لكل السوريين

صفقة محتملة بين تركيا وروسيا.. على حساب الشعب والتراب السوري

تسود حالة من الترقب البالغ أجواء المنطقة بعد تزايد الأنباء عن صفقة تركية – روسية محتملة في الشمال السوري، قد تؤدي إلى هجوم لقوات الحكومة السورية على محافظة إدلب.

وتسببت التسريبات الروسية، التي رشحت عن المباحثات الروسية – التركية الأخيرة في أنقرة، بحالة من القلق والخوف لدى المدنيين في منطقة خفض التصعيد وخاصة بين النازحين منهم.

فإذا صحّت هذه التسريبات ستكون نتائجها كارثية عليهم لجهة فقدان الأمل بعودتهم إلى مدنهم وقراهم التي نزحوا عنها بعد دخول قوات النظام إليها.

وذكر “معهد دراسات الحرب” الأميركي في تقرير نشره مؤخراً أن “تركيا وافقت على التنازل عن مناطق تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية لصالح الأسد في جنوب إدلب”. وذلك خلال اجتماع أنقرة في 16 من الشهر الجاري.

ولفت التقرير إلى أنه في حال صحت تلك المعلومات فمن المحتمل أن يكون هجوم قوات النظام السوري على المنطقة بات وشيكاُ.

وجاء في التقرير أن روسيا وتركيا تتفاوضان على اتفاق ينص على انسحاب جزئي من إدلب، وبدأت تركيا بسحب المئات من قواتها من جنوب إدلب، بذريعة إعادة انتشار تتعلق بنزاعاتها البحرية مع اليونان.

ومع أن أنقرة لم تؤكد التسريبات الروسية عن نتائج المباحثات، ووصفها وزير خارجيتها بأنها “لم تكن مثمرة”، إلّا أن ذلك لم يخفف من حالة القلق والترقب، حيث اعتبر بعض المراقبين إرسال أنقرة لقوات عسكرية جديدة نحو إدلب، يهدف إلى تحسين شروط التفاوض بينها وبين روسيا في المرحلة المقبلة.

من ناحية أخرى كشفت هيئة مصالحة، موالية للنظام، أن روسيا تستعد لسحب قواتها من شرق البلاد، وهو ما أثار التكهنات، في حال صدق الخبر، بأن تركيا، الطامحة لإبعاد المجموعات الكردية عن حدودها، قد تملأ الفراغ هناك، وإذا حدث ذلك، فلن تكون إدلب بعيدة عن معطياته.

بواعث التخوف

ذلك التخوف من وجود صفقة بين روسيا وتركيا، له مبرراته، إذ لم تخفِ الحكومة رغبتها رغبته المدعومة من روسيا في السيطرة على كل المناطق حول طريق دمشق – حلب الدولي، من أجل افتتاحه أمام حركة المرور، والحركة التجارية، لمساعدته على مواجهة عجزه الاقتصادي من خلال طرق الترانزيت، وهو الذي استمات في المعارك الأخيرة، قبل توقفها، للسيطرة على الجزء المار من إدلب من الطريق الدولي.

كما تزيد من تلك المخاوف رغبة تركيا في إبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن حدودها الجنوبية، وتحديداً في مدينتي تل رفعت ومنبج، خصوصاً أن أنقرة تسعى لتوسيع سيطرة قوات التنظيمات الإرهابية المدعومة من قبلها، غربي نهر الفرات، بعد أن احتلت مع تنظيماتها المرتزقة عفرين والباب وجرابلس.

ومن المثير للانتباه أن الأتراك توقفوا عن المطالبة بانسحاب قوات الحكومة إلى ما وراء النقاط التركية المحيطة بـ”منطقة خفض التصعيد” تطبيقاً لتفاهمات أستانة، وحدود اتفاق سوتشي الجغرافية المتفق عليها بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في أيلول 2018. وكانت أنقرة قد شنت عمليتها الأخيرة في إدلب لطرد القوات الحكومية، قبل أن تتوقف العملية باتفاق موسكو لوقف إطلاق النار.

دلالات وموقف

يربط المراقبون بين التحركات التركية وبين تصريحات وزير الخارجية الروسي، حيث قال بعد مباحثاته الأخيرة في دمشق “إن إدلب هي من أهم مجالات التعاون بين روسيا وتركيا، وأهم ما فيها الفصل بين المعارضة المعتدلة والمتطرفين، وتأمين طريق حلب- اللاذقية الدولي”.

