لكل السوريين

حرمان المرأة من الميراث بين العرف والقانون

“ليس لدي في هذه الدنيا سوى شقيقي، الذي بعد أن طالبته بإرثي قاطعني، ما اضطرني إلى التنازل له خوفاً من وصمي بالعار لأنني أدخلت أخي إلى المحاكم بسبب قضية إرث” كانت الحسرة باديةً على وجه منى (37 عاماً)، التي تقطن في بلدة سفيرة، وهي تروي كيف وجدت نفسها مضطرةً إلى المفاضلة بين الحصول على نصيبها من الإرث، أو التخلي عنه تماماً، مقابل الحفاظ على الودّ مع شقيقها الوحيد الذي رفض الاعتراف بحقها في الميراث، وقطع علاقته بها لأنها تجرأت وطالبت بما هو لها. تقول للسوري، بصوت حزين وخفيض: “المجتمع لن يرحم امرأةً جرجرت (كلمة عامية تعني دفعت) أخاها إلى المحاكم”.

تتعدد أساليب حرمان النساء من إرثهن الشرعي في سوريا، إذ توضع النساء تحت سيف العرف المجتمعي المنتشر في بعض مناطق شمال سوريا، والذي يمنع المرأة من الإرث، كون مفهوم تلك العائلات هو أنه لا يجب أن “تذهب أملاكها إلى شخص غريب”، ويقصدون بالشخص الغريب زوج المرأة وأولادها، أو من خلال استغلال ما يزعمونه “جهل النساء بالأمور القانونية”.

في الكثير من الأحيان، تستغل هذه العائلات عدم قدرة النساء على القراءة والكتابة، لتقوم بالطلب منهن بالتوقيع على عقود بيع نصيبهن من الإرث، وهذا ما حدث مع بيداء (40 عاماً)، من منطقة مسكنة في ريف حلب، والتي استغل أشقاؤها الذكور أمّيتها وجعلوها تبصم على ورقة تتنازل من خلالها عن حصتها من الميراث لصالحهم.

تقول بيداء: “أحضر لي أخوتي ورقةً، وطلبوا مني أن أبصم عليها، وأخبروني بأن هذه الورقة لإتمام حصر الإرث، من دون أن أستطيع التأكد من محتواها، كوني لا أجيد القراءة والكتابة، فقمت بما طلبوه مني على أساس أن المعاملة هي كي ينال كل منّا نصيبه من تركة والدي”.

تعيش بيداء اليوم، أوضاعاً معيشيةً صعبةً بعكس إخوتها الذكور الذين يتنعمون بالأموال التي جنوها من الأراضي التي ورثوها عن والدهم، وحرموا شقيقتهم منها.

من المعروف أنّ الشريعة الإسلامية قد شدّدت على مواضيع توريث النساء بحسب محمد الفضل والذي يتابع مواضيع الميراث وحكم الشريعة فيها.

و يضيف: “الإسلام شدّد على حق المرأة في إرثها الشرعي، سواء من الأهل أو الزوج أو أي من الأقارب،إذ لها نصيب في مالهم”، ويحذّر في حديثه إلى السوري، من عقوبة منع المرأة من حقها في الميراث، “فالله تبارك وتعالى قال بعد آيات الميراث من سورة النساء -وقولُه الحقُّ-: تلكَ حُدُودُ اللهِ ومَن يُطِعِ اللهَ ورسولَهُ يُدخِلهُ جَنّاتٍ مِن تحتِها الأَنهارُ خالِدِينَ فيها وذلكَ الفَوزُ العَظِيمُ، ومَن يَعصِ اللهَ ورسولَه ويَتَعَدَّ حُدُودَهُ فإنّ له نارَ جَهَنَّمَ خالِدًا فيها وله عَذابٌ مُهِينٌ”.

ويروي ابراهيم القضية التي جرت مع أحد جيرانه وهو رجل وحيد بين أربع بنات، دخل عقده السادس من العمر، ليقوم والده وخوفاً من استفادة أزواج بناته من أمواله، بتسجيل كل ما يملك باسم ابنه، وحرم تالياً بناته من الميراث.

إحدى شقيقاته، قامت برفع دعوى قضائية تطالب فيها بحصتها من الميراث، مدعيةً على “التركة” وشقيقها الحائز عليها كاملةً، ووضعها المادي يُمكن أن يوصف بأنه في الحضيض، وهي تطالب بحصتها كي تستطيع أن تعيل نفسها ولو قليلاً، لكن نظراً إلى المانع الأدبي، تم السكوت عن الموضوع لوفاة المورّث طبعاً، ولعدم الخروج عن المألوف والعادات والتقاليد الاجتماعية السائدة في تلك الفترة، ونظراً إلى تدهور الحالة المالية لدى الأخوات ولعدم اكتراث الوارث بشقيقاته ووضعهن المادي، خرجت عن صمتها وتقدمت للقضاء بفسخ تسجيل للأملاك المتعلقة بالتركة مطالبةً بحصتها علّها تكون عوناً لها على أعباء الحياة.

