لكل السوريين

سري سريا أوندر… رجل السلام والديمقراطية الذي خسره الشرق الأوسط

في الثالث من أيار 2025، فقدت الحركة الديمقراطية والوسط السياسي في الشرق الأوسط، أحد أبرز وجوهها، برحيل السياسي والمثقف والمناضل سري سريا أوندر، عن عمر ناهز 62 عاماً، بعد صراع مع المرض استمر لعدة سنوات، كانت آخر محطاته أزمة قلبية ألمّت به منتصف نيسان الماضي.

محطات في حياته ومسيرته السياسية

ولد سري سريا أوندر في السابع من تموز عام 1962، بمدينة سمسور في تركيا، لعائلة تركمانية من الطبقة العاملة، كان والده عضواً في نقابة العمال، وهو ما مهّد له طريق الانخراط المبكر في القضايا الاجتماعية والسياسية. تلقى تعليمه في مسقط رأسه، وتخرج من كلية الإعلام والنشر بجامعة أنقرة.

وتعرف أوندر في شبابه على فكر القائد عبد الله أوجلان، وهو اللقاء الفكري الذي شكّل نقطة تحول في مسيرته السياسية، ودفعه نحو العمل النضالي في صفوف الحركة الكردية. بعد انقلاب 12 أيلول 1980، اعتقل بسبب نشاطه السياسي، وتعرض لتعذيب شديد، زاده إصراراً على مواصلة نضاله من أجل الحرية.

برز أوندر لاحقاً كوجه سياسي وشعبي بارز، حيث ترشح كمستقل في انتخابات عام 2011 بدعم من تحالف “العمل، والديمقراطية، والحرية”، وفاز بمقعد نيابي في إسطنبول. وكان من المؤسسين الأوائل لحزب الشعوب الديمقراطي، ثم مثّل حزب المساواة وديمقراطية الشعوب في البرلمان، وتولى منصب نائب رئيس البرلمان التركي.

دوره في مساعي السلام ومكانته الرمزية

لم يكن أوندر مجرد نائب وسياسي، بل كان من أهم رموز السلام في تركيا، حيث شارك كعضو في وفد إمرالي الذي خاض مفاوضات مباشرة مع القائد عبد الله أوجلان، وكان من الشخصيات القليلة التي حملت آمال التهدئة وبناء السلام في تركيا. في نوروز عام 2013، قرأ أوندر أمام الملايين رسالة القائد أوجلان التاريخية، ليكرّس صورته كرمز لمبادرة السلام.

خلال السنوات اللاحقة، استمر في أداء دوره السياسي والاجتماعي، رغم الملاحقات الأمنية، والاعتقالات، وتدهور وضعه الصحي منذ عام 2020. ورغم معاناته، واصل لقاء اللجان والمراكز الثقافية والتعليمية، وساهم في الحراك المدني والسياسي، دون انقطاع.

تقدير واسع

وفاة أوندر أثارت موجة واسعة من ردود الفعل، أبرزها رسالة تعزية بعث بها القائد عبد الله أوجلان، وصف فيها أوندر بأنه “هوية وثقافة حقيقية للسلام”، مؤكداً أن “أمله في تحقيق السلام لن يموت”.

كما عبّر القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي عن حزنه العميق، مشيراً إلى أن “جهوده من أجل التعايش ستبقى خالدة في ذاكرة الشعوب”. وفي السياق ذاته، أرسل رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيس الحكومة مسرور بارزاني، برقيات تعزية، أشادوا فيها بدور أوندر في مساعي السلام والنضال الديمقراطي.

الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا نعت الراحل، واعتبرته “صوتاً حراً ومثقفاً ملتزماً آمن بالحل السلمي للقضية الكردية”، وأكدت أن إرثه النضالي سيبقى حيّاً في ذاكرة الشعوب. كما عبّرت 34 حزباً وقوة سياسية في شمال وشرق سوريا عن حزنها العميق، مؤكدة أن الفقيد كان من الأعمدة الأساسية للنضال السلمي.

تشييع ودفن

وشُيّع جثمان سري سريا أوندر في الرابع من أيار الجاري، في مدينة إسطنبول، حيث وري الثرى في مزار زينجيرلي كوي، وسط مشاركة شعبية ورسمية واسعة.

برحيل سري سريا أوندر، فقدت الساحة السياسية الكردية والتركية رجلاً من طراز فريد، جمع بين النضال السياسي والفكري، والفن والالتزام الأخلاقي. لم يكن صوتاً للسلام فقط، بل كان من صانعيه. وسيظل اسمه محفوراً في تاريخ النضال الديمقراطي في تركيا والمنطقة.