واعتبر الوزير الروسي، أن المواجهة العسكرية بين الحكومة والتنظيمات الإرهابية المرتزقة قد “انتهت”، وأنه لا حاجة لعمل عسكري على إدلب.

كما قال لافروف، في مقابلة مع قناة العربية “لا أعتقد أن الوفد الروسي الذي تحدث مع الأسد، ومسؤولين آخرين في الدولة، يمكنهم القول إن الحكومة السورية تعول فقط على حل عسكري للنزاع، هذا ليس حقيقة، المواجهة العسكرية بين حكومة البلاد والمعارضة انتهت”.

وأشار الوزير الروسي إلى أن “منطقة إدلب تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام، لكن هذا المنطقة يجري تضييقها، حيث يعمل الأتراك بناء على المذكرة الروسية- التركية، على محاربة الإرهابيين وفصل المعارضة المعتدلة عنهم”، وعبر عن تأييد بلاده لهذه التحركات التركية.

وتزامنت تصريحات لافروف، التي جاءت بعد جولة المحادثات الروسية التركية في أنقرة، مع شن عشرات الغارات الجوية الروسية على مناطق في محافظة إدلب، وقصف القوات الحكومية لمقار التنظيمات الإرهابية المرتزقة في قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي، ومحاولة تقدم لقواتها على أحد محاوره.

ويشير بعض المراقبين إلى أن تركيا أرسلت قافلتين تحملان الإمدادات إلى نقاطها داخل سوريا على مدى أسبوعين، في حين أن أنقرة كانت ترسل، قبل اتفاقها مع موسكو، القوافل بمعدل مرة كل يومين.

ويرى المتابعون لما يحدث في المنطقة أن انسحاب القوات التركية من جنوب إدلب، ربما يمهد لاستئناف العمليات العسكرية للحكومة السورية خلال الأسابيع المقبلة.

ويعتقدون بأنه في حال قيام الحكومة السورية بهجومها قد تتصدى لها بعض التنظيمات الإرهابية، حتى لو امتنعت أنقرة عن تقديم الدعم لها.

وقد تواجه تركيا رد فعل عنيف من قبل العناصر المنتمية إلى “هيئة تحرير الشام” والفصائل المتشددة الأخرى بسبب تفريطها بالأراضي التي تسيطر عليها هذه الفصائل.

نقاط المراقبة ورقة ضغط

حاولت روسيا الضغط على تركيا لتسحب نقاط المراقبة الواقعة في مناطق سيطرة الحكومة، خلال الاجتماع الذي دار بين ضباط من الطرفين في 16 من أيلول الحالي بالعاصمة التركية أنقرة.

إلّا أن محاولات الروس في إقناع الأتراك قوبلت برفض تركي.

واستمرت الأرتال العسكرية التركية، التي تتخذ من معبر كفرلوسين على الحدود السورية التركية منفذًا لها إلى الأراضي السوري في الدخول وتعزيز نقاط المراقبة، وتبديل نوبات الحراسة.

وهو ما دفع المراقبين إلى الاعتقاد بأن تركيا تعتبر استمرار وجود هذه النقاط ورقة ضغط يمكن أن تستخدمها في أي مفاوضات بينها وبين روسيا، إضافة إلى دورها العسكري كمناطق استطلاع، ووحدات إنذارية وقتالية كونها تتوضع في عمق مواقع العدو.

كما يجعل منها ركيزة مهمة لانطلاقة العملية السياسية حسب رغبتها وأطماعها لاحقاً، فأي تغيير في هذا الواقع القائم في المنطقة قد يهدد العملية السياسية، كما أشار وزير الخارجية التركي.

ماذا جرى في محادثات أنقرة

لم يتوصل الضباط الروس والأتراك إلى صيغة موحدة لتنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بشمال غربي سوريا خلال اجتماع أنقرة.

وألمح وزير الخارجية التركي إلى أن بلاده غير راضية تماماً عن نتائجه، وأشار خلال مقابلة مع قناة “CNN” التركية، إلى إمكانية انتهاء العملية السياسية في إدلب، في حال عدم توصل بلاده إلى اتفاق مع روسيا.

وقال الوزير “نحن بحاجة للحفاظ على وقف إطلاق النار في منطقة إدلب ويحتاج وقف إطلاق النار إلى الاستمرار والتركيز أكثر في المفاوضات السياسية”، وأكد على ضرورة وجود هدوء نسبي في المحافظة، لأنه إذا استمرت المعارك، “فقد تكون العملية السياسية قد انتهت”.

