لكل السوريين

بدأت بالهند وانتهت في الكويت.. كيف استطاع نادي الاتحاد السوري الوصول للمجد الآسيوي 2010؟

لم يكن أشد المتفائلين بنادي الاتحاد السوري يتوقع أن يلعب النادي الذي يفضل عشاقه تسميته بالأهلي نهائي كأس الاتحاد الآسيوي في العام 2010، حيث أن النادي كان يضم لاعبين شبان لا يملكوا أية خبرة في المشاركات القارية، وإدارة كانت منتخبة قبل بضعة أشهر، ومدرب أجنبي لا يعرف الطقوس السورية الرياضية.

في العام 2009 لم يستطع نادي الاتحاد أن يتأهل للمشاركة في كأس الاتحاد الآسيوي بعد عجزه عن نيل لقب الدوري أو الوصافة، ولا حتى الوصول لمنصة التتويج في كأس سوريا، فاضطر عشاقه أن ينتظروه عاما آخرا ليروا فريقهم المفضل يشارك خارجيا.

فشل نادي الكرامة الحمصي في تحقيق اللقب الآسيوي جعل الجماهير السورية في حالة خيبة بعد أن اعتادوا على رؤية الكرامة يبرز في آسيا، ولم يكن للاتحاد أي بروز قاري، ما جعله غير موجود على خانة الفرق المرشحة للظهور.

وضعت القرعة نادي الاتحاد في مجموعة ضمت إلى جانبه القادسية بطل الكويت، وصاحب الصيت قارياً، والنجمة بطل لبنان، وتشرشل براذرز الهندي أحد فرق الصفوة في الهند.

بدأ الاتحاد مسيرته مع الإعجاز الكروي باللعب في الهند، بمباراة الافتتاح، واستطاع اكتساح نظيره الهندي برباعية مقابل هدف وحيد، ومع أن النتيجة كانت كبيرة إلا أن المشاهدين لم يراهنوا على الاتحاد معتبرين أن الفريق الهندي متواضع المستوى، ومن الطبيعي أن يفوز الاتحاد عليه، وحتى في عقر داره.

مباراة المحك

التقى الاتحاد في المباراة الثانية مع نظيره القادسية في حلب، واحتشد ما يقارب الـ 40 ألف متفرج لمساندة الأهلي في لقاء يعد الأصعب في المجموعة، فالقادسية متمرس في اللعب خارج الديار ويعرف من أين يؤكل الكتف، والاتحاد لاعبوه شبان، وبعضهم غائب للإصابة.

استطاع الاتحاد مجاراة القادسية طوال اللقاء، وكسب منه تعادلا سلبيا ثمينا، جعله لا يفكر في التأهل للدور الثاني فحسب بل حتى في المنافسة على صدارة المجموعة، حتى يضمن لعب دور الـ 16 على أرضه من مباراة واحدة، فالاتحاد الآسيوي وضع خارطة طريق للبطولة تنص على ذلك.

مباراة النجمة مفترق طرق

أدرك لاعبو الاتحاد وإدارتهم بقيادة ابن النادي وصانع أمجاده، محمد عفش، أن الانتصار في لقاء النجمة في حلب سيقربهم أكثر من إحدى بطاقتي التأهل، ويجعلهم يخوضون جولات الإياب بأريحية نوعا ما.

دخل الروماني تيتا فاليريو مدرب الاتحاد المباراة بتكتيك أراد من خلاله حسم اللقاء مبكرا، فرمى بكل أوراق الاتحاد الهجومية “الإفريقي أوتو دور، وعبد الفتاح الأغا، ونجم الفريق محمد فارس، وعمر حميدي ومجد حمصي الذي يرأس النادي حاليا”.

سيطر الاتحاد على مجريات اللقاء شرقا وغربا، جنوبا وشمالا، واستطاع إنهاء المباراة بفوز كبير ومريح بأربعة أهداف مقابل اثنين، ليقترب خطوة كبيرة من التأهل.

وفي الإياب التقى الفريقان في لبنان، واستطاع النجمة الفوز في المباراة وبنتيجة واحد لصفر، ليعيد الحسابات إلى الجولتين الأخيرتين ويجعل منهما صعبتين على الفريقين.

خدمة القادسية

قدّم القادسية الكويتي خدمة كبيرة للاتحاد عندما هزم النجمة في لبنان، ما جعل الأمر سهلا للاتحاد الذي كاد أن يضيع التأهل بيده عندما استهان بقدرات الفريق الهندي، لكنه فاز عليه بصعوبة، وبهدفين لهدف.

وفي المباراة الأخيرة التقى الاتحاد والقادسية في لقاء يعد تحصيل حاصل، فالاتحاد متأهل بعد فوز القادسية على النجمة، وقام تيتا وقتها بإراحة بعض لاعبي الخبرة، انتهى اللقاء بخسارة الاتحاد بثلاثية بيضاء، مع العلم أن القادسية كان قد لصفوفه نجمي سوريا آنذاك، جهاد الحسين لاعب الكرامة السابق، وفراس الخطيب لاعب العربي الكويتي وهداف المنتخب السوري.

