لكل السوريين

زيارة مفصلية.. ووفد “بثقل دولة “ونتائج ضبابية

تناولت معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية، زيارة الوفد الروسي إلى دمشق باهتمام كبير. واعتبر الكثير من المحللين أن هذه الزيارة مفصلية، مرجحين أن تحدد ملامح المرحلة المقبلة في سوريا، وتعزز دور موسكو في الشأن السوري، وفي المنطقة.

ويعكس هذا الاهتمام بالزيارة مدى أهميتها، وأهمية المخرجات التي قد تتمخض عنها، خصوصاً وأنها تزامنت مع العديد من التطورات التي طرأت على الساحة السورية في مختلف المجالات.

حيث جاءت زيارة الوفد الروسي إلى دمشق بعد أسبوع من انتهاء الجولة الثالثة من جلسات اللجنة الدستورية التي حظيت بـاستحسان من قبل الأمريكيين والروس، وبعد وقت قصير من توقيع “مذكرة تفاهم”، بين مجلس سوريا الديمقراطية، وحزب الإرادة الشعبية، وتزايد حالات التوتر شرق المتوسط التي قد تؤثر على تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا.

إلى جانب تزامنها مع تمادي الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية بفرض الضغوط الاقتصادية على سوريا.

وتشير توقعات معظم المراقبين إلى أن القيادة الروسية قد حسمت أمرها فيما يتعلق بالتعامل مع الملف السوري في المرحلة القادمة، وقررت فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع الحكومة السورية.

ورغم أن تصريحات المسؤولين الروس قد تركزت بعد المحادثات على الجوانب الاقتصادية، إلّا أن الملف السياسي كان حاضراً بقوة خلال هذه المحادثات، وهذا ما أكده تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي قال إن بلاده ستواصل مساعدة السوريين من أجل تغيير الدستور، في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2254، بصفتها دولة ضامنة في مسار أستانا.

اللجنة الدستورية

جاء الإعلان عن زيارة الوفد الروسي إلى سوريا في سياق اجتماعات اللجنة الدستورية السورية التي عقدت مؤخراً في جنيف، وبعد الزيارة التي قام بها المبعوث الأممي الخاص جير بيدرسون إلى موسكو، وذكرت المصادر أنه أبلغها ملاحظاته على أداء وفد الحكومة السورية خلال اجتماعات اللجنة، وقدم لها “طلبات محددة بهذا الشأن”.

وكان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف قد أشار إلى أن موسكو تقيّم إيجابياً نتائج الجلسة الثالثة للجنة الدستورية السورية في جنيف.

وقال قبيل اجتماعه مع بيدرسون “لم يتم الاتفاق بشأن كافة الأمور المتعلقة بالعمل المستقبلي، لكن بشكل عام كان الاجتماع مفيداً ومثمراً إلى حد كبير”.

وأكد الوزير الروسي على استمرار بلاده في دعم جهود المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، واستمرار مساعدة السوريين على التوصل إلى اتفاق في مجال الإصلاح الدستوري.

وهو ما يوحي بأن مناقشة ملاحظات وطلبات المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، والضغط على الحكومة السورية لتقديم بعض التنازلات خلال اجتماعات اللجنة الدستورية القادمة، من النقاط التي بحثها الوفد الروسي مع الجانب السوري.

مذكرة التفاهم

جاءت زيارة الوفد الروسي بعد وقت قصير من توقيع اتفاق بين مجلس سوريا الديمقراطية، وحزب الإرادة الشعبية، وهو منصة موسكو للمعارضة، تحت مسمى “مذكرة تفاهم”، وتوحي ظروف توقيع هذه المذكرة بأن روسيا قد ساهمت في إنجازها قبل توقيعها في موسكو، ومن جهة أخرى، من المستبعد أن تقدم الإدارة الذاتية على اتخاذ مثل هذه الخطوة دون موافقة واشنطن، مما يشير إلى موافقة موسكو وواشنطن عليها.

وتحدث حزب الإرادة الشعبية، ومجلس سوريا الديمقراطية خلال تصريحات إعلامية، عن تعهد روسي بدعم المذكرة وتنفيذها وإشراك مجلس سوريا الديمقراطية بمحادثات الدستور ضمن اللجنة الدستورية المشكلة.

