لكل السوريين

زواج قاصرات، فقر، جهل، مضايقات، عنف، اعتداءات جسدية.. ممارسات باتت حاضرة رئيسية في حياة المرأة السورية

تزداد معاناة المرأة السورية على امتداد جغرافية البلاد، وسط استمرار الصراعات وتردي الوضع المعيشي، فالمشكلات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية التي لا تزال تهدد المرأة لا يوجد لها بصير حل في مجتمع لا يزال تحت قالب الأفكار المتعصبة تجاهها.

ضاعت حقوق المرأة السورية، وزادت معاناتها في كافة جوانب الحياة، حيث أن سعي الأطراف المتنازعة في سوريا على مدار سنوات الأزمة أفضى إلى عدم استطاعة المرأة إيجاد حقوقها.

تعرضت الكثير من النساء إلى الاحتجاز والاختطاف والقتل والاعتقال، ونتج عنها ممارسات لا إنسانية بدءا بالتعذيب الجسدي والنفسي والانتهاكات الجسدية بحق المعتقلات، ما تركا آثارا نفسية قاسية.

كانت المرأة أكبر الخاسرين من الأزمة السورية، فهي قبل الأزمة لم تكن تعامل كإنسان، وبعد أن عاث الإرهاب خرابا وفسادا، تكرست معاناتها بشكل أكبر، ما شكل نقطة تحول نحو انحدار أكبر للهاوية.

وجدت بعض النساء من المشاركة في الاحتجاجات الشعبية متنفسا استطاعت من خلاله بعض المحتجات التعبير عن مدى معاناتها من الضغوط المجتمعية، كما وأن الانخراط في تشكيلات عسكرية لصد الإرهاب غيّر النظرة المجتمعية تجاهها.

ممارسات لاأخلاقية بحق المرأة السورية

انتشر قبل فترة شريطا مصورا لجثة مقاتلة في صفوف وحدات حماية المرأة، تم التمثيل بجثتها على أيدي مرتزقة فيلق المجد المنضوي في صفوف ما يعرف بالجيش الوطني المؤتمر من قبل دولة الاحتلال التركي.

وتبعه انتشار فيديو آخر لمرتزقة الحمزات وهم يحتجزون 5 نساء في سجن في عفرين المحتلة، وهذا ما عكس المعاناة الحقيقية للنساء، ناهيك عن أن سجون الحكومة أيضا غصت واكتظت بنساء شاركن في الاحتجاجات التي اندلعت في مطلع العقد الثاني من القرن الحالي.

أما ما مارسه داعش بحق النساء السوريات، فهو أمر تحدثت فيه وسائل إعلامية كثر، حيث أن مرتزقة التنظيم التكفيري لم يجدوا من يصدهم عن ممارسة الاعتداءات فاستمروا، كما وأن ما فعلوه بالإيزيديات كشف الجوهر الحقيقي للإرهاب تجاه المرأة بشكل عام.

مرتزقة أردوغان يعتبرون أكثر الأطراف ارتكابا للانتهاكات بحق المرأة، حيث أنه في رأس العين لوحدها أكد تقرير سابق أن 30 امرأة تعرضن للاغتصاب الجسدي في المدينة المحتلة منذ عدة أشهر.

زواج القاصرات

ليست الممارسات التي مارستها معظم الأطراف في سوريا هي السيف الوحيد المسلط على المرأة، فهناك ظروف قهرية أخرى تعيشها، وهي الزواج المبكر، فالمجتمع السوري المتحفظ على منح المرأة حريتها ساهم هو الآخر بزيادة مآسي النساء.

وتعد المعتقدات والطقوس القبلية لدى بعض العوائل، والنعرة الذكورية المتسلطة والنظرة الدونية للمرأة، هي الدافع الأساسي للمرأة للقبول بالزواج في سن مبكرة.

وأكد وسائل إعلامية أردنية في إحصائيات سابقة لها أن أكثر من ثلث النساء السوريات اللاجئات في الأردن لوحدها تزوجن دون سن الثامنة عشر.

ازدياد نسبة العنوسة

أدى انخراط الشباب في المعارك الحربية، ومقتل بعضهم واعتقال البعض الآخر، أو إلحاق أغلبهم بجبهات القتال أو هجرتهم، إلى عزوفهم عن الزواج، وندرة فرص الزواج أمام الفتيات، وزيادة معدلات العنوسة، حيث ارتفع سن الزواج من 22 سنة قبل 2011 إلى 33 سنة بعدها، الأمر الذي تسبب بدوره لتدهور الأوضاع النفسية والاجتماعية لدى المرأة والأسر السورية.

أسباب أخرى ساهمت بازدياد نسبة العنوسة، وهي التكاليف المعيشية التي أصبحت في وضع لا يطاق، ففي المناطق المستقرة بشكل جيد انخفضت أيضا نسبة الزواج، فالطرفان اللذان يرغبان بالزواج بات أمام منظورهما تكلفة الزواج التي تكون على أقل تقدير تحتاج لـ 4 مليون ليرة، حيث أن انخفاض الليرة أمام العملات الأجنبية ساهم بارتفاع سعر الغرام الواحد من الذهب.

