لكل السوريين

الغارات الإسرائيلية.. من اللجم إلى الطرد وتنافس روسي إيراني في سوريا.. وتعاون خارجها

منذ دخول القوات الإيرانية  وميليشيات حزب الله اللبناني إلى سوريا، شن العدو الإسرائيلي مئات الغارات المتفرقة عليها، ونادرا ما كانت إسرائيل تتبنى هذه الغارات، ولكنها كثفت غاراتها خلال الفترة الماضية بشكل كبير في ظل تصريحات وزير دفاعها بأنها انتقلت من مرحلة إيقاف التموضع الإيراني داخل سوريا، إلى مرحلة طرده منها.

كما تزايدت حالة التنافس الروسي والإيراني للسيطرة على الأماكن الاستراتيجية والحيوية السورية، وعلى تعزيز مكاسب كل طرف على حساب الآخر، بعد أن كان تناغم المصالح الروسية والإيرانية، والاتفاقيات الأمنية والعسكرية بينهما، يهدف إلى ضمان موقع لكل منهما كقوى مؤثرة وفاعلة في الشرق الأوسط، وفي العالم.

وغالبا ما يتم التنافس بينهما عن طريق تشكيل مليشيات، وتجنيد مرتزقة من السوريين تعمل لحساب كل منهما، وأحياناً تجري صدامات مسلحة بين الميليشيات المدعومة من الطرفين في عدة مناطق سورية.

ويتهم الإيرانيون روسيا بأنها تغض الطرف عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وتحاول

إقناع السوريين بأن الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها ستزداد، طالما أنها لا تعمل على لجم القوات الإيرانية العاملة على الأرض، وهو ما قد يدفع النظام في سورية إلى التفكير بوضع حد لانتشار القوات الإيرانية، وخاصة في الجنوب السوري، القريب من إسرائيل.

في ظل هذه الأجواء المتداخلة والمتوترة، توقع السلطة السورية مع حليفتها إيران اتفاقية للتعاون العسكري والأمني بين البلدين.

وفي ظل تصاعد حدة التنافس بين روسيا وإيران، يزور وزير خارجية إيران موسكو للمرة الثانية خلال شهر واحد، ويجرى جولة محادثات مطولة مع نظيره الروسي بهدف على توسيع مجالات التعاون بين البلدين.

الغارات الإسرائيلية.. من اللجم إلى الطرد

كثفت إسرائيل مؤخراً غاراتها بشكل كبير مقارنة مع السنوات الماضية، وشمل القصف مواقع في جنوب وشرق ووسط وشمال سوريا.

واستهدفت الغارات مقرات ميليشيات إيرانية وعراقية في منطقة الثلاثات الواقعة قرب مدينة البوكمال، وشرقي مدينة دير الزور، وقبل ذلك مواقع في ريف حلب والبادية السورية قرب تدمر، ومناطق بريف دمشق والقنيطرة، وأسفر القصف عن دمار في المقرات ومستودعات الذخيرة، وخسائر في الأرواح في صفوف الميليشيات وقوات النظام.

وشمل القصف الإسرائيلي محافظات حمص، وحماة، والسويداء، وقالت وكالة أنباء سانا الرسمية: “تم استهداف أحد مواقعنا العسكرية قرب صلخد جنوب السويداء ما أسفر عن ارتقاء جنديين وإصابة أربعة آخرين بجروح”، وتحدثت لاحقاً عن قصف على مناطق قريبة من السلمية في ريف حماة.

كما استهدفت الغارات منظومات للدفاع الجوي السورية جنوب، وجنوب غربي العاصمة دمشق، وفي كل من محافظات درعا والقنيطرة والسويداء.

وتزامن تكثيف الغارات وشمولها مع تصريحات وزير الدفاع في الكيان الإسرائيلي قال فيها: “إسرائيل انتقلت من مرحلة إيقاف التموضع الإيراني في سوريا، إلى مرحلة إخراجها بشكل كامل”.

وتابع قائلاً “نحن لا نواصل لجم نشاطات التموضع الإيراني في سوريا فحسب، بل انتقلنا بشكل حاد من اللجم إلى الطرد، أقصد طرد إيران من سوريا”، مشيراً إلى أن ذلك سيتم ذلك خلال عام واحد.

ويرى مراقبون أن إيران بدأت بتقليص وجودها في سوريا نتيجة لهذه الغارات الإسرائيلية.

