لكل السوريين

وردة.. على ضريح الوحدة العربية

لطفي توفيق

حمل حقائبه..

وأحزانه المعتّقة.. وجراحه النازفة..

وارتحل…

في حقيبة.. وضع قصيدة تسربت إلى مسامعه خلسة..

وكان يرددها عن ظهر قلب مع نسيمات كل فجر..

قبل أن يحنّطها قتلة الشعر..

في زمن أغبر ما..

وفي أُخرى.. وضع عصفوراً رافق طفولته..

في وقت قضى فيه “مرض عصري غريب”..

على معظم أنواع الطيور.. وأغنياتها المتمردة..

وفي حقيبة ثالثة وضع حفنة تراب.. كان قد سرقها..

من الأرض التي احتضنت خطواته للمرة الأولى..

قبل أن ينتشر الجراد على معظم هذه الأرض..

وقبل أن ينحر الطغاة ورودها.. من الوريد.. إلى الوريد

تحقق من وجود جواز سفره.. ومن الأختام.. والتأشيرات

وأعاد الكرّة مراراً..

ثم ارتحل.

على حدود عربية.. وبعد بحث وتفتيش وتنقيب وتدقيق..

لم تسلم منه حتى ملابسه الداخلية..

سُمح له بالمرور..

ولكن.. دون عصفوره..

قالوا له نحن قوم لا نحب الطيور.. زعيقها يعكر سباتنا.

تمزق قلبه.. ولكن لا جدوى ..

صادروا العصفور.. ومزقوه..

ورموا أشلاءه أمام صور صقور تنهش لحم طائر مغرّد

فبكى.. وتابع…

وعلى حدود أخرى دخل من جديد في دوامة البحث والتنقيب..

ثم قالوا له: ستمر.. ولكن دون القصيدة..

فقوانين أصحاب الفخامة.. والسمو.. والجلالة.. لا تسمح بمرور القصائد..

صادروا القصيدة.. ومزّقوها..

ورموا مُزقها فوق رمال صحرائهم المقفرة.

أضاف غصة أخرى إلى بقايا قلبه..

وأخذ جواز سفره.. وتابع…

وعلى حدود ثالثة، لا تقل براعة في التنقيب..

قالوا له: أهلا وسهلا أنت في بلدك.. ولكن..

لا مجال لدخول لهذه الأتربة…

صمت..

أخذ جواز سفره .. تأمله .. قلّب أوراقه..

ألوان هائلة.. وأختام كثيرة..

وتأشيرات دخول وخروج ومرور ومراقبة..

وتواريخ.. وتواقيع قديمة وحديثة..

أحس أنه وسط كرنفال غريب..

وأن لا شيء يربطه بهذه الأوراق والتواقيع والألوان المتنافرة

ولا بمن قتلوا عصفوره.. ومزّقوا قصيدته..

ورموا حفنة التراب التي احتضنت خطواته الأولى في حاوياتهم…

ضغط على جواز سفره..

وبعصبية لم يعهدها في نفسه.. قذف به بعيدا…

فوقع بجانب لافتة..

تتحدث عن وطن عربي واحد.