لكل السوريين

ألمٌ يلخص قساوة المشهد.. مهجرات إدلب ونازحات دمشق يتحدثن عن مرارة العيد بغياب الأحبة

السوري/ إدلب ـ دمشق ـ ’’ نحن لسنا بخير’’، عبارة ترددت عبر ألسن الكثير من السوريات، ولاسيما القاطنات في المخيمات بالشمال السوري، وفي إدلب تحديداً في يوم كان من المفترض أن يكون نقطة لقاء بين الأهل والأحباب يتبادلون فيه التهاني والتبريكات بمناسبة عيد الفطر المبارك، لكنه جاء عكس ما كن يصبون إليه، ألم، جوع، حصار، مرض، ولا سيما للمهجرات.

الدموع والذكريات، غمرت المشهد، كانت سيدة الموقف، وحالة الحزن سائدة بين النازحات، فلا بوادر أمل بالعودة، ولا مؤشرات خلاص، وتغيير الواقع.

مراسل صحيفتنا واكب أيام عيد الفطر، والتقى ببعض النسوة المهجرات من أرياف حمص ودمشق ودرعا، بعض النساء تحدثت عن فقدان، وأخرى عن واقع مرير يعصف بقاطنات المخيمات في الشمال السوري، وبعضهن الأخرى كلها أمل ألا تحدث مجاعة تفتك بأولادها.

في مخيم عائدون، المخصص للأرامل، جلست إسراء تتحدث بحسرة على أيام مضت، فتارة تتذكر أيام وصفتها بأيام الزمن الجميل، وتارة أخرى تحدق بمستقل غامض قد يعصف بها وبأطفالها، في ظل غموض المشهد في شمال غرب البلاد.

تقول “هذا العيد الرابع ونحن تحت هذه الخيم، آه على زمان كنا فيه نتحضر لاستقبال العيد بحفاوة، كيف لي أن أهنئ بعيد، وإخوتي الثلاثة تحت أنقاض حمص القديمة، وأطفالي محرومون من لباس يجعلهم يعتقدون أنهم يعيشون أيام فرح، وزوجي الذي لقى حتفه على الحدود التركية، حيث اقتاله الجيش التركي”.

بدورها، أكدت مديرة مخيم عائدون، صفاء س أن النساء في المخيمات استقبلن العيد بالدموع والحسرة، منهن من تنتظر قدوم فلذة كبدها الغائب منذ أعوام، ومنهن من أيقنت أنها لن ترى ابنها الذي ذهب ليكمل دراسته وتلقت رسالة من هاتفه تبلغها بإعدامه.

وأشارت صفاء إلى أن الوضع المعيشي في المخيم مزرٍ للغاية، حيث يقطنه 1700 امرأة، وجميعهن أرامل، وغالبيتهن لديهن أطفال يتامى.

والذي زاد الطين بلّة بحسب صفاء هو تعليق المنظمات التي كانت تقدم الدعم للمخيم لمشاريعها منذ تسعة أشهر، وتحديدا منذ بدء القوات الحكومية العمليات العسكرية على آخر قلاع التنظيمات الإرهابية.

وتضيف “حاولنا التخفيف عنهن، وعن أطفالهن الأيتام، بتقديم بعض الهدايا والألعاب وتوزيعها عليهم، ولكن شعرنا أن الألم أكبر وعبر أفواه أطفالهن تردد ذاك السؤال أين بابا والدموع تنهمر من وجنتيهم بدون هوادة، أيام صعبة وكأنها مناسبة لاسترجاع الذكريات والألم والحزن”.

وبصحبة صفاء، تجول مراسلنا في المخيم، والتقى بأم أحمد التي رفضت الإفصاح عن اسمها الحقيقي، التي قالت “أنا من بلدة حزارين بريف إدلب الجنوبي، قتل زوجي، وترك خلفه ستة أطفال، أكبرهم يبلغ الـ 12 من عمره”.

وتستطرد “أقمنا في هذا المخيم، متحملين كل أنواع الحرمان والقهر، وقد مر علينا هذا العيد وكأنه مناسبة للحزن، لأنه أول عيد يمر علينا خارج بلدنا، وبكاء الأطفال حزنا وفقدا لأبيهم أنسانا فرحة العيد، الوضع في المخيمات صعب للغاية، ولكن أين المفر وأين الحل”.

ولم يختلف جواب السيدة إيمان، وهي من ريف دمشق، عن سابقاتها، حيث قالت “لا فرحة عندنا إلا بالعودة إلى ديارنا، لم نذق طعم الفرح منذ تهجيرنا، لا لباس لا زيارة قبور، إهمال، حقوقنا ضائعة، عن أي عيد وأي فرحة تريدنا أن نفرح”.

الطفلة سارة، البالغة من العمر 10 سنوات، قالت “لا نملك ثمن ثياب العيد لأن أسعارها غالية، ونحن فقراء، أمي كانت كل يوم وقفة تصحبني وإخوتي إلى السوق لتشتري لنا ثياب العيد، وكنا نزور أقربائنا، لكن الآن كلهم شردوا، وبعضهم ماتوا”.

دمشق تكمل الحكاية

أما في العاصمة دمشق، فقد أدت الحرب التي تشهدها سوريا إلى فقدان عديد العائلات السورية لشبان في ريعان الشباب، قفي وقت أشارت فيه عدد من نساء العاصمة إلى أنهن لم يلتمسن فرحة العيد من جراء فقدهن لأبنائهن.

بين مهجر ومفقود لا يكاد يخلو بيت دمشقي من شخص غائب، منهم من قتل في جبهة قتال وآخر فقد بين ركام، وثالث ذهب يقصد علمً ينتفع به فعاد خبر وفاته ولم يعد هو.

أم محمود من الغوطة الشرقية، تقيم في حي برزة الدمشقي، تتحدث عن غصة عميقة تسكن فؤادها بعد أن انقطع خبر ولدها الذي يدرس في جامعة الحسكة.

وتقول “ذهب ليكمل عامه الثالث في كلية الهندسة المدنية. ذهب وكأنه عريس عاد خبر غيابه ولم يعد هو”. وتضيف “على الرغم من مرور العيد السابع إلا أن امل رؤيته مرة أخرى لا زال ينتابني”.

وعن فرحة العيد تشير إلى أنها منذ غياب ابنها لم تفرح بالعيد. مشبهة في الوقت نفسه حالها بحال عديد الأمهات ولا سيما نساء العاصمة.

وأجرت عدة وكالات عالمية تقارير سابقة عن الثكالى وجاءت دمشق في المرتبة الأولى من حيث عدد الأرامل، في حين جاءت طرطوس في المرتبة الأولى بعدد حالات الطلاق.

وتتمنى أم محمود أن يكون هذا العيد هو الأخير الذي يكون فيه ابنها مفقودا.

أما حسنة وهي أرملة وأم لأربعة أطفال، فقد ذكرت أنها في أسوء حال منذ وفاة زوجها الذي قضى نحبه على يد مرتزقة جبهة النصرة في العام ٢٠١٣.

وأشارت حسنة إلى أن الوضع المعيشي يزداد سوءا يوما بعد يوم، وأن العمل الذي تعمل به لا يكفيها لإعالة أطفالها اليتامى، والذين باتوا مشردين بحسبها هي.