الديمقراطية الحل الأمثل لقضايا الشرق الأوسط.. حقوقي سوري: الشرق الأوسط على فوهة بركان مملوءة بالنزاع والتنافس والاحتواء
حاوره/ مجد محمد
أشار دليل خزيم إلى أنه تبدو مسارات الصراع في الشرق الأوسط بالغة الكثافة والتعقيد، وتتسع دوائرها لتغرق العديد من الأطراف الدولية والإقليمية، وتتصاعد بانتظام المخاطر التي تواجهنا بها نحن شعوب هذه المنطقة الذين نحرم عملياً من الحق في الحياة وكذلك المخاطر التي تفرضها على السلم والأمن العالميين.
تتبع القوى العظمى دائماً خطوات استراتيجية معقدة ومتشعبة، تهدف للحفاظ على نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، من خلال خلق أو دعم قوى متنافسة فيما بينها، من أجل أن تبقى ضابط إيقاع وحيد، إذ تعد هذه الاستراتيجية جزءاً من سياسة التنافس بين الدول العظمى التاريخية في المنطقة، هذه السياسة التي تمتد لعقود، وتظهر في شتى أبعاد العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية، تهدف بمجملها إلى إبقاء دول المنطقة في حالة توازن لكن غير مستقر، بحيث تظل بعض الدول اللاعب الأساسي الذي يحدد مسارات الأحداث، ويضمن استمرار نفوذها فيها.
فالمستقبل الذي ينتظر منطقة الشرق الأوسط، مرتبط بمصير التسويات السياسية المطروحة، لملفات سوريا ولبنان وليبيا واليمن والسودان، وبالطبع فلسطين وشعبها، وطبيعة الترتيبات الإقليمية والدولية في دول المشرق والعراق، وقدرة التكتلات العربية والقومية، على لعب دور فاعل على الصعيد الإقليمي، وصعود اليمين الأميركي والأوروبي، وأثره على العلاقات مع الشرق الأوسط، واتجاه المنطقة في ظل الصراعات الإقليمية الراهنة، وتدخل القوى الخارجية الدائم.
قبل السابع من تشرين الأول من عام 2023، كانت المنطقة تتَّجه نحو خفض التصعيد وتطبيع العلاقات والتركيز على المصالح الاقتصاديّة، غير أنّ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني عاد إلى الواجهة وبقوّة اليوم، وبالتزامن مع ذلك، تفاقم النزاعُ بين إيران ووكلائها، من جهة، والولايات المتّحدة من جهة أخرى. وما تشهده دول الشرق الأوسط سيتحدّد مسار المنطقة إلى حدٍّ بعيد تبعًا لكيفيَّة انتهاء الحرب في غزّة والوضع الجديد الذي سينشأ بعدها.
وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا السوري حواراً مطولاً مع الحقوقي دليل خزيم، عضو الحزب السوري التنموي، ودور الحوار التالي:
*أزمات الشرق الأوسط لا تنتهي، ما الذي يجعله مرتع شبه دائم للازمات؟
أن في مقدمة أسباب عدم الاستقرار بالشرق الأوسط هو ما يتعلق بالمجالات السياسية والاقتصادية والتنموية، خاصة المرتبطة بالنمو العلمي والتقني، وكذلك أن الأمر يعود إلى ما تشكله المنطقة من مركز جذب وتنافس بين الغرب والشرق، مما حولها إلى منطقة نزاعات دولية، وايضاً لأسباب تتغير بحسب مسار التاريخ وموجباته، فبقدر ما تشكل منطقة الشرق الأوسط من محطة جذب واستقطاب، بقدر ما تحفز الصراعات والحروب، ومعها يأتي الخراب بطبيعة الحال، ولا يمكن بالتأكيد أن نستثني حركات الاستعمار من مسؤولية عدم استقرار المنطقة، فجميعها كحركات ساهمت في تقسيم الدول عرقياً وطائفياً، وبشكل ضاعف من حالة اللا استقرار هنا، نرى ذلك في فلسطين العراق وسوريا ولبنان واليمن واضحاً، بسبب ظروف الحروب في هذه الدول، لكنه كعامل عدم استقرار موجود في معظم الدول العربية، ومرشح لأن يشتعل مع أقل شرارة، والمشكلة هنا أن زوال الاستعمار عن دول المنطقة لم يؤدي إلى استقرار، فحركات التحرر والاستقلال، التي جاءت لتحل محل الاستعمار، افتقدت أغلبها، ان لم يكن كلها، النمط الديموقراطي المدني المطلوب لقيام الدولة الحديثة، ولتتحول معها البنية السياسية للشرق الأوسط الى ثكنات عسكرية، أو أنظمة بيروقراطية محافظة، أو تحالفات قبلية أو طائفية أو تيارات مدنية انتهازية وهكذا.
