لكل السوريين

من جبهة ضد داعش لأخرى ضد تركيا.. أهمية عين عيسى الاستراتيجية والصمت المزدوج يدفعان الاحتلال التركي لارتكاب المزيد من الجرائم

تزداد حدة هجمات دولة الاحتلال التركية على بلدة عين عيسى الاستراتيجية على الطريق الدولي، مستغلة صمت روسيا التي وقّعت معها اتفاق وقف إطلاق النار في خطوط التماس شمال شرق سوريا، وكذلك أمريكا التي وقعت معها هدنة.

في الـ 6 من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2019 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر تغريدة على تويتر انسحاب القوات الأمريكية من شمال وشرق سوريا، واستغل الاحتلال التركي هذا القرار، وشن هجومًا واسع النطاق في الـ 9 من الشهر ذاته على مناطق متفرقة من شمال وشرق سوريا.

واستخدم الاحتلال التركي الطائرات، المدافع، الدبابات، وكل ما يمتلكه من آليات عسكرية متطورة، معتمداً على مرتزقة من بيهم جبهة النصرة وداعش الذين تخفّوا تحت اسم “الجيش الوطني السوري” للهجوم على مناطق رأس العين وتل أبيض.

وجوبه الهجوم التركي بمقاومة بطولية من قوات سوريا الديمقراطية التي تضم الكرد والعرب والسريان، لمدة 9 أيام متواصلة لم يبخلوا فيها بالتضحية في سبيل حماية المنطقة والحفاظ على أخوّة الشعوب، إلى أن توصلت كلٌّ من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا إلى هدنة في الـ 17 من تشرين الأول، استمرت 5 أيام.

وتلا ذلك تفاهم روسي تركي بعد زيارة الرئيس التركي إلى روسيا ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الـ 22 من الشهر ذاته، حيث توصل الطرفان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بعد تفاهم بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات الروسية على انتشار الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود التابع لحكومة دمشق على طول الحدود السورية.

وبناء على هذا التفاهم بدأت قوات حرس الحدود بالانتشار على طول الحدود اعتبارًا من 23 تشرين الأول/ أكتوبر.

ولكن منذ ذلك الوقت لم تتوقف هجمات الاحتلال التركي على طول المناطق التي احتلتها، ولكن اللافت أن حدة هذه الهجمات ازادت في الآونة الأخيرة مع بدء الاحتلال التركي بسحب النقاط التي احتلها في ريف حماة وإدلب وحلب تحت مسمّى نقاط المراقبة، وفق تفاهمات أستانا بين روسيا وتركيا وإيران حول سوريا.

وتعرضت أطراف بلدة عين عيسى في الـ21 من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم لقصفٍ بقذائف الهاون والمدفعية نفذّه الاحتلال التركي، ورافقه هجومٌ برّي شنه عشرات المرتزقة، ولكن قوات سوريا الديمقراطية أعلنت إفشال الهجوم والتصدي له على التخوم الشمالية للبلدة.

وتكتسب بلدة عين عيسى استراتيجيتها الجغرافية من كونها تعتبر عقدة مواصلات مهمة تربط تل أبيض بمدينة الرقة، وتل تمر بمدينة منبج، كما أن الطريق إلى كوباني وصرين يمر منها.

ويكسبها الطريق الدولي الـ M4 الذي يمر بالبلدة أهمية كبيرة، حيث يربط الطريق مدينة حلب الصناعية ثاني أكبر مدن سوريا بمدن شمال وشرق سوريا كالحسكة والقامشلي ومعبر تل كوجر/اليعربية على الحدود العراقية.

وحررت قوات سوريا الديمقراطية بلدة عين عيسى في حزيران/يونيو من عام 2015 من سيطرة مرتزقة داعش. وتحولت البلدة إلى مركز ثقلٍ سياسي وإداري للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

ومنذ ذلك الوقت يستمر الاحتلال التركي ومرتزقته الذين يطلقون على أنفسهم اسم “الجيش الوطني السوري” بشن الهجمات على بلدة عين عيسى وعلى المدنيين المارّين على الطريق الدولي بين تل تمر وعين عيسى.

حذرّت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في الـ 18 من شهر أيلول/سبتمبر الماضي، من جرائم حرب وانتهاكات أخرى للقانون الدولي، ارتكبتها المجموعات المرتزقة التابعة لتركيا في المناطق المحتلة شمالي سوريا.

وجاء تحذير المفوضية عقب التقرير المفصّل الذي أصدرته لجنة التحقيق الدولية الأممية المستقلة في 14 من أيلول/سبتمبر الماضي، مرفقاً بصور من الأقمار الاصطناعية، والذي اتهمت فيه تركيا لأول مرة بارتكاب جرائم حرب باستخدام المرتزقة السوريين ممّا يسمى بـ”الجيش الوطني السوري” في المناطق التي احتلتها بسوريا.

وعلى الرغم من الهدنة التي توصلت إليها تركيا مع أمريكا واتفاقها مع روسيا وانتشار الشرطة العسكرية الروسية وقوات حرس الحدود السورية على طول الحدود والمناطق التي احتلتها تركيا وانسحاب قوات سوريا الديمقراطية إلى عمق 32 كم، إلا أن تركيا ما تزال تستهدف هذه المناطق.

ومع ذلك، تتخذ كل من روسيا وأمريكا موقف الصامت تجاه الجرائم التي يرتكبها الاحتلال التركي وانتهاكاته لاتفاقيات وقف إطلاق النار، واستهداف المدنيين وقطع الطريق الدولي الـ M4 وتشليح المواطنين.

ولم تلعب روسيا حتى الآن دورها كضامن لوقف إطلاق النار، على الرغم من الرسائل الكثيرة التي يوصلها أهالي المنطقة ووجهاؤها إليهم ومطالبتهم لها بتطبيق تفاهماتها مع تركيا.

يحذّر مراقبون للشأن السوري من وجود صفقة روسية تركية جديدة على حساب الشعب السوري، إذ تزامن تصعيد هجمات الاحتلال التركي على عين عيسى وقرى تل تمر وزركان في إقليم الجزيرة، مع بدء الاحتلال التركي بسحب جنوده ومعداته العسكرية من النقاط التي احتلها في ريف حماة وإدلب وحلب.

ويخشى المراقبون أن تكون روسيا قد عقدت صفقة جديدة مع تركيا مقابل هذا الانسحاب، خصوصاً أن وفدين عسكريين روسي وتركي التقيا في تركيا منتصف شهر أيلول/سبتمبر المنصرم، وطالبت حينها تركيا بتسليم مناطق جديدة لها مقابل الانسحاب من نقاط المراقبة التي باتت محاصرة من قوات الحكومة السورية.