لكل السوريين

اجتماع المجلس الأعلى للتعاون.. حلقة في لعبة التوافق والاختلاف بين طهران وأنقرة

عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني حسن روحاني الاجتماع السادس للمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي التركي الإيراني، عبر الفيديو كونفرنس، بمشاركة وزراء من الجانبين، لمناقشة تطوير العلاقات بين البلدين في المجالات كافة، وجري خلال الاجتماع تبادل الآراء حول القضايا الإقليمية والدولية إلى جانب تقييم العلاقات الثنائية بينهما، حسب وسائل إعلام البلدين.

وجاء هذا الاجتماع وسط تكهنات واسعة بأن طهران وأنقرة تتجهان نحو المزيد من التعاون والترابط الاستراتيجي، لا سيما بعد اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل، وتوتر الأوضاع شرقي البحر الأبيض المتوسط.

وأشار تقرير لموقع “جادة إيران” المتخصص في الشأن الإيراني، إلى أن طهران تسعى إلى تشكيل حلف إقليمي مع تركيا لمواجهة التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، بعد التغيرات الإقليمية التي طرأت مؤخراً.

فيما يرى مراقبون أن سعي البلدين لتوسيع وتعميق نفوذهما في المنطقة عموماً، وفي سوريا خصوصاً، كان حاضراً بقوة في المباحثات التي شملت ملفات أخرى لم يعلن عنها.

بيان مشترك

أكدت تركيا وإيران التزامهما بالتعاون في مكافحة الجماعات المسلحة واتخاذ قرار مشترك حيال القضية الفلسطينية واتفاق التطبيع، والالتزام بوحدة سوريا وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها، وإيمانهما بإمكانية حل النزاع السوري عبر عملية سياسية تتوافق مع اتفاقات مسار أستانة وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

جاء ذلك في بيان مشترك صدر في اختتام الاجتماع، دون أي ذكر للمنظمات الإرهابية ف

ي سوريا، ولتواجد الجيوش الأجنبية على أراضيها، ما جعل بعض المراقبين يشيرون إلى أن إيران بدت راضية عن اق

تطاع تركيا منطقة إدلب، وتركيا بدت راضية على الدور الإيراني في سوريا دون الخوض بالتفاصيل.

وعلى الصعيد الاقتصادي جددت تركيا وإيران تعهداتهما بتطوير مجالات تعاون جديدة لتغيير مسار التراجع في حجم التبادل التجاري بينهما، الناجم عن الظروف العالمية بما فيها جائحة كورونا، والاستفادة القصوى من آليات التعاون وتعزيز الجهود المشتركة في هذا الإطار.

الرئيس التركي

وصف الرئيس التركي اجتماعات المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين إيران وتركيا بأنها إحدى رموز الصداقة بين البلدين، واعتبر عقد هذا الاجتماع على الفضاء الافتراضي دليلاً على إرادة البلدين في استمرار هذه الاجتماعات، ومؤشراً على عمق اواصر الصداقة التي تجمع بين طهران وانقرة. 

وأعرب عن أمله في أن تجلب الاجتماعات والمشاورات بين البلدين الخير للجانبين، وأشار إلى أن تعاون بلاده مع إيران يساهم بدور فعال في حل العديد من المشاكل الإقليمية.

وأكد أنه سيعمل على تطوير هذا التعاون في إطار هذا الاجتماع.

الرئيس الإيراني

وبدوره، وصف الرئيس الإيراني علاقات بلاده مع تركيا بأنها “كانت ولاتزال رصينة للغاية، ومبنية على أساس حسن الجوار، والمبادئ الثقافية المشتركة، والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، والاستقرار والأمن والسلام في المنطقة”.

وقلل من أهمية الخلافات بين البلدين بقوله “علاقات البلدين الصديقين مبنية على مدى التاريخ على أسس راسخة جداً، ووقوع أحداث مرة ومؤسفة لم يؤد أبداً إلى المساس بهذه العلاقات”.

