لكل السوريين

لنحترم الإنسان المبدئي

إن لفظ مبدئي مأخوذ من المصطلح اللاتيني (برو فورما Pro f0rma) الذي يعني “بغرض الشكل”، ويطبق هذا المصطلح على الممارسات أو الوثائق التي يتم القيام بها كإجراء شكلي بهدف تلبية الحد الأدنى من المتطلبات أو الامتثال إلى عرف أو مذهب. في اللغة المبدأ اصطلاحاً موقف وقناعة واعتقاد وثوابت يلتزم الانسان بها نفسه وإن خالفت شهواته وملذاته، ملتزماً بمبادئ الزم نفسه باحترامها ودعا إليها، فأصبح المبدأ عنوان حياة جديدة وهدفاً سامياً يرنو للوصول إليه فأصبح صاحب مبادئ، ولهذا المصطلح معان مختلفة حسب المجالات.

فالإنسان المبدئي نحترمه أينما وجد، لأنه يمثل حالة متجذرة في الوجود. ومن لا يرتكز على مبادئ يصبح عرضة لأهوائه ومغريات الحياة، فقد تدفعه حفنة من نقود لبيع نفسه. ومن لا يرتكز على مبادئ سيدفعه هوس زيادة المتابعين، بوسائل التواصل، إلى التحول لمُهَرِّج يثير الشفقة!ا.

المشكلة تكمن في من لا ينتبه إلى أنه يتنازل تدريجيًا عن مبادئه السامية في سبيل مصالح آنية، فيكسب عرضًا زائلاً ويخسر سمعته وقيمه ووقاره. صار البعض في عصرنا يغير مبادئه مثلما يغير سيارته، وينسى أن الإنسان المبدئي يحظى باحترام العقلاء، على مر العصور. كما أن المبدئي قولاً وفعلاً شهادته فيك ليست مجروحة. فهو يقول ما يمليه عليه ضميره، ليس للنفاق وجود في قاموسه. فحينما يقف أصحاب المبادئ العليا مع النظام الحاكم أو الوزير أو المدير فتلك شهادة في حقهم. ولذا كان وما زال تعبير صاحب مبدأ وصفًا محمودًا لن يدركه المتلونون والمتزلفون.

المبدئي الحقيقي لا ينهى عن فعل ويأتي بمثله، ولا يتغير معدنه مهما اشتدت به الخطوب، لأنه يعتبر المبادئ خطوطًا حمراء لا يتجاوزها أو منارات يسير على هداها.

نماذج المبدئيين عديدة؛ فالمهنية مبدأ أيضًا. ذلك أننا حينما نرى كيف يصر مديرنا أو زميلنا على تقديم العمل في أبهى صور المهنية يصبح رجلاً مبدئيًا في هذا الجانب. ولحسن الحظ فإن قضية المبدأ ليست كلامًا إنشائيًا. فيمكن أن نقيس جدية المبدأ لدى فرد باختبار بسيط نجريه، وهو أن نسأله أن يفعل نقيض مبدئه. فإن كان الرفض دائمًا فهو مبدئي من هذه الناحية والعكس صحيح، كأن يرفض أن يسرق أو يكذب أو يظلم أو يهين الآخرين.

ومن اللافت للنظر أيضًا أن المبادئ السامية ليست مقصورة على الديانات، فكل إنسان يمكنه أن يتبنى مبادئ تعلي من شأنه. ورغم ذلك إلا أن غاندي يقول إن “الحياة بدون دين حياة بدون مبدأ، وحياة بدون مبدأ كمركب بدون دفة”.

باختصار، نحن نحترم المبدئي وإن اختلفنا معه، لكن من ليس له مبدأ سيتبع هواه ولن يستقر على حال. وكفى بذلك تشويهًا لسمعته. ونحن اليوم في مدينتنا “الرقة” علينا جميعاً أن نحترم الشخص المبدئي ونجله، لأن الشخص المبدئي هو العين الساهرة.

المقالة مجتزئة من مقال للباحث “محمد النغيمش” بتصرف وإضافات.