لكل السوريين

انتشار الجيش بين السويداء ودرعا.. أنباءٌ متضاربة.. وتحذيراتٌ متبادلة.. وحالةُ القلقِ والترقب مستمرة

حالة من النشاط العسكري والاقتتال المتبادل لا تزال مستمرة بين فصائل مدعومة من قبل روسيا سبق وأن أجرت معها تسويات، وأخرى مقربة من إيران، والضحية حتى اللحظة أبناء الجنوب، الذين يجنون ثمار ما حيك لهم، إن كان من قبل الحكومة المركزية التي لم تعد قادرة على التهدئة، أو من قبل الروس والإيرانيين المتصارعين على بسط النفوذ جنوب البلاد.

انتشرت وحدات من الجيش السوري في محيط بلدة القريّا جنوب غربي محافظة السويداء، وقرية صما الهنيدات، في ريف محافظة السويداء، عقب الأحداث الدامية التي حصلت مؤخراً، وأسست حواجز عسكرية على الحد الفاصل بين درعا والسويداء، حسب أمين فرع السويداء لحزب البعث الذي أكد أنه تم انتشار وحدات من الجيش والقوى الأمنية، على كامل المنطقة في محور ريف السويداء الغربي.

وأكد أنه لن يسمح بعد الآن بوجود أي مظاهر من أي جهة كانت، حيث سيعمل الجيش على إعادة الأمن والاستقرار لهذه المنطقة.

كما انتشر عناصر مشاة من الجيش مزودين بأسلحة خفيفة ومتوسطة بين قريتي ذيبين، التي تعتبر بوابة السويداء من الجنوب، والعفينة، حسب مصدر من أهالي من ذيبين.

وفي مدينة بصرى الشام شرقي درعا، المواجهة لبلدة القريّا انتشرت عناصر من الأمن العسكري في نقاط مشتركة مع اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس، في الأراضي الواقعة بين بلدة القريّا ومدينة بصرى الشام، حسب مصادر من المدينة.

وأفادت تلك المصادر أن هذه القوات من مفرزة الأمن العسكري في بصرى الشام، وتتخذ من مبنى الجمارك مقراً لها، وعناصرها من خارج المنطقة، وليسوا من عناصر التسويات.

كما أكد مصدر مقرب من الجيش أنه سيقوم بتثبيت أربعة نقاط في الأراضي الواقعة بين بلدتي بصرى الشام والقريّا، وهي المنطقة التي شهدت مواجهات دامية بين فصائل محلية السويداء من جهة، واللواء الثامن التابع للفيلق الخامس من جهة أخرى، نتيجة توغل الأخير في أراضي البلدة منذ عدة أشهر.

أنباء متضاربة

بعد وقت قصير من تأكيد أمين فرع حزب البعث بالسويداء، انتشار وحدات من الجيش والقوى الأمنية، على كامل المنطقة في محور ريف السويداء الغربي.

أكد أهالي بلدة القريّا أن مجموعات اللواء الثامن تراجعت عن الأراضي التي سيطرت عليها خلال الاشتباكات الأخيرة، بعد وصول عناصر من الجيش، وقيامهم بالاستطلاع في المنطقة، وبعد مغادرة عناصر الجيش، “أعادت مجموعات اللواء توغلها في الأراضي كما كان بالسابق،

وساد هدوء حذر المنطقة مع تواجد شبابنا المرابطة بنقاط الرصد متأهبين لأي طارئ”.

وتحدث أهالي البلدة عن تأكيد الجيش لقرب وضع نقاط لقواته على الحدود الإدارية بين القريّا  وبصرى الشام، ولكن “لم نشاهد تنفيذاً لذلك على الأرض لغاية الآن”.

توترات مستمرة

وكانت المنطقة قد شهدت توترات شديدة قبل عدة أشهر، حين عمد مسلحون من بصر الحرير إلى اختطاف حافلة تقل مجندين في قوات النظام من أبناء محافظة السويداء واقتادوهم إلى جهة مجهولة.

وقال الخاطفون آنذاك إن العملية أتت رداً على اختطاف أحد أبناء البلدة من قبل مسلحين في السويداء، وساد التوتر بين مناطق بالريف الشرقي لدرعا، ومناطق في ريف السويداء عند الحدود الإدارية بين المحافظتين.

وشهدت المنطقة شهر آذار الماضي عدة اشتباكات بين مجموعات مسلحة من بلدة القريّا من جهة، واللواء الثامن من جهة أخرى، واستولى اللواء خلالها على جزء كبير من أراضي البلدة، وسقط نتيجة ذلك عشرات القتلى والجرحى  من أبناء المحافظتين.

وتجددت تلك الاشتباكات يوم 29 من الشهر الماضي، عندما هاجمت فصائل من الدفاع الوطني، وحركة رجال الكرامة بالسويداء، النقاط العسكرية التابعة للواء الثامن في أرض بلدة القريّا، لاستعادة الأراضي التي استولى عليها.

