لكل السوريين

مظاهراتٌ مستمرة.. وشعارات غير مسبوقة في السويداء

السوري/السويداء- شهدت محافظة السويداء خلال السنوات الماضية مظاهرات، واحتجاجات عديدة، لكنَّها كانت تواجَه بالقمع من قبل بعض اللجان المحلية، والشبيحة من أبناء المحافظة نيابة عن الأجهزة الأمنية، وبإشرافها.

ومنذ مطلع العام الجاري شهدت المحافظة احتجاجات عديدة، نددت بالوضع الاقتصادي المتردي، وفوضى الميليشيات، وانتشار السلاح العشوائي، وعمليات الخطف المتكررة إضافةً لحرق المحاصيل الزراعية، والحراجية حيث أُطلقت سلسلة من الاعتصامات السلمية في مدينتي السويداء، وشهبا تحت عنوان “بدنا نعيش”.

ومن أبرز هذه الاحتجاجات، والاعتصامات حملة “بدنا نعيش بكرامة”، التي لاقت ترحيباً من مختلف المناطق السورية، ولم تستطع السلطات أن توجه لها أية تهمة من التهم الجاهزة لديها، إلَّا أنَّ هذه الاحتجاجات ظلت ذات مطالب معيشية غالباً.

ومع تدهور الأوضاع المعيشية مؤخراً، وانحدار القيمة الشرائية لليرة السورية بشكل غير مسبوق على الإطلاق، تفاقمت الأزمة المعيشية، واستنزفت ما تبقى في جيوب معظم السوريين من أموال ضئيلة لا تبعد شبح الجوع عن أطفالهم، وتسببت بأزمة خانقة في السويداء تمثلت بارتفاع قياسي في أسعار السلع، والمواد الغذائية، والأدوية إلى جانب اختفاء أنواع كثيرة منها، وإقفال معظم التجار لمحلاتهم التجارية، فكانت هذه الأزمة من أهم أسباب اندلاع المظاهرات الحالية.

ولعلَّ اقتناع جزءٍ كبيرٍ من أهالي السويداء بأنَّ الحكومة هي المسؤولة عن الحالة التي وصلت إليها البلاد، وفقدان الثقة لدى معظم الموالين لها برغبتها، أو قدرتها على معالجة الأزمة، أو الحد منها كان السبب في تجاوب عشرات المواطنين مع هذه المظاهرات التي لم تواجَه باعتراض يذكر في أسبوعها الأول.

مظاهرات غاضبة

خرج عشرات المواطنين من مختلف الفئات العمرية بمظاهرة احتجاجية غاضبة أمام مبنى محافظة السويداء احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية، والاقتصادية، وتنديدًا بالفساد الحكومي، وتجولوا في الساحات الرئيسية بالمدينة حيث انضم إليهم بعض المواطنين في سوق المدينة، ونادوا بالحرية، وبوحدة الشعب السوري، وطالبوا بإطلاق سراح المعتقلين، وحمّلوا السلطات مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، كما طالبوا بتغيير الحكومة، وخروج روسيا، وإيران من أراضي سوريا.

وفي اليوم الثاني تجددت المظاهرة السلمية وسط تزايد أعداد المشاركين فيها، وتأكيدٍ على مطالبها، ودعواتٍ لاستمرارها.

وانطلق المتظاهرون من أمام مبنى المحافظة إلى الشوارع الرئيسية في المدينة ثم ساحة السير ومنها إلى الشارع المحوري، ودوار المشنقة ليعودوا مجدداً إلى ساحة المحافظة، وهم يرددون هتافاتهم، دون حدوث أي مشاحنات، أو احتكاكات مع القوى المستنفرة في مراكزها دون أن تنتشر بالشوارع.

وتجددت الاحتجاجات لليوم الثالث على التوالي حيث تجمع العشرات أمام مبنى محافظة السويداء مطلقين الشعارات التي نادوا فيها خلال اليومين الفائتين، وطالبوا بتنحي الرئيس السوري، وبالحرية، والعدالة الاجتماعية، وإطلاق سراح المعتقلين.

وانصرفوا بعد حوالي ساعة، ونصف من التظاهر دون حصول أي احتكاكات أيضاً،

لكنَّ عناصر الأمن داهموا مكتبةً بالمدينة كان يتواجد فيها أحد المشاركين بالمظاهرات من مدينة  شهبا، وقاموا باعتقاله بعد الاعتداء عليه بالضرب.

