لكل السوريين

انتفاضة السويداء تتصاعد.. وتسقط الرهانات على توقفها أو تراجعها وأوهام التدخل الخارجي فيها

تواصلت المظاهرات الشعبية في محافظة السويداء بزخم كبير، وتوافدت الحشود من جميع مناطق المحافظة للمشاركة في التظاهرة المركزية الأسبوعية، واحتشد الآلاف يوم الجمعة في ساحة الكرامة وسط المدينة، وتخطّت أعداد المشاركين فيها كل الأيام السابقة للانتفاضة المستمرة للأسبوع السادس على التوالي، وهتف المتظاهرون للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وطالبوا بإسقاط النظام وتطبيق القرار 2254، واستمرت المظاهرات المسائية اليومية في أرياف المحافظة.

وأشار سلوك المتظاهرين إلى التمسك بمطالبهم، حيث استبدلوا صورة بشار الأسد في مدخل بلدة ذيبين بريف السويداء الجنوبي بصورة لقائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، ووزير الحربية السوري الشهيد يوسف العظمة خلال مظاهرة شعبية عارمة.

وأزال أهالي بلدة قنوات شمالي السويداء صور حافظ الأسد عن القوس القائم في مدخل البلدة،

ووضعوا مكانها صورة لقائد الثورة السورية الكبرى، وأخرى لحمامة سلام.

واجتمع المتظاهرون في مقر فرقة حزب البعث في بلدة المزرعة بريف السويداء الغربي لمناقشة سبل تطوير الحراك السلمي وأمور أخرى.

وفي مؤشر على نضج الحراك الشعبي في السويداء، وزع المحتجون الفواكه على عناصر حواجز الجيش السوري، خلال توجههم للمشاركة في المظاهرة المركزية.

وتشير مشاركة مختلف الأطياف الاجتماعية ومساندة الهيئات الروحية لمطالب المتظاهرين بالمحافظة إلى أن الحراك الشعبي فيها سيستمر ويتصاعد ويزداد نضجاً.

ولن تنجح محاولات النظام في الحد من زخمه الشعبي من خلال رهاناته على الوقت والملل والضائقة الاقتصادية في المحافظة محدودة الموارد.

تطور الحراك

دخلت انتفاضة السويداء اسبوعها السادس ولا تزال ساحة الكرامة في مركز المدينة مسرحاً للتظاهرات السلمية اليومية من الصباح وحتى المساء.

وبات شكل الحراك أكثر وضوحاً مع تمسك الشارع بالمطالب السياسية الداعية إلى التغيير، وتنظيم المظاهرات اليومية بالحد الأدنى من العدد في المدينة، مع حشد الآلاف كل يوم جمعة في مظاهرة مركزية.

وأخذ الحراك في الأرياف طابعاً تنظيمياً، وبات منسقو الحراك في كل منطقة يتفقون على مساء يوم محدد لحشد مظاهرة في قرية معينة بحضور أهالي القرى المجاورة.

وما زال النظام يحرص على عدم امتداد الانتفاضة إلى خارج حدود محافظة السويداء، ويراهن على بث فكرة اللاجدوى من مواجهته بين الأهالي، ويتهم الانتفاضة بالطائفية، وبالمؤامرة التي تهدف إلى انفصال السويداء عن سوريا.

ويبدع المتظاهرون في السويداء في طرق الردّ على هذه الاتهامات بطرق عفوية ومرتجلة أحياناً ، بما يشير إلى ضرورة اختيار قيادة موحدة من ذوي الرؤية الوطنية والحنكة السياسية، تقود الحراك الشعبي بشكل سليم وممنهج، وتقطع الطريق على محاولات التحدث باسمه من قبل المعارضات الخاضعة لأجندات دول مختلفة في داخل البلاد وخارجها.

وتساهم في استمرار الانتفاضة وترسيخ أهدافها وتسريع تطبيق هذه الأهداف، وتتواصل مع أية أشكال سياسية قد تفرزها تحركات السوريين المتصاعدة على مساحة الأرض السورية.

المرجعيّات الدينيّة تؤيّد الحراك

تميّزت انتفاضة السويداء بنموّ تشكيلات سياسية واضحة في موقفها المواجه للنظام، وتجاوزت هذه التشكيلات المزاج العام الذي اعتمد على تحييد المحافظة عن القمع العسكري، مع الامتناع عن إرسال شبابها إلى التجنيد الإجباري خوفاً من مواجهة إخوتهم السوريين المعارضين للنظام، وامتنع  نحو أربعين ألف شاب عن الالتحاق بالجيش.

