تقرير/ سلاف العلي
تُعتبر الصناعة الوطنية السورية، ولا سيما الصناعة الدوائية، إحدى أهم ركائز الاقتصاد الوطني، لدورها الأساسي في توفير فرص العمل، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتعزيز النمو الاقتصادي. ومع ذلك، تواجه هذه الصناعة الحيوية تحديات خطيرة تهدد استمراريتها، نتيجة سياسة السوق الحر، وإنهاء الدعم الحكومي، وتخفيض الرسوم الجمركية، بالتوازي مع تفشي ظاهرتي التهريب والإغراق في الأسواق المحلية.
وأكد خبراء اقتصاديون أن التهريب والإغراق يمثلان أبرز العقبات التي تواجه الصناعة المحلية، حيث تُغرق الأسواق ببضائع أجنبية تُباع بأسعار تقل عن كلفتها الحقيقية، مما يؤدي إلى منافسة غير عادلة مع المنتج المحلي. وأوضح الخبراء أن هذه الظاهرة تؤثر سلباً على الطلب على المنتجات الوطنية، وتدفع المصانع إلى تخفيض إنتاجها أو الإغلاق الكامل، مما يرفع معدلات البطالة ويهدد الاستقرار الاقتصادي.
وفي هذا السياق، أشار عدد من الصناعيين إلى أن حكومة دمشق اعتمدت خلال السنوات الماضية سياسة الانفتاح والتحرير الاقتصادي تحت شعار “الاقتصاد الحر التنافسي”، مما أدى إلى إنهاء الدعم للصناعات الوطنية وتخفيض الرسوم الجمركية على بعض الواردات. واعتبر الصناعيون أن هذه السياسات، رغم توسيع خيارات المستهلكين نظرياً، أضرت كثيراً بالمنتجين المحليين الذين وجدوا أنفسهم في منافسة غير متكافئة مع المنتجات المستوردة الرخيصة.
كما حذر بعض الخبراء من أن تدفق السلع المهربة والمستوردة بأسعار منخفضة أدى إلى تآكل القدرة التنافسية للصناعة المحلية، حيث بات من الصعب على المصانع الوطنية بيع منتجاتها بأسعار تغطي تكاليف الإنتاج. وأضافوا أن هذا الواقع يضعف أرباح الشركات، ويحد من قدرتها على الاستثمار والتطوير، مما يفاقم من حالة الركود الاقتصادي.
وفيما يخص القطاع الدوائي بشكل خاص، عبّر أصحاب معامل الأدوية عن قلقهم العميق إزاء ارتفاع التكاليف التشغيلية نتيجة الضرائب والرسوم الجمركية المفروضة، مثل ضريبة الدخل التي تصل إلى 33-35%، ورسوم تصدير مستحدثة تبلغ 6% من قيمة فاتورة التصدير. وأوضحوا أن هذه الأعباء المالية الإضافية تهدد استدامة الإنتاج المحلي، وتدفع بالعديد من الشركات إلى التفكير بوقف بعض خطوط الإنتاج، لا سيما الأصناف الدوائية منخفضة الربحية المرتبطة بالأمراض المزمنة والمستعصية.
ونبّه عدد من الاقتصاديين إلى أن استمرار الضغط المالي والإداري على معامل الأدوية سيدفع المرضى السوريين إلى الاعتماد على البدائل المستوردة مرتفعة الأسعار، أو اللجوء إلى الأدوية المهربة التي تفتقر غالباً إلى معايير الجودة والمأمونية، مما يشكل خطراً مضاعفاً على الصحة العامة.
في هذا السياق، دعا خبراء صناعيون واقتصاديون الحكومة السورية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الصناعة الوطنية، وعلى رأسها، الإلغاء الفوري للقرارات المتعلقة بالرسوم الجديدة المفروضة على الإنتاج والتصدير، وفتح حوار موسع مع أصحاب المعامل والمجلس العلمي للصناعات الدوائية بهدف وضع آليات عادلة تراعي ظروف الإنتاج المحلي.
كما دعوا إلى، دعم استيراد المواد الأولية وتخفيض الرسوم الجمركية المفروضة عليها، وتسهيل إجراءات الاستيراد والتصدير بما يخدم استمرار عمل المصانع المحلية، وتحسين دور المجلس العلمي للصناعات الدوائية وإعادة تشكيله عبر انتخابات شفافة تراعي المتغيرات الراهنة.
وشدد الخبراء على أن الصناعة الوطنية تواجه خطراً حقيقياً يهدد الاقتصاد الوطني، مؤكدين أن دعم القطاع الصناعي المحلي، خاصة الصناعات الدوائية، لم يعد خياراً بل ضرورة ملحّة لضمان استمرار عجلة الإنتاج وحماية الأمن الصحي والغذائي للبلاد.
كما اعتبر الخبراء أن دعم قطاع الصناعات الدوائية يتعدى البُعد الاقتصادي إلى بُعد صحي ووطني، حيث أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأدوية وتأمين وصول الدواء الآمن والفعال للمواطنين، وخصوصاً الشرائح الأكثر ضعفاً، أصبح مهمة وطنية لا تحتمل التأجيل.
وفي ختام مداخلاتهم، لفت الخبراء إلى أن قطاع الصناعات الدوائية في سوريا كان، وما زال، قطاعاً حيوياً قادراً على تحقيق عائدات بالقطع الأجنبي من خلال التصدير إلى الأسواق الخارجية، بالإضافة إلى كونه قطاعاً علمياً يستقطب الكفاءات الوطنية من خريجي كليات الطب والصيدلة. وطالبوا الحكومة بوضع هذا القطاع الحيوي في مقدمة أولوياتها لضمان صموده وتطوره في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية المتزايد.