فاعتصمت مساءً مجموعة من المواطنين في مدينة شهبا أمام مبنى شعبة “حزب البعث”، وطالبت بإطلاق سراح المواطن المعتقل.

مسيرة تأييد

وفي اليوم الرابع شهدت مدينة السويداء مسيرة تأييد دعت لها فعاليات تابعة لحزب البعث وسط تهديداتٍ بـ “محاسبة شديدة”  لمن لا يشارك بها كما جاء على لسان رئيسة فرع اتحاد الطلبة في تسجيل صوتي موجه إلى كافة وحدات الطلبة بالمحافظة، ومتداول على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثَّف.

حيث تحشَّد المئات من موظفين، وطلاب، ومواطنين في ساحة سلطان باشا مقابل مبنى المحافظة، وهتفوا بحياة الرئيس السوري، ونددوا بالعقوبات الأمريكية المفروضة عليه، وعلى السلطات السورية.

وبعد وقت قصير من انتهاء المسيرة أطلق مسلح مجهول النيران على المارة من سلاح حربي دون وقوع إصابات، ولاذ بالفرار على دراجة نارية.

وهو ما ترك انطباعاً لدى الأهالي بأنه حادث مفتعل يهدف إلى تبرير تدخل محتمل للجيش إضافة إلى القوى الأمنية، خاصة أنَّ هذه القوى كانت تنتشر في الساحة بشكل مكثَّف أثناء وقوع الحادث.

ودفعت هذه المسيرة المتظاهرين إلى التجمع بعيداً عن ساحة المحافظة تجنباً لحصول أي احتكاك معها فتجددت الاحتجاجات في “ساحة الفخار” بمدينة السويداء وسط تراجع بأعداد المشاركين مقارنة بالأيام الماضية، وجددوا مطالبهم كما طالبوا بالإفراج عن المعتقلين القدامى، وعن الشاب الذي اعتقلته قوات الأمن.

الأمن

على إثر هذه المظاهرات وُضعت المراكز الأمنية بمدينة السويداء في حالة استنفار قصوى، كما استنفرت عناصر الشرطة في مراكزها، واستُقدمت مجموعة من قوات حفظ النظام إلى قيادة الشرطة، وعزَّزت تواجدها في محيط مبنى المحافظة دون أي انتشار بالشوارع، أو احتكاك مع المتظاهرين.

وزادت هذه الأجهزة من تحركاتها في المدينة خلال الأسبوع الماضي، وبدأت دورياتها تتحرك في شوارع المدينة، وتنصب حواجز مؤقتة للتفتيش وسط أنباء عن تعميم أسماء العديد من المواطنين الذين شاركوا بالاحتجاجات بهدف ملاحقتهم.

مؤشرات لافتة

اللافت في هذه المظاهرات المستمرة هو إصرار المتظاهرين على الربط بين المطالب السياسية والمعيشية فلم تقتصر الهتافات فيها على التنديد بالأزمة الاقتصادية، والمطالبة بمعالجتها فقط،

بل مزجت بينها، وبين الفشل السياسي الأمني السائد، وحمّلت الحكومة كامل المسؤولية عن ذلك.

ومن اللافت أيضًا ترديد المتظاهرين لشعارات جديدة تطالب بخروج روسيا، وإيران من سوريا إذ هتف المحتجون: “سوريا حرة حرة إيران، وروسيا برا”، و”يرحم روحك يا سلطان البلد صارت لإيران”.

ومن اللافت أيضاً أن معظم المتظاهرين من شريحة الشباب الذين عاشوا معظم طفولتهم في ظل الأزمة السورية.

إضافة إلى وجود تعاطف شعبي واضح مع المتظاهرين رغم وجود فئات مازالت تريد التركيز على المطالب المعيشية فقط في هذه المرحلة، بالإضافة إلى المشاركة النسائية أيضاً.

مواقف متباينة

في وقتٍ تحدثت فيه الأنباء عن تظاهرات تضامن مع مظاهرات السويداء في أكثر من مكان من سوريا، أثارت هذه المظاهرات جدلاً واسعاً في أوساط المعارضة السورية، أو المحسوبين عليها، وصدرت مواقف سلبية تجاهها من بعضم، وانشغل الكثيرون منهم بتفنيد موقف هذا البعض من أجل التأكيد على أنها خطوة بالاتجاه الصحيح. 

