وقاية أفضل من قنطار علاج، لكن اليوم بسبب ضعف الوضع المالي، وفقدنا لدرهم الوقاية كان السبب الرئيسي بانتشار الأمراض، ومع هذا السوء في الوضع الاقتصادي أصبحنا نلحظ انحراف مسار العملية الإنسانية والجانب الإنساني للطب، واصبحنا اليوم نلحظ انتشار ظاهرة تجار الحروب الطبية عند معظم الأطباء، وفقدهم للجانب الإنساني.

ولابد أن نقول بأن التعميم خاطئ، لكن نأسف بأن أعداد الأطباء الذين تحولوا لتجار حروب أصبح يزداد رويدا رويدا، ومع هذا الازدياد أصبحت ظاهرة الألم المضاعف تنتشر وهي ألم المرض، وألم الوضع الاقتصادي المتدني، والتي يعجز اليوم عن سداد تكاليف العلاج.

ومن العوامل التي ساعدت على انتشار هذه الظواهر انخفاض المستوى الأخلاقي عند أغلبية الأطباء اليوم، والتنافس الملحوظ فيما بينهم على بناء القصور والترف والذي لا ينسجم مع الواقع المعاش، وأيضا من العوامل شبه غياب العملية الرقابية على سير العملية الصحية، وكذلك ضعف القطاع العام في تقديم الخدمات.

ومع هذه العوامل نلحظ ابتزاز المشافي الخاصة للمرضى وارتفاع أجور الأتعاب الطبية، بحيث أصبحت تكاليف العلاج توجب على البعض من أهالينا بيع ممتلكاته لكي يستطيع العلاج ضمن هذه المشافي، والتي أصبحت قريبة من محلات الجزارة البشرية إن صح التعبير.

ومن هذه المعاناة لابد أن نعيد النظر في ألية عملنا كمؤسسات وكأطباء وكمرضى، وكما يتوجب علينا بأن لا ننسى بأننا من هذه الأرض نشأنا، وبسبب كل شخص موجود من أهالينا كان سبب في بقائنا وفرحنا وترفنا، ولابد من الترابط المجتمعي لكي نستطيع الاستمرار ونضمن البقاء.