ورجحت بعض المصادر أن هذه الاشتباكات جاءت على خلفية اللعب على وتر الفتنة بين درعا والسويداء، من قبل مليشيات مرتبطة بحزب الله اللبناني، وإيران.

استعداد لاسترجاع الأرض

وكان فصيل الدفاع الوطني المنتشر في بلدة القريّا وما حولها، قد عزز هذا القطاع، وحسّن ظروف الدفاع عنه بعد أحداث شهر آذار الماضي، وما نتج عنها من حالة التوتر في المنطقة.

ووزع الفصيل أكثر من 150 بندقية كلاشنكوف على الأهالي في قرى جنوب غرب السويداء، من بينها القريّا والمجيمر ورساس.

وخرّج هذا الفصيل مؤخراً دورة عسكرية جديدة تضم عشرات العناصر من أبناء بلدة القريّا، بحضور المئات من أفراد الفصائل المحلية وبعض الوجهاء ورجال الدين بالمحافظة.

وخلال الاحتفال تعاهد مسؤولون في الفصيل وعناصر الدورة على “استرجاع كل شبر من أراضي محافظة السويداء”.

وتحدثت أنباء غير مؤكدة تفيد بأن الفصيل قد عزز المنطقة بأسلحة متوسطة ومدافع هاون، بعد حصوله على دعم من حزب الله اللبناني.

بيان القريّا

لتوضيح دوافع الهجوم الأخير، وما جرى خلاله، صدر عن أهالي البلدة بيان تحت اسم “أهالي شهداء القريّا وشبابها الغيارى”، جاء فيه: “بعد احتلال الفيلق الخامس لجزء من أراضي البلدة، قمنا بالتواصل مع جميع الهيئات والمرجعيات الدينية والزعامات التقليدية في المحافظة وخارجها، وتواصلنا مع الهيئة السياسية وقيادات من الجيش العربي السوري وحليفه الجيش الروسي للنظر وإنهاء التوتر بينا وبين المرتزقة، إلا أن احداً لم يكترث ولم تتم أي محاولة جادة لإعادة الحقوق، وإنهاء اسباب التوتر، متذرعين جميعاً بتعنت أحمد العودة وتهوره وطيشه”.

كما جاء في البند الثالث من البيان “تقدمنا لاستعادة أراضينا وطلبنا من فصائل الجبل المساعدة، وبدعمها ومساندتها تمكنا من الوصول إلى حدود أراضينا الغربية”.

ولفت البيان إلى أن الفيلق الخامس استخدم أعتى اسلحته الروسية الصنع من مدفعية وصواريخ حرارية، وطائرات مسيرة، وهو ما أوقع العديد من الشهداء والجرحى، ما أدى بالمهاجمين إلى التراجع، خاصة بعد أن دكّ الفيلق يلدة القريّا وبرد والمجيمر، بقذائف الهاون.

واختتم البيان بالتأكيد على أن “أهالي السهل والجبل عبر التاريخ هم جيران وإخوة، ونناشد أهالي درعا الشرفاء بإحقاق الحق وإعادته لأصحابه، والتبرؤ من كافة أعمال عصابة العودة الإجرامية التي لا تمثل إلا نفسها، ونؤكد أنها البداية ونحن على درب الشهداء سائرون، ونحن رجال السِلم، ورجال الحرب”.

بيان تحذيري

صدر بيان عن دار الزعامة التقليدية في محافظة السويداء، حذر من التمادي في السيطرة على أراضي بلدة القريّا بحجج كاذبة، کوجود نقاط للمجموعات الإرهابية داخل أراضيها، والوجود المسلح لهم بحجة حماية حدودهم.

وطالب البيان “بنزول الجيش سريعاً، وبسط سلطة القانون، وعدم تأخر الحكماء والوجهاء والمسؤولين لفك النزاع بين بصری والقريّا للحفاظ على السلم الأهلي المحافظتين”.

ودعا أهالي سهل حوران وخص بالذكر الحكماء والوجهاء ورجال الدين فيها، لإعلاء صوت الحكمة والحق، وتحكيم العقل والمنطق فيما حصل وقد يحصل بين القريتين الجارتين بصرى والقريّا، تداركاً لفتنة بين الجبل والسهل عملا بالحديث الشريف “الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها”.

وأشار البيان إلى دور أهالي القريّا، وسلطان باشا الأطرش “الذي كان يحمي سورية بأكملها وليس الجبل وحوران فقط، فأبناء الجبل هم حملة إرث سلطان ومن كان بينهم فهو في مأمن”.

العودة يوضح.. ويحذر

وكان أحمد العودة قد حذر من “أياد سوداء” دخلت لتعكر صفو الجارتين درعا والسويداء، و”لتشعل نار الفتنة والحرب متمثلة بعصابات الفتنة والخطف وعصابات إرهابية مسلحة خارجة عن القانون”.

وحذر العودة عبر فيديو بثته شبكات محلية، أهالي السويداء من استخدامهم كأدوات لتنفيذ أجندات لجهات أكبر كحزب الله اللبناني و”مرتزقة إيران وأذرعها الأمنية”.

