لكل السوريين

مدرج جبلة يتميز بطرازه الروماني والتنوع الكبير في مواد بنائه

تقرير/ سلاف العلي

يقع مدرج جبلة الروماني في مدينة جبلة الواقعة على الساحل السوري على بعد 30 كم جنوب مدينة اللاذقية مجاورا المدينة القديمة من الجهة الشرقية، ويعتبر أجمل أثر على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

يتميز المدرج بالمهارة الفنية في هندسة بنائه وزخرفته ودهاليزه وأروقته وعقوده، ويرجح معظم الأثريين أنه شيد في العصر الروماني مطلع القرن الثاني الميلادي على أرض مستوية، وينسب بناؤه إلى الإمبراطور جوستنيان 493-565م.

وبقي المسرح حصنا أيام البيزنطيين وفي العهود الصليبية والأيوبية والمملوكية، ويدل على ذلك بقايا أبنية ومرافق مختلفة ظهرت في أقسامه أثناء الحفر.

بني المسرح على ركائز وقواعد متينة ضخمة من الحجر الكلسي ومن أعمدة الرخام الرمادي الأحمر، ومن المرمر المعرق والمشرب ببعض الزرقة نقل إليه من مصر ومن مدينة صور، ويحيط به على شكل نصف دائرة دهليز واسع يبلغ عرضه أربعة أمتار، مسقوف بحجارة مقوسة طويلة قليلة العرض، نضدت بإحكام وإتقان مشكلة عقوداً متتالية، ومتدرجة في الميل والانحدار للأسفل مسايرةً ميل وانحدار صفوف المدرج الذي يرتكز على هذا الدهليز.

للمسرح شكل دائري يبلغ قطره نحو 90 مترا ويتألف من ثلاثة أدوار، وتحمل عقوده 35 صفا من المقاعد الحجرية تركت بينها مسافات تسمح لجمهور المتفرجين بالدخول إلى المسرح والخروج منه، ويستوعب المدرج نحو ثمانية آلاف متفرج، ويتألف من قسمين رئيسيين متقابلين، هما المدرج من الجهة الجنوبية منه، ومنصة التمثيل في الجهة الشمالية وقاعاته ويتوسطهما صحن مستدير قطره 5 .21 متر يتسع لنحو عشرة آلاف متفرج. أما المنصة التي تتصدر المسرح فقد بنيت على شكل مصطبة واسعة كانت في السابق محاطة بأعمدة مرفوعة على قواعد تعلوها تيجان كورنثية الطراز كما هو الحال في مدرج بصرى، ويتم الدخول إلى المسرح من خلال سبعة عشر بابا ضخما تؤدي إلى الدهاليز، ثم ممرات تؤدي إلى كراسي الجلوس وهناك بقايا كثيرة كشفت عنها عمليات التنقيب الحديث توضح أن للمدرج امتدادا كبيرا نحو الشرق يعتقد أنها بقايا أماكن الإقامة والمنشآت الدفاعية، وقد كشف عن وجود أربعة أدراج تسمح بدخول الجمهور إلى المدرجات وكان الدرج الرابع المكتشف حديثا مبنيا من الحجر الكلسي ذي الأحجام والقطع الكبيرة.

وقد عثر على غرف الملقنين في أرضية المنصة الرئيسية للمسرح الأثري من الجهة الشمالية على عمق مترين تحت مستوى المنصة والغرف بحالة إنشائية ومعمارية ممتازة، ويعتبر هذا الاكتشاف عملا رائدا على مستوى العالم، خصوصا أن معظم المدرجات العالمية الأثرية لم يتم العثور فيها على غرف الملقنين.

زود المسرح بالعديد من الأدراج والأقبية الشعاعية والدائرية الفاصلة والأدراج والداخلية والخارجية وكذلك العديد من الممرات التي تفصل أقسام المسرح وتسهل عملية التنقل داخل المسرح ولكن على عكس المنهج المعتاد في المسارح الأخرى حيث تم تنفيذ سلسلة من الحجرات أسفل الممر الأوسط وقد توافقت هذه الحجرات مع القباب والأقواس تحت المدرجات السفلية التي ارتكزت فوق أرضية تتناسب في مستواها مع أرضية ساحة الأوركسترا بحيث تشكل الأروقة الداخلية مفاصل المرور بين أقسام المسرح، كما يبلغ عرض الأروقة الرئيسية أربعة أمتار تقريبا.‏

كما استعملت أروقة ودهاليز المسرح كمخازن ومحلات وأقيم فوقه داران اتخذت إحداها سكنا للمستشار الفرنسي والأخرى لقائد الدرك، المسرح كان مغمورا بالردميات في تلك الفترة.

يعد المسرح الروماني في جبلة واحدا من ثمانية مسارح أثرية في سورية ويحتل المركز الثاني بينها من حيث استيعابه للجمهور وسلامة بنائه، يقع وسط مدينة جبلة الحديثة وفي الجهة الشرقية للمدينة القديمة بمجاورة السور الروماني أي بطريقة مشابهة لموقع مسرحي بصري وجرش.