وحسب موقع الرئاسة الإيرانية، يعتقد روحاني بوجود عداوات ومؤامرات قديمة ومتجددة تجاه البلدين، ويرى أنه “لا سبيل سوى تعزيز العلاقات الودية بينهما للتغلب على هذه المؤامرات”.

ساحة صراع

قبل أحداث عام 2011 قامت تركيا بتحسين علاقاتها مع دمشق على أمل سحبها من تحالفها مع إيران.

وعندما بدأت أحداث “الربيع العربي” واستمرت في أكثر من دولة، اعتبرته إيران ربيعاً إسلامياً متأثراً بثورتها عام ١٩٧٩، واستدلت على ذلك بسقوط خصومها في تونس ومصر.

كما اعتبرته تركيا انتصاراً لها بسبب فوز أصدقائها من الإسلاميين بالانتخابات البرلمانية التي أعقبت سقوط الأنظمة في بعض الدول العربية.

ومنذ بداية الأحداث في سوريا تحولت إلى ساحة صراع على النفوذ والهيمنة بين طهران الداعمة للنظام والمتحالفة معه، في مواجهة تركيا التي تبنت إسقاط النظام وتحالفت مع بعض فصائل معارضته السلمية والمسلحة.

ورغم وجود أسباب اقتصادية وتجارية تدفع البلدين إلى التقارب، إلّا أن نموذج النظامين الأيديولوجي رجح كفة التنافس بينهما، ولكنه لم يمنع اتفاقهما فيما يتعلق بأطماعهما في سوريا.

إذ تزعم إيران أنها ترفع راية “الممانعة” ضد هيمنة الولايات المتحدة والدولة العبرية على المنطقة، وتتحالف مع أحزاب وحركات سياسية تناوئ واشنطن والنظم السياسية التابعة لها.

في حين تزعم تركيا أنها ترفع لواء “التحديث والانفتاح” على خلفية نجاحات اقتصادية وديمقراطية يدعي النظام التركي أنه حققها، وتدعو إلى التحالف مع واشنطن.

صراع إعلامي

منذ بداية التنافس على الساحة السورية، بقي الصراع بين أنقرة وطهران على صعيد الحلبة الإعلامية، ولم تتجاوزها إلى مواجهة فعلية بينهما.

فمع بداية تصعيد النظام التركي ضد سوريا عام 2012، شنت وسائل الإعلام الإيرانية هجوماً كاسحاً ضد تركيا، واتهمت أردوغان بالتآمر ضد الحكومة السورية، وتصاعدت موجات الهجوم على تركيا في مختلف وسائل الإعلام الإيرانية، والممولة من إيران، والتي تدور في فلكها.

وبدورها شنت وسائل الإعلام التركية، وتلك التي تدور في فلكها، هجوماً حاداً ضد إيران، وبلغ هجوم تركيا الإعلامي ضد طهران ذروته عام 2015 عندما اتهم أردوغان نظيره الإيراني بالوقوف خلف الرئيس السوري لأسباب طائفية.

إلا أن ذلك التصعيد في المواقف لم يمنع رئيس الأركان الإيراني الجنرال “محمد باقري” من الذهاب إلى أنقرة عام 2017، في أول زيارة من نوعها لمسؤول عسكري إيراني بهذا المستوى لتركيا منذ الثورة الإسلامية، وجاءت زيارته بعد وقت قصير من توغل أردوغان العسكري في سوريا ضمن عملية احتلال عفرين وضواحيها، وهو ما يؤشر إلى أن كل من طهران وأنقرة لديهما القدرة على تغليب التعاون والتنسيق بينهما في الوقت الذي يظن البعض أنهما على وشك المواجهة.

دعوات للتفاهم

بهدف التقارب بينها وبين أنقرة، وجهت إيران دعوات عديدة إلى الجانب التركي للتفاهم والتفاوض مع الحكومة السورية، وخاصة فيما يتعلق بملف إدلب التي تتواجد فيها القوات العسكرية التركية.

وكان آخر هذه الدعوات خلال توقيع اتفاقية التعاون العسكري بين سوريا وإيران هذا العام، حيث قال رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري “على تركيا أن تدرك أن حل مشاكلها الأمنية يكون عبر التفاوض والتفاهم مع الجانب السوري، ولا يكون عبر الوجود في الأراضي السورية.