ونقلت وسائل إعلام عن مسؤولين في الكيان الإسرائيلي قولهم: “للمرة الأولى منذ دخول إيران سوريا فإنها تخفض قواتها هناك وتجلي القواعد”.

كما تحدث ناشطون عن انسحاب ميليشيات إيرانية من مواقع في ريف دير الزور، وتسليمها للقوات الروسية، مشيرين إلى أن ذلك جاء بسبب الخوف من تكرار الغارات الإسرائيلية عليها.

اتفاقية تعاون عسكرية جديدة

ورغم كل هذه الهجمات الإسرائيلية التي تهدف إلى إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، والبدء بتنفيذ ” قانون قيصر” الذي يدعو لخروج إيران منها، وقعت السلطة السورية مع إيران اتفاقاً عسكرياً لتعزيز الدفاعات الجوية السورية، وتناولت المحادثات بين وزير الدفاع السوري ونظيره الإيراني الأوضاع في سوريا وضرورة انسحاب القوات الأجنبية التي دخلت بطريقة “غير شرعية”.

وعقب الوزير السوري على توقيع الاتفاقية بقوله “التعاون الثنائي العسكري والأمني نوعي ومستمر وهو يشمل جميع الجوانب رغم اشتداد الضغوط وازدياد حدة التهديدات”.

وقال رئيس أركان الجيش الإيراني: “الاتفاقية الموقعة تعزز إرادتنا وتصميمنا على التعاون المشترك في مواجهة الضغوط الأمريكية” وأكد أن إيران ستستمر بتقوية أنظمة الدفاع الجوية السورية.

وكانت أنباء قد تحدثت عن وجود منظومات الدفاع الجوي الإيرانية  المتطورة  في سوريا قبل توقيع الاتفاقية، وهذا ما أكدته تغريدة الخبير الإيراني امير الموسوي على تويتر: “ستتغير بإذن الله تعالى قواعد الاشتباك مع الكيان الصهيوني في اعتداءاته على سوريا إذا ما فُعلت منظومتي الدفاع الجوي الإيرانيتين باور373 وخرداد 3 على الأراضي السورية بعد التوقيع على معاهدة الدفاع المشترك يوم أمس في دمشق بين رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية ووزير الدفاع السوري”.

وإذا كان الأمر كذلك، فالاتفاقية تتعلق بتفعيل المنظومتين وليس باستلامها.

آراء متباينة

تباينت الآراء حول هذه الاتفاقية، حيث اعتبرها البعض مجرد رسالة سياسية موجهة إلى الأطراف التي تعمل على تحجيم الدور الإيراني في سوريا، وخاصة روسيا، وإلى الأطراف التي تعمل على طرد القوات الإيرانية من سوريا، وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

في حين اعتبرها البعض ردا عملياً على الهجمات الإسرائيلية، وعلى تفعيل قانون قيصر على سوريا وحلفائها.

كما تباينت الآراء حول موقف روسيا من هذه الاتفاقية، فأشار البعض إلى أنها تمت بموافقة روسية، وإلى ذلك ذهب الباحث الإسرائيلي، مردخاي كيدار، معتبراً أن الاتفاقية “ما كانت لتتم لولا الموافقة الروسية”، بينما اعتبرها آخرون محاولة من النظام السوري للاستقواء بالجانب الإيراني في مواجهة الضغط الروسي المتزايد عليه بهدف تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، وخاصة في الجنوب السوري.

لكن مصدر في هيئة الأركان الإيرانية، صرح لصحيفة “الجريدة” الكويتية، بأن الاتفاق تم بعد موافقة روسيا “التي عرقلته سابقا عدة مرات”.

كما تسربت أنباء مفادها أن روسيا طلبت من إيران سحب عناصرها من ليبيا مقابل الموافقة على هذا الاتفاق، بما يشير إلى صفقات يجري العمل عليها لإجراء مقايضات في نفوذ كل منهما بين ليبيا وسوريا.

إيران تتمدد

قبل دخول إيران المباشر إلى سوريا كانت تعمل على التغلغل في نسيج المجتمع السوري عن طريق افتتاح مدارس ومستشفيات فيها، ومحاولات التشيع بإغراءات مالية، وبعد دخولها تحت شعار دعم الدولة السورية ومحاربة الإرهابيين، وخاصة تنظيم داعش، حاولت بسط نفوذها بالترغيب والإغراءات المادية والأمنية، واللعب على الفكر المذهبي، وتمكنت من تشكيل ميليشيات محلية تابعة لها في معظم  المناطق السورية.

