لكل السوريين

هزمنا.. وانتصرنا فماذا فعلنا بنصرنا؟!

لطفي توفيق.

قبل حزيران.. كنا نفكر بهؤلاء التعساء الذين جاؤوا إلى بلادنا من الكتب المزورة، وحشروا أنفسهم بين سيوفنا التي تقطر من نجدَةٍ دمًا.

قبل أن تبدأ نخوتنا المُضريَّةِ التي لا تُبقي، ولا تَذر، وجاء حزيران فذاب الثلج، وبان المرج.

وعشش في أعماقنا كما يفعل الخفاش في الكهوف المظلمة فكان لابد من وجود الظلمة لتجد الخفافيش مكانها، وكان حزيران بظلمته، وخفافيشه، وحرائقه.

كان حزيران كما لم يكن أي شيء عندما يقع زلزال تضطرب الأشياء، ويرتسم الرعب في الأحداق، والملامح لكن مصدر الخطر معروف، ومحدد.

وعندما ينفجر بركان يحدث أكثر، أو أقل من ذلك لكن مصدر اللهب، والحمم محدد، ومعروف.

حزيران كان كل هذه الأشياء مجتمعة في بعض جوانبه، ولا تشبه جوانبه الأخرى أي شيء آخر.

في حزيران لم نقاتل أحداً فقط كانت أعضاؤنا تباع في سوق نخاسة قل نظيره

فوقفنا كمن يشاهد عرضاً مسرحياً بلغة لا يعرفها نعم وقفنا نتفرج على ماذا لا ندري، وننتظر ماذا لا نعرف.

وعندما أصبحنا ندري، ونعرف أدركنا أن الحالة الحزيرانية اجتاحتنا، وصرنا نتنفسها مع نسمات الفجر الأولى، ونشربها مع قهوتنا الصباحية فتحولت أغانينا إلى نواح مبحوح، ولوحاتنا اتشحت بلون الموت، وأصبحت موسيقانا كصفير الرئتين، وتحول الشعراء إلى ندابات، والكُتاب إلى صانعي أكفان، وصارت الحالة الحزيرانية “نكسة” تقام لها المناحات، ويغضب من أجلها الغاضبون، ويحلل المحللون فلا نفعت دموع من ناحوا، ولا صدق غضب من غضبوا، ولا أفاد تحليل من حللوا.

“النكسة” الحزيرانية حولتنا إلى مجموعة من الأرقام تجمع، وتضرب، وتطرح بسهولة لكنها، وبكل كارثيتها، وأهوالها لم تكن نهاية الدنيا، ولا بداية اللهاث لتلمس ود الجلاد، ولعق حذاء صانعيه.

فعض الجميع على جراحهم، وشب الفعل المقاوم عن الطوق إلى أن هيأت “نكسة” حزيران بشكل ما إلى نصر تشرين!.

وقيل ما قيل في هذا النصر، وعنه سابقاً، ولاحقاً، ومهما قيل فإذا كان ما جرى في حزيران هزيمة أعقبها انتصار!.

فما الذي أعقب هذا الانتصار؟!..

لعل نظرة سريعة إلى ما يجري في العواصم العربية، وفي مراكز صناعة القرار العربي يجعل الإجابات لا تحتاج إلى جهد كبير.