تعثرت مفاوضات تبادل الأسرى التي جرت بوساطة قطرية ومصرية وأميركية في الدوحة، جراء إصرار حكومة نتنياهو على استمرار السيطرة على محور فيلادلفيا الحدودي بين غزة ومصر ومعبر رفح بغزة، وإصرار حركة حماس على انسحاب إسرائيل الكامل من القطاع ووقف الحرب، للقبول بأي اتفاق.
وتسعى إسرائيل إلى الإبقاء على حالة تمكنها من التدخل لمنع قيام أي قوة عسكرية في القطاع، وفق تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي الذي قال “إن الجيش الإسرائيلي سيحتفظ بالسيطرة الأمنية في غزة التي لن تكون تحت حكم حركة حماس أو سيطرتها العسكرية”.
وهو ما تعمل إسرائيل على تنفيذه في غزة حيث يتم إنشاء مناطق عازلة مثل ممر نتساريم، وتجريف مناطق بكاملها مثل جباليا وبيت حانون ومحور فيلادلفيا ورفح.
وتؤكد تقارير إسرائيلية أن حكومة نتانياهو، تريد إطالة أمد الحرب إلى أن تحقق هذا الهدف.
ولذلك فمن المستبعد أن يتم اتجار اتفاق الهدنة، رغم إصرار المواطنين الإسرائيليين على إطلاق سراح الرهائن في غزة.
وتبادلت حركة حماس وإسرائيل الاتهامات، بشأن عدم التوصل إلى اتفاق رغم أن الجهود التي بذلها الوسطاء في الدوحة قد عززت الآمال حول إمكانية حدوث ذلك.
صفقة جزئية
نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الأيام المقبلة ستكون حاسمة بشأن مصير الرهائن، مشيراً إلى أن إسرائيل قد تذهب نحو صفقة جزئية فقط، وأن تقديراته تشير إلى احتمال ألّا تبرم صفقة التبادل قبل نهاية عهد الرئيس الأميركي جو بايدن.
وحسب تصريحات مصادر مطلعة لوسائل إعلام إسرائيلية، تسعى تل أبيب إلى صفقة من قسمين، واحدة تشمل النساء والجرحى وكبار السن، تعقبها صفقة أخرى تؤدي إلى إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة.
ووفقا للصحيفة، فإن المسؤول الإسرائيلي أخبر عائلات الأسرى أنه على يقين بأن الصفقة الشاملة هي الحل لكل القضايا.
وفي هذا الإطار، دعا وزير التعاون الإسرائيلي دافيد أمسالم، للتوصل إلى “صفقة شاملة” لتبادل الأسرى، وقال “كان ينبغي علينا أن نتوصل إلى صفقة شاملة واحدة منذ البداية”.
وأضاف الوزير الذي ينتمي إلى حزب الليكود برئاسة نتنياهو، لهيئة البث الإسرائيلي الرسمية “إذا حدث ذلك فمن الممكن أن تنهي إسرائيل أيضاً الحرب الواسعة النطاق كما هي اليوم، وتواصل التعامل مع غزة كما تتعامل مع يهودا والسامرة”، وهي التسمية التوراتية للضفة الغربية المحتلة.
شرط يعقّد المحادثات
وفقاً لهيئة البث الإسرائيلية، فرضت الحكومة الإسرائيلية شرطاً جديداً يتطلب أن تقدم حماس قائمة بأسماء الرهائن الإسرائيليين الأحياء، مما زاد من تعقيد المفاوضات.
وجاء هذا الشرط بعد أن كانت المحادثات قد شهدت تقدماً نسبياً، مع استعداد الأطراف لإعداد قوائم بأسماء السجناء الفلسطينيين، الذين سيتم الإفراج عنهم في المرحلة الأولى، إلّا أن هذا الطلب الإسرائيلي وضع عقبة أمام التوصل إلى اتفاق بشكل سريع.
وأشارت تقارير إسرائيلية إلى أن هذا الشرط قد يطيل أمد المفاوضات، خصوصاً أن حماس لم تقدم حتى الآن قائمة مفصلة بأسماء الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم.
ورغم التصريحات الإسرائيلية الإيجابية حول تقدم المحادثات، أظهرت التقارير الإعلامية أن الوسيط الأمريكي غادر الدوحة بعد يوم واحد فقط من بدء المفاوضات، مما عكس حالة الجمود في بعض جوانبها.
وأشارت مصادر أميركية إلى أن من بين أبرز القضايا العالقة عدد الرهائن الإسرائيليين الذين سيتم الإفراج عنهم في المرحلة الأولى، وتحديد هوية السجناء الفلسطينيين الذين سيشملهم الاتفاق، إضافة إلى القضايا التي تتعلق بمستقبل قطاع غزة بعد التوصل إلى الاتفاق، بما في ذلك الانسحاب الإسرائيلي من المنطقة، وعودة النازحين إلى شمال القطاع، وإدارة المعابر الحدودية.
تحديات داخل إسرائيل
صعّدت عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة خلال الأسابيع الأخيرة من فعالياتها المطالبة بالتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، ونفّذت مظاهرة احتجاجية أمام منزل وزير الشؤون الاستراتيجية في القدس الغربية، للمطالبة بإنجاز صفقة التبادل.
ونقلت صحيفة هآرتس عن بيان للمتظاهرات قولهن “إن الوزير رون ديرمر شريك مركزي في جهود الحكومة الإسرائيلية لتقويض صفقة التبادل، وبدلاً من العمل على التوصل إلى اتفاق، فإنه يركز على محاولات تخريب صفقة تلتزم الإدارة الأميركية بالدفع بها إلى الأمام”.
وبالتزامن مع هذه التطورات، يشهد المشهد السياسي في إسرائيل انقساماً حاداً حول التعامل مع المفاوضات ووقف التصعيد.
فقد اتهم زعيم المعارضة، يائير لابيد، رئيس الوزراء نتنياهو بتسريب معلومات لوسائل الإعلام الأجنبية، بشأن رفضه وقف الحرب خلال تقدم المفاوضات، في محاولة لتعطيل جهود الوساطة.
وتبرز هذه الانتقادات مدى الخلافات الداخلية حول إدارة الأزمة، مما يعكس حجم الضغط الذي يواجهه نتنياهو من المعارضة وعائلات المحتجزين، لإبرام صفقة تحريرهم.
وفي المقابل، يواجه نتنياهو معارضة داخل حكومته من قبل الوزراء المتشددين، مثل إياتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش، اللذين يعارضان أي اتفاق مع حركة حماس، ويهددان بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها، إذا تم إبرام أي اتفاق معها.