من جهة أخرى، قامت الشقيقة الأخرى، بإجراء معاملة حصر الإرث واستخراج وثائق من السجل العقاري تُثبت نقل الملكية من المورّث إلى الابن، وتقدمت بدعوى قضائية أمام المحاكم المختصّة، متجاوزةً الموانع الاجتماعية والثقافية المفروضة، من أجل أن تحصل على حصتها من الإرث، فرد شقيقها عليها، بحملة تشويه سمعة في حقها وأنها خالفت الأعراف والتقاليد.

وتقول المحامية سميرة محمود : “الفكرة الأساسية أن منع النساء من الميراث في سوريا هو عرف وليس قانوناً، لكن مثل العديد من البلدان، الأعراف أقوى من القوانين والأمر ليس مشكلةً جديدةً بل مشكلة عميقة ظهرت آثارها بعد عام 2011، بشكل واضح، كأحد أنواع العنف الاقتصادي على النساء”.

وتضيف أنه “وفق القرار 1325 الصادر عن مجلس الأمن ينص على احترام حقوق المرأة ودعم مشاركتها في مفاوضات السلام وفي إعادة البناء والإعمار التي تلي مرحلة النزاع والصراع”، فإن النساء تتضاعف معاناتهن في حالات النزاع لكن هذه المعاناة لا تقتصر على الحماية أو الاستغلال الجنسي فحسب، بل أيضاً تخلق معاناة اقتصادية أحد أسبابها في سوريا، منع النساء من الإرث ما يدفعهن نحو الفقر، وتالياً هؤلاء النساء فقدن الاستقرار، مشيرةً إلى أن “المعاناة تتضاعف في حالتين: الأولى هي حالات فقدان المعيل (سواء الأب أو الزوج)، وسط ظروف اقتصادية صعبة ضاعفها حرمانهم من الإرث نتيجة مفهومي العيب والعرف الاجتماعي، وهنا تصبح النساء عرضةً للاستغلال لقاء الحصول على الأموال”.

وسبق أن أجرت المحامية من خلال مكتبها ، بحثاً موسعاً حول حق المرأة في الميراث، وبحسب أغلب النساء اللواتي كنّ جزءاً من البحث، فإنهن أجمعن على أن الإرث هو حقهن الديني والقانوني ولكن العرف يمنعهن من المطالبة بهذا الحق الطبيعي.

و تلجأ العديد من النساء اليوم، ونتيجةً للتوعية بحقوقهن، إلى المحاكم من أجل تحصيل حقوقهن من الإرث، ولمواجهة هذا الأمر يتم نقل الملكية ضمن عقود بيع وشراء، وهذا ما حدث مع حسناء من مدينة درعا والمقيمة في حلب، والتي قام والدها قبل وفاته بتسجيل كل أملاكه باسم أشقائها الذكور، بعقود بيع وشراء وتثبيتها بالسجل العقاري، و”هكذا حرمني والدي من الإرث بطريقة قانونية”.

لا تزال هذه الأفة الخطيرة أحد الآفات الاجتماعية السلبية التي تؤثر في مجتمعنا.

قوانين الإرث في سوريا

تمتثل جميع الطوائف الإسلامية في سوريا لقانون إرث واحد يعطي النساء نصف ما يعطي الرجال، فـ”للذكر مثل حظّ الأنثيين”، ما يعني أن الأخت ترث نصف ما يرث أخيها، وترث الزوجة من زوجها نصف ما يرث منها، ولا تححب البنت الميراث عن الآخرين ممّن يحق لهم الإرث، ويختلف المذهب الدرزي فقط في ما يتعلق باحترام الوصية.

أما الطوائف المسيحية، فكانت تتّبع قانون الأحوال الشخصية بشقّه المرتبط بالإرث إلى أن تم تعديله عام 2011 حيث أصبحت النساء والرجال متساويين في النصيب الإرثي أكان آتياً من الأب أو الأم أو بين الزوج والزوجة، وأصبحت الفتاة قاطعة للإرث، بمعنى أن الحصّة من أهلها تعود لها ولا تذهب إلى أقاربهم.

تجدر الإشارة إلى أنه وفقاً لقانون الإرث الإسلامي، فإن توفي رجل ولديه بنات فقط، لباقي إخوته وأقاربه حصص إرثية أيضاً، بالإضافة إلى أبيه وأمه، في حال كانا لا يزالان على قيد الحياة لدى وفاته. ذلك أن الإناث لا يحجبن أو يقطعن الإرث، كما هي الحال لدى الطوائف المسيحية.