وقامت مؤخراً بتشكيل مجلس جديد للفصائل العراقية المسلحة المتواجدة على الأراضي السورية تحت اسم “مركز عمليات المقاومة الإسلامية”، يضم ممثلين عن جميع الفصائل التي تتواجد في سورية، ويعمل على التنسيق بينها، ويرتبط  مباشرة بقائد “فيلق القدس” الإيراني.

وتسعى حالياُ لتأسيس حشد شعبي سوري على غرار الحشد الشيعي العراقي، للسيطرة على المثلث الحدودي مع العراق، وعدم السماح للميليشيات المنافسة بالتواجد في المنطقة.

وروسيا تتصدى

تسعى روسيا لمواجهة التمدد الإيراني في سوريا، وتحاول إضعاف سيطرتها وتأثيرها على المجتمع السوري وعلى المؤسسات العسكرية والأمنية السورية، وفي سبيل ذلك أجرت مجموعة من التغييرات في قيادة التشكيلات العسكرية السورية، وقادة العمليات الميدانية.

وقامت باستقطاب مئات الشبان من أصحاب التسويات والمصالحات، لتجنيدهم كمرتزقة يعملون لصالحها، وتدريبهم على حمل السلاح وإعادة زجهم في جبهات القتال، وشكلت العديد من المليشيات في مناطق سورية أهمها الفيلق الخامس الذي يتلقى الأوامر منها، ويتألف من 25 ألف جندي من أفراد المصالحات في الجنوب السوري، وأشرفت على تمويله وإعداده وتدريبه.

ويصل التنافس الروسي الإيراني في بعض الأحيان إلى صدامات مسلحة بين الميليشيات المدعومة من الطرفين في عدة مناطق سورية وخاصة في حلب والساحل، وكما حدث في الاشتباكات الدامية التي جرت في درعا على خلفية تفجير حافلة تابعة للفيلق الخامس، واتهام ميليشيات تابعة لإيران الوقوف وراء التفجير.

كما أسست روسيا مؤخرا مجموعات موالية لها في مدينتي عامودا وتل تمر التابعتين لمحافظة الحسكة، وبدأت مطلع العام الجاري بتشكيل ميليشيا محلية تتبع لها باسم “أصدقاء روسيا” في مدينة دوما بريف دمشق، بهدف إحكام السيطرة الأمنية على المدينة، حسب مصادر محلية.

 تنافس في سوريا.. وتعاون خارجها

في ثاني زيارة له إلى موسكو خلال شهر، أجرى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف جولة محادثات مطولة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وأكد الطرفان خلالها على توسيع مجالات التعاون بينهما.

وكانت الخارجية الروسية قد استبقت المحادثات بتأكيد عزم البلدين على مناقشة المشاريع المشتركة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، والقضايا الملحة وخصوصاً العمل المشترك حول البرنامج النووي الإيراني، والوضع في سوريا.

وأعلن الوزيران في مؤتمر صحافي عقب المحادثات عن السعي لبلورة اتفاق شامل جديد للتعاون بين البلدين يلبي التغييرات التي شهدها العالم، ويستجيب “للتهديدات الجديدة”.

وأكد لافروف عمق العلاقات بين البلدين، وقال إن مواقف موسكو وطهران “إما متطابقة وإما قريبة جداً في كل الملفات المطروحة على الأجندة الثنائية”.

ووصف ظريف علاقات بلاده مع روسيا بـ “الاستراتيجية”، وأكد على الحاجة لإجراء محادثات مستمرة مع الحكومة الروسية، في ظل التطورات الكبيرة التي تحدث على المستوى الدولي،

وأشار إلى أنه نقل “رسالة مهمة” من الرئيس روحاني إلى الرئيس بوتين.

ورغم عدم الإعلان عن فحوى هذه الرسالة، لكنها فيما يبدو تتعلق بسياسة إيرانية جديدة تسعى لاستدارة كاملة نحو الشرق، بمباركة روسية، لترسيخ قطب دولي جديد في مواجهة القطب الأميركي.

ولكن دعمها لحكومة السراج في ليبيا يضعها في خندق واحد مع تركيا التي تزعم مواجهتها في سوريا، ويسير باتجاه معاكس لهذه الاستدارة، وربما يعكس ذلك ازدواجية القرار السياسي الإيراني فيما يتعلق بمحاولات طهران اللحاق بالتحولات المتسارعة لتشكيل الشرق الأوسط الجديد.

تحقيق/ لطفي توفيق