ورغم أن عدد من المتزوجون قاموا بإلغاء الذهب من قائمة المتطلبات في أثناء الزواج إلا أن المواطن السوري يعي من الولهة الأولى مدى انخفاض نسبة الزواج في المجتمع السوري على امتداد الجغرافية.

رعاية صحية معدومة

انتشرت أمراض كثيرة وارتفع معدل الوفيات بين النساء السوريات، حيث أنهن الفئة الأكثر تعرضا للخطر، نظرا لتراجع المستوى الصحي، بسبب استمرار الصراع حتى الآن.

وأدت الحرب الدائرة إلى خروج عدد كبير من المشافي عن الخدمة، ما اضطرت النساء للإنجاب تحت إشراف أطباء مختصين، وبذلك ازدادت معانتهن الصحية، ناهيك عن غياب القدرة في الحصول على خدمات فترة ما قبل الولادة وبعدها.

وتعرضت عدة نساء لأمراض جسيمة من جراء إنجابهن أثناء حالات النزوح، والتي صاحبها أوضاع غير إنسانية في المخيمات من نقص في الأدوية والأدوات الطبية والمعدات، إضافة إلى سوء التغذية بسبب تلوث الغذاء في عديد المناطق.

انعدام الأمن الاجتماعي

أوجدت الحرب واقعًا شديد المرارة أدى إلى آثار نفسية سلبية على النساء السوريات، نتيجة غياب الأمان الاجتماعي، وغياب القدرة على التكيف مع الأوضاع غير المستقرة التي تفرضها الحرب، إضافة للتعذيب والاعتقال والعنف الذي مورس ضد السوريات، ما جعلهن عرضة إلى الاضطرابات النفسية كالخوف الدائم والقلق والاكتئاب، والرغبة في الانتحار والعزلة، لا سيما مع عدم توافر العلاج النفسي وشح الأدوية ومحدودية الإمكانات الطبية.

انتشار البطالة واتجاه نساء للإعالة

بعد تفكك البنية الصناعية، الذي يعد أحد أبرز نتائج الفساد المستشري في غالبية مناطق البلاد، وعمليات النهب المستمرة، وانهيار غير مسبوق لليرة السورية، اتجهت نساء عدة للعمل في أعمال شاقة تحتاج لمجهود عضلي كبير.

بيع على عربات جوالة، نجارة، نادلة في مطاعم، كل هذه المهن لم تكن المرأة السورية معتادة على ممارستها، لكن الظروف القهرية التي تمر بها البلاد فرضت واقعا جديدا على نساء أغلبهن في سن الطفولة، وبعضهن في سن الشيخوخة، ولا سيما النساء اللاتي أصبحن المعيل الوحيد للأسرة بعد فقدان المعيل.

 

وتزايد عدد الأرامل في المجتمع السوري، فيما يتم إجبار النساء في بعض المناطق التي تسيطر عليها العناصر الراديكالية المتشددة على ترك وظائفهن والالتزام ببيوتهن، حيث تصل نسبة البطالة لدى المرأة في هذه المناطق تصل إلى 95% تقريبًا، بحسب إحصائيات سابقة.

تسول المرأة بصمة عار على جبين المجتمع الدولي

بعد أن أصبحت الأزمة في عامها العاشر، ارتفع معدل الفقر في البلاد حيث تجاوز الـ 90%، وأصبح أكثر السوريين والسوريات يعيشون في فقر مدقع.

واضطرت المرأة بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض معدل الدخل وانعدامها لدى بعض الأسر ولا سيما الأسر التي تعد الأرامل المعيل الوحيد فيها، إلى التوجه إلى التسول بشكل واسع النطاق حتى باتت جزءا من الحياة اليومية في معظم المناطق السورية، وبالأخص الشمال المحتل.

فقدان الهوية

اقترنت هذه الظاهرة بالنزوح، حيث فقد الكثير من السوريات أوراقهن الثبوتية أو ما يعرف بـ”أوراق الهوية” نظرًا للحرب وعمليات الحرق والقصف والتهجير، وبالتالي فقدوا ما يثبت جنسيتهم، وكذلك أطفالهن الذين ولدوا في المخيمات اللجوء، أو في مناطق نفوذ التنظيمات المسلحة، ما يخلف أشخاصًا دون جنسية، خاصة مع غلق وتعطيل الدوائر القانونية ودوائر القيد في معظم مناطق الصراع.

كما وأن الحكومة السورية كانت في فترة ما قبل الأزمة لا تمنح الهوية للمرأة السورية من المكون الكردي، مما شكل هوة كبيرة في المجتمع السوري، ولا سيما بين النساء.

ومع تزايد التدهور في الأوضاع المعيشية التي تعاصرها المرأة السورية نتيجة للاقتتال والحرب، فإن دائرة العنف ستستمر في انتهاك حقوق المرأة، وتبتلع أي جهد دولي كان أم محلي كمحاولة للنهوض بوضع المرأة السورية.