ولكن بعض الأجهزة تمكّنت من استقطاب مجموعات منهم، ومدّتها بالأسلحة ووسائل النفوذ، فتحولت إلى عصابات خطف وسلب وتجارة مخدّرات، وعبثت بأمن المحافظة، فتصدت لها مجموعات محلية مسلحة بمباركة ومشاركة شعبية واسعة، وشنّت حملة عسكرية عليها أنهت وجودها ونفوذها في شهر آب من العام الماضي.

وحظيت الانتفاضة الشعبية الحالية بدعم اثنين من مشايخ العقل الثلاثة في السويداء، حيث انضمّ الشيخ حمود الحناوي المعروف بموقفه الوسطي، إلى الشيخ حكمت الهجري الذي كان داعماً للحراك الشعبي منذ بدايته، وأصدرا بياناً مشتركاً حدّدا فيه مطالب الحراك من خلال الدعوة إلى “تغيير حكومي وتشكيل حكومة جديدة قادرة على إدارة الأزمة وتحسين الواقع وإيجاد الحلول وعدم ترحيل المسؤوليات”.

وطالب البيان المشترك بـ”التراجع عن القرارات الاقتصادية الأخيرة والعمل على تحسين الواقع المعيشي للمواطنين، ومحاربة الفساد والضرب على أيدي المفسدين وتقديمهم للعدالة، وأن تكون مؤسّسة الأمن والشرطة عوناً للمواطن لا عليه”.

الانتفاضة تحقق الأمن

خلال الشهر الأول من انتفاضة السويداء لم تشهد المحافظة أي عملية قتل أو سرقة أو اختطاف،

واختفت عمليات السطو الليلية على المنازل والمتاجر والمؤسسات العامة، وعمليات اطلاق النار العشوائية الليلية التي كانت ترعب السكان في الأحياء.

وخلال الأسبوع الثاني من الشهر الثاني للانتفاضة، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورة شاب مقيد على عامود إنارة عند دوار المشنقة وسط مدينة السويداء، وعلى جسده لافتة كتب عليها اسمه الثلاثي، وأخرى كتب عليها “حرامي سيارات”.

وكانت مجموعة أهلية مشاركة بالانتفاضة، قد القت القبض على السارق واقتادته إلى مقرها حيث اعترف بسرقة السيارة، وتم تسليمها لأصحابها.

ومن خلال تفتيش جواله، تبين وجود محادثات تتضمن عمليات ابتزاز اللص لمجموعة من النساء، وهذا ما دفع المجموعة لريطه بالعامود كوسيلة “عقاب رادع”.

وفي الاسبوع الماضي القى مشاركون بالانتفاضة القبض على لصوص كانوا يسرقون أكبال الكهرباء في قرية بكا، وتم تعليق اللصوص بطريقة مماثلة، ثم تم تسليمهم إلى شرطة مدينة صلخد، وبعد ساعات من تسليمهم لاذ أحد الموقوفين بالفرار.

بيان شهبا وقراها

في إطار بلورة شعارات الانتفاضة وقطع الطريق على محاولات تشويهها، أصدرت اللجنة الإعلامية لحراك شهبا وقراها بياناً حول شعار “حزب البعث خائن”، وضحت فيه من المقصود بها الشعار.

وذكر البيان أن السلطات الأمنية في سوريا اعتبرت أن من ليس معها فهو ضدها، ومن لم يكن مخبراً لها فهو متهم، وكرست مقولة سكة السلامة هي “أن تنتمي لحزب البعث، وإذا لم تكن منتمياً ستكون حياتك وحياة من حولك أشبه بالجحيم، ملاحق ومراقب، ممنوع من الوظيفة، ممنوع من السفر، معرض للخطر حتى لو لم يكن لك أي نشاط سياسي”.

وأشار إلى أن الشعب السوري تحّول تحت هذه الضغوط الرهيبة بأغلبيته الساحقة إلى “جيش من البعثيين، لم يكن الانتماء تفرضه قناعة بإيديولوجيا الحزب، أو رغبة في مزاولة العمل السياسي، بل كان ما يفرضه الميل الطبيعي للإنسان أن يكون آمن هو وعائلته”.

ومما جاء في البيان “هذه السياسة حوَّلت حزب البعث من حزب سياسي له تاريخه السياسي ما بعد الاستقلال وله ما له وعليه ما عليه، إلى مكان ضروري وإجباري التواجد فيه لدرء الأخطار”.

ومن هذه الزاوية لا ينال شعار “حزب البعث خائن”ً من البعثيين، بل ينال من الحزب الذي تحوَّل لذراع أمنية، وفقد مقولة الحزب ومقولة السياسة، “ولا ينال من الذين انتموا له ولهم وجهة نظر تتفق مع فكر البعث وأصحاب نوايا طيبة لصالح البلد”.