كما تباينت تقييمات تيارات في المعارضة السورية لهذا الحراك فمنهم من اعتبره خطوة مهمة لإعادة أمل السوريين بإمكانية استعادة حراكهم، وإعادة تحريك الملف السياسي السوري المجمد مع تواجد مهم للسوريين يمكنهم من استعادة دولتهم، ووضع حد لتفرد الدول الأجنبية بتقرير مصير سوريا حسب أجند

اتها الإقليمية، والدولية. 

بينما سارع بعض المتحدثين باسم تيارات معارضة أخرى إلى التقليل من شأنه، ووصفه بـ “ثورة جياع” في محاولة للتقليل من شأنه، وفصله عن سياقه السياسي.

وأفتى آخرون بعدم جدواه لأنه جاء في وقت متأخر، حيث كتب أحدهم على صفحته تعليقاً ساخراً “يطعمكن الحج، والناس راجعة”.

علماً بأن السويداء شاركت منذ البداية بالحراك الشعبي، لكن التدخل الإقليمي، ونمو التطرف الديني، والمذهبي، والتناقضات بين فصائل للمعارضة في رؤيتها للمشهد السوري جعلت هذا الحراك يتراجع م

ع مرور الزمن.

بيان.. واستمرار

وجَّه المتظاهرون إلى الأهالي، ورجال الدين، والوجهاء في المحافظة بياناً حول تظاهراتهم ورغبتهم بالاستمرار فيها.

وبدأ البيان بمخاطبة الهيئات الدينية قائلاً: “حضرات المشايخ

 

الأجلاء: نعرف أننا وضعناكم في موقف حرج نعرف أنكم تمشون على حد السيف، بين مطرقة ضغوط قوى الأمر الواقع، وسندان الوقوف بوجه أبنائكم”.

وأشار البيان إلى احترام المتظاهرين لتوجيهات الهيئات الدينية، والاجتماعية، ولكنهم يصرون  على “حقهم في أن يكون لهم خيارهم هذه المرة”.

وناشد هذه الهيئات بقوله: “لقد اتخذنا قرارنا، ولا نطلب

منكم أن تناصروه، ولكن نستحلفكم بدماء أحبتكم، وغربة أبناء وطننا، وكتبكم المقدسة أن لا تطعنوه….. لا تقفوا مع الظالم وتناصروه، وتنصروه علينا، وأنتم أهل الحق”.

مشيراً إلى أنه: “سيسجل التاريخ لكم هذا الموقف أنكم حميتم حرية شبابكم، وحقوقهم المشروعة دستوريًا، وقانونيًا، وإنسانيًا قبل كل شيء”.

ومؤكداً أن المتظاهرين لا يعتدون على أحد، ومطالبًا بحمايتهم من أي اعتداء: “نطلب منكم أن لا تسمحوا للمعتدي أن يستخدمكم حجة لهدر دمنا، تعلمون جيداً أننا عندما خرجنا بمطالب معيشية منذ أشهر تم تخويننا، وكثرت الاستدعاءات الأمنية”.

وأضاف موضحاً: “نعم دفعتنا الحماسة لاستخدام هتافات أربكت الشارع، وبعثت الخوف في قلوب البعض، لذلك فإننا نعمل على تنظيم شعاراتنا أكثر متمسكين بالخطاب المتمثل بعدم إضاعة البوصلة، وعدم الخوف من تحميل المسؤولية لمن يجب أن يحملها، لكننا بنفس الوقت، لن ننساق لأخطاء الماضي، وسنمشي كذلك على حد السيف، وسنرتب أوراقنا بما يرضي الوطن، والديمقراطية، والمدنية، والحق تدفعنا كرامتنا للصراخ، وحريتنا لعدم الاختباء خلف اصبعنا”.

واختتم المتظاهرون بيانهم بقولهم: “وأنتم بكل تأكيد لستم أعداء حرية، ولستم أعداء كرامة، لذلك نحتاج دعاءكم، وعدم نصرة الظالم علينا، لأننا نعرف أنكم تعرفون أين الحق، وكلنا ثقة أن الحق غالب، وغلاّب، وأنتم أهله”.

وفي صباح يوم السبت الماضي تجددت الاحتجاجات السلمية مطالبة بالتغيير السياسي الذي يراه المحتجون بداية لحل أزمات البلاد، الاقتصادية، والسياسية حسب تصريح أحد المشاركين بهذه الاحتجاجات.

 تقرير /لطفي توفيق/