واعتبر باقري أن تركيا متأخرة “قليلاً” في تنفيذ التزامها بتفاهمات أستانة حول إخراج الجماعات الإرهابية من سوريا.

وأخرى للتقارب

وكان التقارب بين البلدين قد بدا أكثر وضوحاً منذ عام 2014، عندما زار أردوغان طهران، وقال إن الدولتين وقفتا “جنباً إلى جنب” لمحاربة الجماعات الإرهابية في سوريا، إلى جانب حليفتهما المشتركة روسيا.

وفي الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي التركي الإيراني الذي تم بأنقرة عام 2014 حدد أردوغان رؤيته لدور البلدين، وقال إن “تركيا وإيران من أعرق دول المنطقة، وعلاقات الصداقة بينهما تستند إلى ماض أبعد من تاريخ الكثير من الدول”.

وبهذا كشف ما يتقاسمه من مشاعر ومشروعات مع شريكه الإيراني تجاه الدول “غير العريقة”، وهو ما تكرس لاحقاً عبر الممارسات على أرض العراق وسوريا.

وأثناء اجتماع منظمة التعاون الإسلامي بالأستانة عام 2017 أكد روحاني وأردوغان على رغبة بلديهما بتطوير وتعميق التعاون المشترك في جميع المجالات، مشددين على أنه “لا توجد أي عقبات أو قيود أمام هذه العلاقات”.

وفي العام 2018، زار الرئيس الإيراني تركيا للمشاركة في الاجتماع الخامس لمجلس التعاون التركي الإيراني، وتحدث عن أهداف مشتركة عديدة بين البلدين في القضايا الاقليمية، وعن وجهات نظر مشتركة حول مكافحة العنف والتطرف وتجريد المنطقة من اسلحة الدمار الشامل، كما تحدث عن وجود “خلافات في وجهات النظر حول بعض القضايا”، وأكد على رغبة البلدين بتطوير وتعميق النقاط المشتركة، وتسوية القضايا الخلافية.

علاقات تاريخية

قامت سلسلة من الحروب المتعاقبة بين السلطنة العثمانية والدولة الفارسية، ثم أبرمت معاهدات للصلح وتثبيت الحدود بين البلدين، واعترف كل منهما بالآخر حامياً لأحد المذاهب الإسلامية، فصارت السلطنة العثمانية حامية للمسلمين السنة، والدولة الفارسية حامية للمسلمين الشيعة، وتم تثبيت هذا الاعتراف المتبادل في هذه المعاهدات.

واتخذت الدولتان من هذا الاعتراف ستاراً مذهبياً لتبرير صراعهما على النفوذ في المنطقة.

وخلال الاضطرابات القائمة الآن في أكثر من بلد عربي، ومحاولات قوى الإسلام السياسي استثمار هذه الاضطرابات بهدف الوصول إلى مواقع السلطة، تقاسمت تركيا وإيران الحركات الإسلاموية فيما بينهما لاستثمارها في تعميق وتوسيع نفوذ كل منهما في المنطقة.

فاتجه الأتراك إلى تبني بعض الحركات والتنظيمات الإسلامية المتشددة، واحتضان حركة الإخوان المسلمين ومكتبها العالمي.

بينما اتجهت إيران إلى دعم النظام السوري والقوى والميليشيات الإقليمية التابعة لها، وبعض الراديكاليين من المسلمين السنة.

وتشير الأحداث الجارية منذ ما يقارب عقد من الزمن إلى أن إيران تسعى لإنعاش الذاكرة الفارسية، ولكن على نهج الملالي, من خلال استثمار النزعة الشيعية.

وأردوغان يسعى إلى إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية، ولكن بطريقة معاصرة، من خلال استثمار النزعة السنية.

كما تشير إلى أن لعبة التوافق والاختلاف بين طهران وأنقرة، ليس أكثر من ستار يخفي اتفاقهما على المصالح المتبادلة بين البلدين.

تقرير/ لطفي توفيق