ونفى العودة احتلال قوات “الفيلق الخامس” أراضي في بلدة القريّا، وقال إن قواته أقامت نقاط حراسة بالتنسيق مع الجانب الروسي، بعد اقتتال آذار الماضي بين الطرفين، وطلب من أهالي السويداء أن يكونوا مع الفيلق فيها، لكنهم رفضوا، وبقي عناصر “الفيلق” على نقاطهم “لمنع حوادث القتل والخطف في السهل والجبل”.

وأهالي القريّا يردون

رداً على تحذير العودة أصدر أهالي القريّا بياناً نشر على صفحتها، ومما جاء فيه: كان على قائد الميليشيا توجيه خطابه إلى أتباعه وأنصاره وليس لأهل الجبل.

وأضاف البيان: “لم يكن أهل الجبل يوماً معتدين إنما محافظين على حسن الجوار وتقاسم رغيف الخبز مع آلاف العائلات من محافظة درعا في الجبل طيلة فترة الحرب، في حين أحمد العودة متزعم ما يسمى لواء السنة، كان يحارب الجيش السوري ويقطع الطرقات ويمارس العنف ويقتل العشرات منه بإجرامه، وكان منهم شهداء من أبناء السويداء على يد مرتزقته”.

ورفض البيان وجود الميليشيات في أراضي السويداء وطالب بانسحاب مسلحي العصابات من الحدود الإدارية للمحافظة، وترك أمر حماية الأرض لأصحابها.

واختتم البيان بالتأكيد على أن “أهالي جبل العرب لم يكونوا يوماً مطايا لأحد، ولم يقاتلوا يوماً إلا دفاعاً عن الأرض والعرض وكرامة الوطن، ولم يرتزِقُوا سلاحاً، إنما سلاحهم من حُرِّ مالهم للتصدي لكل معتدي، ويشهد التاريخ أنهم كانوا ومازالوا على الجبهة الصحيحة التي تحمي الأرض وتصون العرض منذ الاحتلال العثماني لسوريا حتى يومنا هذا، ولم يشهروا سلاحهم إلا بوجه من أراد بهم شراً، ومشانق الدواعش تشهد على ذلك”.

جهود للتهدئة                                                                           

يذكر أنه جرت محاولات عديدة خلال السنوات الماضية لافتعال فتنة بين محافظتي درعا والسويداء، ودفعهما للاقتتال المناطقي والعشائري، لكن العقلاء في المحافظتين أحبطوا كل تلك المحاولات انطلاقاً من وحدة العيش والمصير المشترك الذي يربط أبناء المحافظتين الجارتين.

وتجددت هذه المحاولات بعد الأحداث الدامية التي حدثت أواخر شهر آذار الماضي، واستولت مجموعات من اللواء الثامن خلالها على مساحة كبيرة من أراضي بلدة القريّا، وأقامت السواتر الترابية على حدودها.

ومنذ ذلك الوقت تمت عدة لقاءات بين أهالي بلدة القريّا وبعض الشخصيات من المحافظة  وخارجها بهدف دفع الروس للضغط على “أحمد العودة” لسحب مجموعاته من هذه الأراضي، وإعادتها لأصحابها، ويبدو أن هذه المساعي أسفرت عن اتفاق لإنهاء هذا الوضع الذي تسبب باستمرار التوتر في المنطقة.

لكن مجموعة من اللواء أحبطت تنفيذها عندما أطلقت رشقات رصاص متقطعة فوق رؤوس عناصر الشرطة العسكرية الروسية المكلفة بتنفيذها، فانسحبت نحو بصرى الشام، وفشلت العملية برمتها.

الجنوب.. رهينة التنافس الروسي الإيراني

منذ البداية، لم يتدخل الجيش أو القوات الأمنية في الحوادث بين درعا والسويداء، ورغم تكرار الاشتباكات الدامية بين الجارتين وقفت حواجز ومقرات الجيش والأجهزة منها موقف المتفرج.

ومنذ عودة النظام إلى محافظة درعا، عبر “الضامن” الروسي، من خلال اتفاقيات التسوية مع فصائل المعارضة، منعت هذه الاتفاقيات النظام من السيطرة الكاملة على الجنوب السوري، وأبقت روسيا على الصراع بين هذه الفصائل بما يمكّنها من استمرار سيطرتها على شرق محافظة درعا، لمنع تغلغل إيران فيها، وتقليص نفوذها في الجنوب السوري.

بينما تسعى إلى إيران مواجهة الوجود الروسي في الجنوب، أو فتح ثغرات فيه على الأقل، لأنه يحد من تمدد الميليشيات المدعومة من قبلها، في ريف درعا الشرقي.

وهذا ما يبقي المشهد بين المحافظتين، ضمن لعبة التنافس المحسوب بين روسيا إيران.

ويبقي حالة القلق والترقب في المنطقة، والتخوف من أن هذه الاشتباكات، في حال اندلعت من جديد، فقد تؤدي إلى فتنة طائفية كثيراً ما حاول العقلاء من المحافظتين تفاديها منذ بدء الحرب السورية.

تقرير/ لطفي توفيق