وهو ما يشير إلى أن “مذكرة التفاهم” كانت على جدول أعمال الوفد الروسي خلال مباحثاته مع الجانب السوري في دمشق، وإلى ضغوط ما، قام بها لافروف بهذا الصدد.

التوتر بين روسيا والغرب

كما جاءت زيارة الوفد الروسي على خلفية التوتر المتصاعد بين روسيا والغرب، بسبب اتهام ألمانيا لموسكو بتسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني باستخدام السلاح الكيماوي، ومطالبة مسؤولين غربيين كبار لروسيا بالتعاون “بشكل جدي” مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، في التحقيق بما جرى لذلك المعارض.

وربما تعتقد روسيا أن تحريك الملف السوري، وخاصة ملف مناطق شرق الفرات، قد يساهم في التخفيف من حدة التوتر مع الغرب.

وهذا ما يدفع للاعتقاد بأن موسكو ستحاول جاهدة إيجاد انفراج ما، في الأزمة السورية مما يسمح بالحديث عن محاولات روسية لحل هذه الأزمة، وقد تجد هذه المحاولات استحساناً لدى الدول الغربية.

تباين حول أهداف الزيارة

يذهب بعض المحللين السياسيين إلى أن هدف الزيارة هو تعزيز مصالح روسيا في المنطقة، وتثبيت سيطرتها على قواعدها في سوريا، وخاصة البحرية، لضمان استمرار تواجدها على سواحل المتوسط.

وتوسيع حضورها بمختلف المجالات على حساب الأطراف الأجنبية التي تتواجد على الأرض السورية، وخاصة إيران.

ويعتقدون أنه لا خيار أمام الحكومة السورية سوى القبول بخيارات روسيا إذا أراد الخروج من أزماته الاقتصادية والسياسية، فهي البوابة الوحيدة التي يمكن أن تخرجه من هذه الأزمات.

ولذلك يرون أن موسكو ستحاول تهدئة الأزمة السورية، وإطالة أمدها، والهيمنة الكاملة على القرار السوري بما يضمن لها فوز شركاتها بالحصة الأكبر من الأموال التي سوف تخصصها الجهات الدولية المانحة عندما تبداً عملية إعادة إعمار سوريا.

بينما يذهب فريق آخر من المحللين إلى وصف الوفد الروسي بأنه “وفد بثقل دولة”، والزيارة بالحدث البارز والمفصلي، ويعتبرها الأكثر أهمية منذ تدخل القوات العسكرية الروسية في سوريا لصالح النظام عام 2015.

ويعتبرها هذا الفريق محاولة روسية لكسر الحصار الاقتصادي الأميركي على سوريا، من خلال العروض الاقتصادية التي قدمها الوفد لتنشيط الاقتصاد السوري بما يمكنه من تجاوز المرحلة الصعبة في ظل هذا الحصار.

ويتحدث المحللون من هذا الفريق عن أفكار سياسية متعددة طرحها لافروف خلال مباحثاته في دمشق بعد أن جرت بلورتها من خلال اتصالاته مع كل من تركيا والولايات المتحدة.

وينسبون إلى مصادر قريبة أوساط صناعة القرار الروسي قولها: الوفد الروسي الكبير الذي زار دمشق، حمل معه ورقة سياسية اقتصادية متكاملة تحمل ثلاثة بنود مرحلية أساسية فيها مصلحة لدمشق، ولكل من موسكو وحلفاء دمشق الآخرين.

في الجانب الاقتصادي

سلمت روسيا إلى حكومة دمشق مشروعاً شاملاً لمختلف المجالات الاقتصادية والتجارية، وأجرت معها مناقشة موسعة حول مشاريع وخطط اقتصادية وتجارية جديدة، حسب نائب رئيس الوزراء الروسي.

وقال يوري بوريسوف “سلمنا الجانب السوري مشروعاً روسياً للاتفاقية الاقتصادية الجديدة، لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، وهو حالياً قيد الدراسة، وهو عند السوريين”.

وأعرب عن أمله بتوقيع هذه الاتفاقية، التي وصفها بالمهمة، خلال زيارته المقبلة إلى دمشق في كانون الأول المقبل، مشيراً إلى أنها “ستضع الأطر الجديدة لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين في السنوات المقبلة”.

وأكد بوريسوف على العمل لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري مع سوريا، وتحدث عن وجود أكثر من 40 مشروعاً يتعلق بإعادة الإعمار في مجالات الطاقة والبنية التحتية ومحطات الطاقة الكهرومائية قيد الدراسة.