إقصاء حامل اللقب

بعد أن حل الاتحاد ثانياً في مجموعته خلف القادسية، اضطر لملاقاة الكويت الكويتي حامل اللقب ومتصدر المجموعة الخامسة، وهنا كان الرهان، فالكويت منتشي بصفته بطلا للكويت وبطلا لبطولة الاتحاد الآسيوي العام السابق بعد فوزه على الكرامة السوري في الثواني الأخيرة.

دخل الكويت المباراة وهو يعتبر نفسه متأهلا، فهو بطل القارة، والاتحاد فريق شاب تنقصه خبرة مباريات الكؤوس والبطولة قارية، وتأهل الاتحاد جاء بشق الأنفس، في حين أنه تأهل بأريحية مطلقة.

تقدم الكويت الذي يخوض اللقاء على أرضه مبكرا، وفي الشوط الثاني تعادل الاتحاد عبر ضربة جزاء، ومن خلال سير اللقاء يبدو أن مدرب الاتحاد يريد مجاراة الفريق الكويتي للأشواط الإضافية، فهو يعرف أن اللاعب السوري يتحلى بالحالة البدنية أكثر من اللاعبين الخليجيين.

استمر الكويت في ضغطه علّه أن يحرز هدف التقدم في الأشواط الإضافية، فبات الآن يدرك مدى خطورة هذه الفترة من المباراة، والذي تابع اللقاء شاهد كيف كان الفريق الكويتي يتفنون في إضاعة الفرص وكأن التأهل محسوم لهم.

استطاع الاتحاد جر الكويت إلى ضربات الترجيح، وهنا تساوت الكفتين، إلا أن مهارة الحارس السوري الشاب خالد حاج عثمان مكنت الاتحاد من التأهل لدور الثمانية.

فريقٌ كويتيٌ آخر

بعد أن اكتمل نصاب الفرق المتأهل لدور الثمانية، سحب الاتحاد الآسيوي القرعة في كوالالمبور عاصمة ماليزيا، وأسفرت مواجهات هذا الدور عن مواجهة سورية كويتية أخرى، الاتحاد بمواجهة كاظمة الكويتي.

دخل الفريق الكويتي لقاء الذهاب في حلب أمام أنظار أكثر من 50 ألف متفرج تزينت بها مدرجات استاد حلب الدولي، واستطاع مجاراة الاتحاد الشاب المتحمس لحسم التأهل مبكرا، إلا أن خبرة الفريق الكويتي استطاعت أن تضع الاتحاد في موقف محرج، فالاتحاد يعلم أن الخسارة بهدف لصفر تعني إقصاءه من البطولة.

وحاول رئيس النادي الكويتي اللعب على الوتر المعنوي، وعبّر بعد لقاء الذهاب عن فرحته بالنتيجة، معتبرا أن فريقه قد ضمن التأهل، وقال أمام الكاميرا وهو يؤشر بيده “سنفوز بالثلاثة”، إلا أن لاعبي الاتحاد كانوا على قدر المسؤولية واستطاعوا الفوز في لقاء الإياب بهدف وحيد، ليصلوا لدور النصف نهائي.

نصف نهائي مع شرق القارة

إقصاء الاتحاد لحامل اللقب، والفوز على كاظمة، وإقصاء الكرامة المفاجئ على يد فريق موانغ ثونغ التايلاندي كل هذه الأسباب جعلت الجماهير تولي الدعم المطلق للاتحاد وتزيد عليه المسؤولية لإعادة اللقب لخزائن الأندية السورية بعد أن حققها الجيش في نسختها الأولى في العام 2004.

سافر لاعبو الاتحاد لتايلند لملاقاة بطلها موانغ ثونغ الذي أقصى الكرامة السوري من الدور ربع النهائي، ما جعل الاتحاد أمام تحديان، الأول تحقيق نتيجة إيجابية قبل لقاء الإياب في سوريا، والثاني الانتقام لشقيقه نادي الكرامة الذي أقصي بغرابة أمام فريق يعد مغمورا.

ولعل الكرامة لعب أمام الفريق التايلندي كما لعب الكويت أمام الاتحاد بغرور زائد، وكأنه ضامن للتأهل، فهو أيضا خاض لقاءيه أمام الفريق التايلندي بصفته بطل سوريا وطرف نهائي الاتحاد الآسيوي في العام السابق، وكرة القدم تعطي من يعطيها.

اكتظ ملعب الفريق التايلندي بـ 25 ألف مشجع، وعلى الرغم من أن فريق موانغ ثونغ يعد مغمورا إلا أنه يمتاز كما فرق شرق آسيا بالسرعة الشديدة، والحماس الزائد، وحتى جماهيره لا تتوقف عن الدعم والتشجيع.

في النهاية استطاع الفريق التايلندي الفوز بنتيجة واحد لصفر، وهي ذات النتيجة التي خسرها في حمص أمام الكرامة في دور الربع نهائي.

أهم نصف نهائي في تاريخ الاتحاد

احتشد ما يقارب 75 ألف مشجع سوري تزينت بهم مدرجات استاد حلب الدولي، وعينهم على النهائي الآسيوي،فالقادسية الذي خدمهم ينتظرهم في استاد جابر الشبيه لاستاد حلب.

