لكل السوريين

التجربة البرلمانية السورية.. تطور الدساتير السورية 5

تقرير/ محمد الصالح 

احتضنت الحضارة السورية الضاربة في القدم أولى الشرائع المكتوبة في تاريخ البشرية، حيث اكتشف علماء الآثار الكثير من القوانين المكتوبة في منطقة سوريا التاريخية، تعود إلى مراحل وحضارات تاريخية مختلفة، ويعود أقدمها إلى تاريخ 2360 قبل الميلاد، في مملكة ماري، التي أُسست في الألف الثالث قبل الميلاد على ضفاف نهر الفرات في الجزيرة السورية.

ومع التطور الاجتماعي، عبر التاريخ المعاصر، بقيت مركز التشريع والتقنين، في محيطها الجغرافي، رغم التقلبات السياسية والاجتماعية، والانقلابات العسكرية التي عصفت بها.

تنوعت التشريعات في التاريخ السوري منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وحتى الستينيات القرن العشرين، حسب أنظمة الحكم الملكية والبرلمانية والرئاسية المتعاقبة، وفرضت كل مرحلة دساتيرها وقوانينها الخاصة، حسب طبيعة الحكم في كل مرحلة، وتوجهاتها وظروفها السياسية والاجتماعية.

دستور هجين في مرحلة الانفصال

بعد قيام الوحدة مع مصر، أدرك السوريون أنهم انضموا إلى نظام مركزي متشدد مما ساهم بتراجع الحياة السياسة التقليدية السورية، حيث تم حل الأحزاب السياسية، وكان الحزب الشيوعي أول من تم التخلص منه.

ورغم أن حزب البعث كان من أنصار الوحدة ومن حلفاء جمال عبد الناصر، فقد تم إبعاده عن المناصب ذات النفوذ.

وتم إرسال المئات من الضباط السوريون للخدمة في أماكن بعيدة بمصر، وحل محلهم ضباط مصريون، فشعروا بأن مواقعهم أصبحت مهددة.

كانت سوريا تحكم بكل مباشر من قبل الشرطة السرية التابعة لعبد الحميد السراج.

وفي الثامن والعشرين من شهر أيلول عام1961، وقع انقلاب عسكري بتدبير من عبد الكريم النحلاوي، مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر خلال فترة الوحدة، ومشاركة مصطفى حمدون وبعض القيادات البعثية، أدى إلى انفصال سوريا عن الوحدة مع مصر.

وتم تكيل حكومة مدنية قامت بوضع دستور مؤقت جديد وافق عليه الشعب السوري بالاستفتاء الذي جرى في 1 و2 كانون الأول 1961، ولكنه لم يغير كثيراً من مواد دستور الوحدة.

وكان هجيناً بين البرلماني والرئاسي، وأعطى الحق لرئيس الجمهورية بحل المجلس النيابي.

ثم تم انتخاب المجلس التأسيسي والنيابي، وكانت مهمته الأولى وضع دستور دائم للبلاد.

وفي شهر أيلول من العام 1962، أُقر دستور جديد، مكوّن من 166 مادة، بقي معمولاً به حتى  آذار من العام 1963.

وتم إجراء انتخابات جديدة للبرلمان السوري اشترك فيها الأحزاب المنحلة، كالحزب الوطني وحزب الشعب والبعث والإخوان والقومي السوري.

وانتخب ناظم القدسي رئيساً للجمهورية، فأقر إعادة العمل بدستور 1950، بعد إدخال تعديلات علية من أهمها تخويل رئيس الجمهورية بحق حل المجلس النيابي، ومنح السلطة التنفيذية، ممثلة بمجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية، صلاحيات إصدار مراسيم تشريعية.

وشكل معروف الدواليبي وزارة بأكثرية من حزب الشعب والحزب الوطني، وتقدمت إلى البرلمان بمشروع إلغاء التأميم وتعديل قانون الإصلاح الزراعي، واستطاعت الحصول على موافقته رغم اعتراض بعض الكتل النيابية، والاحتجاجات الجماهيرية الغاضبة من الانفصال.

وتحت تأثير التيار القومي، تم اعتماد اسم الجمهورية العربية السورية.