وفي السياسة

أكد معظم المراقبين أن الوفد الروسي ناقش عملية التسوية السياسية مع الحكومة السورية، مشيرين إلى أحاديث تجري في روسيا مفادها أن زيارة لافروف إلى دمشق قد بحثت تشكيل حكومة موسعة تضم أطرافاً من المعارضة السورية إلى جانب الحكومة السورية.

ويعتقد المراقبون أن موسكو قد تسعى لتمرير هذه الخطوة كبديل عن الانتقال السياسي الكامل، ولذلك تضغط على دمشق من أجل أن تبدي مرونة في مسألة تقاسم السلطة مع المعارضة، بحيث تتكون حكومة من شخصيات مقربة من النظام وشخصيات من المعارضة ترضى عنهم روسيا.

المؤتمر الصحفي

ومع أنه لم تتسرب معلومات كثيرة عن الملفات التي تم بحثها خلال اجتماعات الوفد الروسي مع المسؤولين السوريين، وعن النتائج التي توصلت إليها، إلّا أن المؤتمر الصحفي الذي عقد في ختامها ألقى بعض الضوء على الخطوط العريضة لنتائج ما تم بحثه فيها.

وتحدث لافروف عن اتفاق على ترسيخ الهدوء النسبي السائد في سوريا، وعلى مواصلة الجهود الرامية للقضاء التام على آخر أوكار الإرهاب فيها.

ونوه إلى أن موسكو ستدافع عن مبدأ سيادة سوريا واستقلاليتها، وأن السوريين وحدهم “هم من يقررون مصير بلدهم”.

وأشار الوزير الروسي إلى أن الأولوية في سوريا الآن “باتت عمليات إعادة الإعمار”.

ونفى وزير الخارجية السوري وجود أي ربط بين التعاون الاقتصادي، والعلاقات السياسية بين روسيا وسوريا.

وفيما ما يتعلق بالدستور القادم أكد المعلم عدم وجود جدول زمني لصياغة الدستور الجديد.

كما أكد أن الانتخابات الرئاسية ستجري بموعدها العام المقبل، ولا علاقة بينها وبين المناقشات الجارية حول الدستور.

تناغم روسي أمريكي

صدرت خلال الأيام الماضية عدة تصريحات من قبل مسؤولين في الإدارة الأمريكية تشير إلى رغبة أمريكا بدفع عملية التسوية السياسية في سوريا خاصة بما يتعلق بلجنة إعادة صياغة الدستور التي تعقد اجتماعاتها في جنيف.

وكان المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري قد تحدث عن تطورات وصفها بـ “المثيرة” بما يتعلق بالشأن السوري خلال المرحلة المقبلة.

كما عادت روسيا إلى الحديث عن استعدادها لإجراء حوار مع الولايات المتحدة بشأن الملف السوري.

وقال مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، إن بلاده مستعدة لفتح قنوات حوار مع واشنطن من أجل مناقشة كافة المواضيع واتخاذ القرارات بعد التوافق عليها، بما في ذلك الملف السوري.

وتوقع بعض المراقبين أن ينعكس ذلك إيجابياً على الوضع في سوريا.

ولكن احتمال أن يتحول هذا التناغم إلى توافق بين الجانبين بشأن مصير سوريا، غير متوقع في ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، واحتمال تغير الموقف الأميركي في حال فاز جو بايدن بمنصب الرئاسة، وهو ما ترجحه استطلاعات الرأي حتى الآن.

الزيارة الأولى

يذكر أن زيارة لافروف الأولى إلى سوريا كانت في 7 من شباط 2012، برفقة رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية لروسيا، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط.

وأعد له الجانب السوري استقبالاً شعبياً رفعت خلاله الأعلام الروسية، وهو أمر غير معتاد في استقبال الوزراء الأجانب.

وتمحورت تصريحات لافروف آنذاك حول الحل سياسي، والدعوة للحوار الوطني دون تدخل أجنبي، واستعداد روسيا للمساعدة في الخروج من الأزمة السورية.

ولكن الزيارة أسست التدخل الروسي في سوريا عسكرياً وسياساً، وتمكنت موسكو من فرض نفسها كوصية على الحل السياسي للقضية السورية.

تقرير/ لطفي توفيق