دخل لاعبوا الاتحاد اللقاء بمعنويات عالية، فخسارة الذهاب يمكن تعويضها بسهولة، وعلى الرغم من أن الفريق التايلندي استطاع مجاراة الجماهير السورية في لقاء الكرامة إلا أنه بدا ضائعا تائها في أرجاء ملعب المباراة.

تقدم الاتحاد مع نهاية الشوط الأول، وتساوت الكفتين، وسرعان ما أضاف محمد الحسن الهدف الثاني للاتحاد ليصبح الاتحاد في سباق مع الزمن للوصول إلى النهائي الحلم.

أطلق حكم المباراة صافرة النهاية لتعم الفرحة أجواء سوريا بالكامل، الاتحاد ضرب عدة عصافير بتأهله، أولا استطاع لأول مرة في تاريخه الوصول لنهائي قاري، والثاني أذاق الفريق التايلندي من ذات الكأس التي شربها الكرامة الحمصي، وثالثها أن سوريا ستلعب النهائي القاري ممثلة بفريق الاتحاد، وأمام فريق كويتي.

النهائي الحلم والوصول للذهب

اعتمد الاتحاد الآسيوي قانونا ينص على لعب المباراة النهائية من مباراة واحدة في ملعب الفريق الذي يتأهل من النصف نهائي الأول، كما حدث مع الكرامة والكويت العام السابق. فاضطرت الأندية السورية لخوض النهائي في الكويت للمرة الثانية على التوالي، وفي ملاعب الكويت.

سادت حالة من الخوف في مخيلة بعض الجماهير السورية، ولا سيما من تكرار سيناريو العام السابق، وزاد من ذلك الحرب الإعلامية التي شنتها وسائل الإعلام الكويتية، واستمرارها في التذكير بما حصل في نهائي 2009 مع الكرامة.

في حين ذهب البعض من المتفائلين بالاتحاد باستذكار مسيرته في البطولة، واستشهد البعض بإقصاء الكويت حامل اللقب وفي ملعب النادي الكويتي، والفوز على كاظمة في الكويت، وانتزاع التأهل منه.

غصّت مدرجات استاد جابر الدولي بالجماهير الكويتية، في حين أن الجماهير السورية خصص لها الاتحاد الآسيوي حصة الثلث فقط، باعتبار أن القادسية يلعب في أرضه وبين جماهيره.

دخل القادسية بتشكيلة تضم خيرة اللاعبين الدوليين، بينهم محترفين، يتقدمهم نجمي المنتخب السوري، فراس الخطيب وجهاد الحسين، بالإضافة إلى نجوم المنتخب الكويتي المتوجين بلقب كأس الخليج.

بينما الاتحاد دخل المباراة بتشكيلة تضم مزيجا من الشباب وعناصر الخبرة، وجاءت كل الترشيحات لصالح القادسية، وجميع الوسائل الإعلامية رشحت القادسية للفوز وبنتيجة عريضة حتى.

أحرز القادسية الهدف الأول بعد انتصاف الشوط الأول، وسيطر على مجريات اللقاء بالكامل، حتى بدا أن الاتحاد مستسلم، ولا يهمه سوى الخروج بأقل الخسائر.

في بداية الشوط الثاني أدرك اللاعب الدولي طه دياب التعادل لأهلي حلب، واستمر الاتحاد بمجاراة القادسية طوال اللقاء، يضاف إلى أن الاتحاد كسب خبرة كبيرة من خلال فوزه على الكويت وكاظمة، وأصبح فريقا متماسكا صعب المنال.

وصلت المباراة إلى ركلات الترجيح، والفريقان يتحضران لتنفيذ الركلات، وكلا الفريقان يضمان حارسين من طينة ممتازة، إن كان خالد حاج عثمان حارس الاتحاد، أو نواف الخالدي حارس القادسية.

أصغر لاعب يسجل كرة البطولة

تمكن لاعبو الاتحاد من تسجيل الأربع ركلات وأضاع القادسية عبر فراس الخطيب والمجمد ركلتين، ليوكل المدرب تيتا فاليريو مهمة تنفيذ ركلة البطولة لأصغر لاعب شارك فيها، اللاعب محمد رضوان قلعجي، والذي كان يلعب في منتخب سوريا للناشئين، وكان يبلغ من العمر 17 عاما فقط.

تقدم قلعجي لتنفيذ الركلة، وقلوب السوريين تسانده، فالحلم أصبح حقيقة، الاتحاد على بعد ركلة واحدة من اللقب، والثأر للكرامة، وإعادة الكأس لسوريا مجددا.

أحرز اللاعب الصغير الركلة الأخيرة، وانطلقت معها صافرة الحكم، لتعم الفرحة شوارع سوريا، اللقب يعود لسوريا مجددا، لاعبون شبان صغار في العمر، يحرزون اللقب الآسيوي الكبير، ومع الصافرة انتهت فرحة سورية لا تزال عالقة في أذهان وقلوب كل مشجع سوري.

تقرير/ ميزر الشهاب