بينما نقلت وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسية، عن مصدر لم تسمه، أن الوفد الروسي قدم خلال الاجتماع مقترحاً لتخفيض عدد نقاط المراقبة التركية في إدلب، “إلّا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن”.

وتحدث المصدر عن قرار تخفيض عدد القوات التركية، وسحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة، ومن جانبها، نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مصدر روسي، أن موسكو عملت على إقناع أنقرة بتقليص وجودها العسكري في إدلب، وسحب الأسلحة الثقيلة منها، خلال المحادثات.

وقال المصدر للصحيفة، إن الوفد الروسي قدم اقتراحه، “لكن الطرفين فشلا في التوصل إلى تفاهم بهذا الشأن، في حين شهد اليوم الثاني من المحادثات نقاشاً مفصلاً حول آليات سحب جزء من القوات التركية المنتشرة في المنطقة، مع سحب الأسلحة الثقيلة”.

وباستثناء التسريبات الروسية، لم يرشح شيء مما دار في كواليس مباحثات أنقرة، وهو كثير كما يتوقع المراقبون.

حصة تركيا من الصفقة

رغم عدم وضوح التنازلات التي يفترض أن موسكو قدمتها لأنقرة، في الصفقة التركية الروسية التي تحدث عنها تقرير “معهد دراسات الحرب” الأميركي، والعديد من الصحف ووكالات الأنباء.

إلّا أن هذه الصفقة، في حال تنفيذها، لن تكون مجانية بالنسبة لأنقرة التي تسعى إلى التمدد على حساب الأراضي السورية، وترسيخ أطماعها فيها، كما تسعى إلى احتلال المزيد من المناطق في شمال شرق سوريا.

وفي هذا الصدد تحدثت وسائل الإعلام روسية أن تركيا طالبت بمدينتي منبج وتل رفعت اللتين تسيطر عليهما قوات سورية الديمقراطية، مقابل انسحابها الجزئي من إدلب.

إلا أن هذا الطلب التركي قابله رفض روسي، حسب التسريبات التي لم تشر إلى المقابل الذي سيحصل عليه الأتراك مقابل تنازلهم لصالح الروس في حال تنفيذه.

وهذا، إضافة إلى التعتيم الكامل حول التنازلات التي ستقدمها موسكو لأنقرة، ما أثار التكهنات بأنه إما أن الإعلام الروسي يذرّ الرماد في العيون حول هذه التنازلات، أو ربما تكون هذه التنازلات في ليبيا، أو في مجالات أخرى ذات مصالح مشتركة بين البلدين.

علاقات مدّ وجزر

يصف المتابعون للعلاقة بين تركيا وروسيا بأنها علاقات معقدة، فرضتها ظروف الواقع رغم ما بين الطرفين من تناقضات سياسية.

ويذكر المتابعون أن أهم الأسباب التي دفعت الجانبين إلى التعاون هو “الطموح الروسي بإيجاد نفوذ في منطقة البحر المتوسط، وهو ما يستلزم التنسيق مع الدول الفاعلة في هذه المنطقة، ومنها تركيا”.

وفي سوريا ترغب روسيا بإيجاد شريك دولي لإنجاز حل سياسي فيها وفق رؤية موسكو، و”هذا يستلزم العمل مع تركيا صاحبة التأثير الأكبر لدى التنظيمات الإرهابية المؤتمرة من أنقرة.

بينما تسعى تركيا إلى تنفيذ أطماعها التوسعية في المنطقة، وإحياء الامبراطورية العثمانية، وتجد في روسيا الشريك المناسب لها.

ولذلك، ورغم التعارض بين الطرفين في بعض المصالح، إلا أنهما يتمسكان بعلاقات متوازنة، وفي الشأن السوري، رغم عدم وجود تفاهم متكامل بينهما، يعمل البلدان، حسب الخبراء، على تدوير زوايا الخلاف قدر الإمكان بهدف إتاحة المجال لاستمرار التعاون، لتأمين المصالح الاقتصادية والسياسية لكل منهما.

وهذا يعني أن العلاقات بينهما ستستمر بالمراوحة بين التناقضات والتوافقات والمساومات وعقد الصفقات على حساب الشعب السوري ووحدة أرضه.

تقرير/ لطفي توفيق