*الصراع العربي الإسرائيلي في الشرق الأوسط يعد من أبرز أسباب عدم الاستقرار في المنطقة، ما رأيك؟
تاريخ الشرق الأوسط حافل بالحروب والصراعات التي لا تتوقف أبداً، وإن توقفت فهي تبقى في حالة اللا حرب واللا سلم، وبالطبع تأتي حالة الصراع العربي ــ الإسرائيلي كواحدة من أطول تلك الحروب، لكنها في الحرب الأخيرة على غزة تجاوزت في مداها ومخاطرها كل الحروب الأخرى، فالمقاومة الفلسطينية داخل غزة والضفة وعلى حدودها، كبدت جيش الكيان الصهيوني ما لم تكبده كل الحروب العربية ضد الكيان مجتمعة، فلم يسبق للشرق الأوسط أن كان على هذه الدرجة من الغليان من قبل، والآمال كلها معقودة على أن تحسم المقاومة الفلسطينية الباسلة حصيلة هذا المشهد لمصلحتها، عندها فقط يمكن أن نحلم بشرق أوسط جديد ومستقر، وبالمقابل إسرائيل دخلت في حالة من التخبط فلم تهدأ ابداً وبدأت قصفاً دمويا على غزة مخلفة آثاراً كارثية ودماء لا تنضب.
*منطقة الشرق الأوسط مميزة من عدة نواحي، مما جعلها مميزة لتنفيذ عدة مطامع، ما رأيك؟
بالتأكيد في الشرق الأوسط هناك مطامع دولية ومطامع اقليمية، بالنسبة للدولية فروسيا تهدف إلى تحقيق مشروع أوراسيا الكبرى هو التوسع الأمني والتجاري والجيوسياسي الروسي في مناطق المياه الدافئة، ولتحقيق ذلك تستخدم روسيا عدة أدوات، لعل أبرزها حرب الوكالة، التدخل العسكري المباشر حسب الحاجة، والسيطرة الإقتصادية عبر احتكار خطوط الطاقة المزودة للدول الأوروبية، شراء الذمم، القوة الناعمة من إعلام ودعم اقتصادي ودعم تعليمي منح دراسية، ورفع لواء الوسيط غير المتورط في النزاعات، رغم دعمها لطرف على حساب الطرف الآخر، وكذلك اوروبا، فالاتحاد الأوروبي يرى منطقة البحر الأبيض المتوسط على أنها منطقة أوروبية ذات نفوذ أوروبي وليس روسي او أمريكي، ومن هذا المنطلق، نجد أن المشروع يهدف إلى كسر الهيمنتين الأمريكية والروسية في المنطقة معاً على حد سواء، اما امريكا فالجميع يعلم مطامعها في المنطقة.
*وماذا عن المطامع الإقليمية؟
مشروع إيران الاستراتيجي في المنطقة، وهو ما يطلق عليه اسم الهلال الشيعي، وان تأسيس إيران لهلالها الشيعي الممتد من حدودها مع العراق، مروراً بسوريا، وصولاً إلى لبنان، بغية إيصالها إلى البحر المتوسط من جهة، والممتد إلى بعض مناطق شبه الجزيرة العربية، بشكل أوضح إلى البحرين مقبولة، ويبدو واضحاً أن إيران ترمي إلى الوصول للبحر المتوسط، ليصبح لديها جسر يصل بينها وبين الدول الأوروبية اقتصاديا في المستقبل، وتعتمد إيران على أدوات عدة في سبيل تحقيق مشروعها، غير أن الأداة الأبرز هي حرب الوكالة التي تجريها بواسطة عدد هائل من المليشيات الشيعية التي برعت في زرعها في المناطق المنضوية في الهلال الشيعي، ويأتي على رأسها حزب الله، وكذلك مشروع العثمانية الجديدة الذي تتبناه تركيا، نرى أن هذا المشروع ليس وليد اللحظة، بل يعود تاريخه إلى عام ١٨٦٢، ويدعو المشروع إلى ضرورة توحيد أواصر قوميات الدولة العثمانية وفقاً لأسس ليبرالية تحافظ على القيم الثقافية المشتركة، ويبقي على القومية العثمانية التي تعني التفاف الشعوب حول مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية، وجعل جميع دول المنطقة تابعين لتركيا وللعثمانية.
*ختاماً، كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها المجال مفتوح لك…
إن جميع ما ذكرته لك من مشاريع دولية وإقليمية هو ما يجعل منطقة الشرق الأوسط على فوهة بركان مليئة بالنزاع والتنافس والاحتواء، فالدول الكبرى تتصارع على المنطقة، وهذا الصراع دوماً ما يخلف حروب لا متناهية وكذلك تشعل فتيل الفتنة بين أبناء ودول المنطقة، وفي الختام، لكل دولة مشروعها الاستراتيجي، وهذا أمر عادي جداً في سياق التعريف بالدول القومية، والفقير من هذه المشاريع هي مشاريع الدول العربية التي تدار من قبل أنظمة حكم عشائرية أو تقليدية أو شعبوية لا ترقى إلى مستوى الدولة الديمقراطية التي تعزز المواطنة وتكرم المواطن.