وانتهى البيان بالقول “شعار حزب البعث ساقط، هو شعار إسقاط للأجهزة الأمنية وأذرعها فقط، وكل التفهم لأهلنا الذين انتموا له خوفاً من البطش التاريخي لهذا النظام”.

تحركات عسكرية

أخلى الجيش السوري نقاطه الصغيرة في الريفين الشمالي والغربي لمحافظة السويداء، وأعاد تجميعها في مواقع أكثر تحصيناً داخل المحافظة.

وأكدت مصادر محلية أن ست نقاط عسكرية كانت تتوزع على أطراف وادي اللوا، شمال السويداء، قد انسحبت إلى نقاط رئيسية بنفس المنطقة.

وأشارت المصادر إلى أن هذه النقاط لم تنسحب خارج المحافظة، وجرى إعادة تجميعها ضمن المواقع التي تعدّ نقاطاً عسكرية محصنة.

وفي ريف السويداء الغربي، أخلى الجيش نقاطاً صغيرة تتوزع قرب القرى، وأعاد تجميعها في نقاط أخرى وثكنات داخل الريف الغربي.

وتبدو عملية إعادة تجميع النقاط الصغيرة في مواقع كبيرة ومحصنة داخل المحافظة تكتيكاً دفاعياً، حسب خبير عسكري فضل عدم ذكر اسمه، وذكر أن هذه التحركات بدأت منذ الأيام الأولى للانتفاضة الشعبية في السويداء، حيث تمت إجراءات مماثلة في شهر آب الماضي،

وقال مصدر أمني حينها إن “السلطات سحبت جميع النقاط الصغيرة التي تعدّ هدفاً سهلاً في حال حدوث اضطرابات أمنية، وإن هذه الإجراءات ليست انسحاباً خارج المحافظة”.

وحسب مصادر محلية كثف الجيش نقاط وجوده على الحدود التي تفصل بين محافظتي درعا والسويداء، تحسباً لأي تعاون بين المحافظتين على استمرار وتطوير الحراك الشعبي.

الحراك يدخل دائرة الاهتمام الأميركي

دخل الحراك المتواصل في محافظة السويداء دائرة الاهتمام الأميركي، وأجرى النائب الأميركي الجمهوري فرينش هيل، اتصالاً مع الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري، دام أكثر من نصف ساعة، وفق مصادر مقربة من الهجري.

ووفق المصادر “استفسر هيل في الاتصال عن حقيقة ما يجري في السويداء وعن الأوضاع الأمنية في المحافظة، خصوصاً بعد إطلاق النار على المتظاهرين أمام مقر فرع حزب البعث”. وقالت المصادر إن النائب الجمهوري “شدّد على أن سلامة الشيخ الهجري الشخصية موضع اهتمام خاص”.

وتباينت وجهات النظر حول هذا الاتصال بين من اعتبر أنه يمثل اهتمام الإدارة الأميركية بما يجري في السويداء، وبين من يعتبر أن السياسة الأميركية مبنية على استعمار الشعوب ونهب خيراتها، ويطالب بمغادرة كل القوى المحتلة من سورية دون استثناء.

وبين من يعتبر أن الحراك في السويداء منفتح على التواصل مع أي جهة عربية أو دولية بهدف إيصال صوته ومطالبه بالتغيير السياسي ضمن ثوابت الحراك الوطنية، دون أن يتلقى التعليمات من أي جهة كانت.

وهم التدخل الخارجي

في مواجهة الاتهامات بدعم خارجي وعربي لحراك السويداء، أكدت مواقف ناشطين فيه قدراً كبيراً من الاستقلالية في طبيعة ومستقبل هذا الحراك، ومثّل نزول مواطنين عاديين إلى الشارع جرّاء الوضع المعيشي المتردي، نسفاً لنظرية الدعم الخارجي.

وفشلت الدعوات إلى قيام إدارة ذاتية لشؤون المحافظة من قبل مجموعة يتصدّرها حزب “اللواء السوري” وقوبلت برفض معظم لجان الناشطين في الحراك، واعتبر بعضهم أنها تعطي المبرّر للنظام وللجيش الروسي لقمع الاحتجاجات بتهمة النزعة الانفصالية التي تسوقها دعاية النظام.

ورأى ناشطون آخرون أن دعوة كهذه تتناقض مع الشعار الذي رفعه الحراك الشعبي بالمحافظة منذ البداية “الشعب السوري واحد”.

ومازال الكثيرون في الحراك يتخوفون من استغلال دول غربية لحراك السويداء لإقامة حزام في المنطقة الجنوبية حتى الحدود مع الأردن، شبيه بذلك الذي تسعى القوات الأميركية إلى إقامته على الحدود العراقية السورية لقطع الطريق على حركة الميليشيات الإيرانية، ويرون أن ذلك قد يحرف الحراك الشعبي عن مطالبه الأساسية.