لكل السوريين

متى نجيد القراءة؟

حسن مصطفى

لا شك أننا اليوم نعيش واقعا استثنائيا، فالمتغيرات من حولنا كثيرة والأحداث متسارعة تتطلب منا حسن التصرف والحكمة في التعاطي مع الواقع واتخاذ أفضل القرارات وصولا إلى أفضل النتائج التي تصب في خدمة مصالحنا، ومن تلك المتغيرات الهامة ما جرى قبل أيام في باريس العاصمة الفرنسية وردة فعل الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي كان تصرفه فيه شيء من التسرع ويدخل في إطار برامجه الانتخابية.

فما جرى من إقدام أحد الرعايا التونسيين من المتشددين على قتل ثلاثة مواطنين فرنسيين أمام كنيسة نوتردام كردة فعل انتقامية على إعادة صحيفة ايبدو الفرنسية على نشر صور مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم قام برسمها أحد رسامي الكاريكاتير الفرنسيين، هذا العمل الذي كان سببا في ردود فعل شعبية ورسمية إسلامية.

فإقدام الجريدة على ذلك النشر المتعمد لتلك الصور إنما يدل على استهداف متعمد للإسلام والمسلمين بعيدا عن كل ما يشاع ويروح له بأنه شكل من أشكال حرية التعبير التي يدافع عنها العالم المتحرر، هذا العالم الذي سيقيم الدنيا ولا يعقدها حين يقدم أحدهم ولو بالخطأ على استهداف رموز وطنية غرخبية.

أما وأنهم يتعرضون بالإساءة الى رمز ديني يقدسه ملياري مسلم منتشرين في كل أنحاء العالم فهذا يدخل في إطار حرية الرأي والتعبير، وهذا بالمختصر هو التجسيد الواقعي لازدواجية المعايير وانزياح القيم في المجتمعات الغربية فما هو حلال لهم حرام على غيرهم، وهذا لا يمت بصلة للمنطق والقيم والأخلاق.

أما بالنسبة لنا كشعوب الشرق الأوسط التي كانت تعامل على الدوام على أنها من الدرجة الثانية دون اعتبار لحقوقها ومقدساتها، والسؤال الذي ينبغي أن نقف عنده مليا هو ماهي دوافع هذه الحملة؟، وهذا الاستهداف المتعمد لمقدساتنا ورموزنا؟، بلا أدنى شك هناك من يعمل على إثارة التوتر والخلافات بيننا وبين العالم الآخر، الذي قطعنا وإياه أشواط مهمة على طريق تطبيع العلاقات على قاعدة الاحترام المتبادل والاعتراف بحقوقنا في الحياة والمستقبل والأمان والاستقرار، لذا راحت بعض اللوبيات التي يعمل على تغذيتها وتنشيطها اليمين الفرنسي من أجل تخريب تلك العلاقات والذكاء روح الخلاف والتوتر والأزمات مع تلك الدول خدمة لأغراضه وأهدافه اليمينية العنصرية، إن هذا الأمر ينبغي أن نعيه جيدا ونعمل بمقتضاه والواقع الذي يجب أن نحرص على تطويره وفهمه بالشكل الصحيح.

وأن نكون حريصين على إدراك ذلك جيدا وأن نحسن القراءة وألا نكتفي بالقراءة السطحية للواقع والأحداث وإنما علينا أن نبحث ونقرأ ونفهم ما بين السطور والعناية الفائقة، فالآخرون يتعاملون معنا للاعبي الشطرنج الذين يحسبون خطواتهم وبعدة نقلات مستقبلية مع التحسب الدقيق لردود أفعالنا، في حين أننا نتعامل معهم كلاعبي طاولة الزهر التي لا يمكن لأمهر اللاعبين فيها أن يتنبأ بالخطوة التالية وهذا هو مبعث تخلفنا وتراجعنا وتقدم الآخرين.

فترانا متى نصل إلى مرحلة نحسن فيها ونجيد قراءة الواقع، نحسن ونجيد فهم الآخر، نحسن ونجيد التعامل مع الآخر، فحسن القراءة والفهم العميق سيساعدنا في إجادة التصرف والتعامل وبما يحقق لنا دوام الاستقرار والنجاح والتقدم الذي ننشده على الدوام.