لكل السوريين

ألم مستمر.. وتهجير نحو المجهول

تقرير/ أحمد الحمود

لا تزال ممارسات التهجير القسري التي تنفذها الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا تفرض معاناة لا تنتهي على سكان عفرين والشهباء، وتُجسد هذه المعاناة في قصة إنسانية تروي مأساة إحدى أبناء عفرين التي تواجه تهجيرًا متكررًا، بدأ من مدينتها وانتهى بها في الطبقة، بعد أن تم تهجيرها مرتين من أرضها، لتصبح شاهدًا على سلسلة من الانتهاكات التي لا تنتهي.

من عفرين إلى الشهباء

فاطمة محمد، امرأة خمسينية من عفرين، تُجسد مأساة آلاف المهجرين قسرًا بسبب الصراع المستمر في عفرين والشهباء، كانت فاطمة تعيش حياة هادئة في عفرين، حيث كانت تعمل في زراعة الزيتون التي توارثتها عن أجدادها، لكن هجوم القوات التركية والفصائل المسلحة في عام 2018 قلب حياتها رأسًا على عقب، فبدأت رحلة تهجيرها القسري.

تهجير من عفرين: البداية المؤلمة

تروي فاطمة قصتها قائلة:

“بدأت معاناتنا عندما هجّرونا من عفرين، كان لدينا أمل بالعودة إلى عفرين ولجأت مع أطفالي الستة إلى منطقة لفيفين، حيث دخلنا إلى جامع كمأوى مؤقت، لكن سرعان ما حاصرتنا الفصائل المسلحة في الشهباء قمنا بالخروج، وكان مشهد القتل أمام أعيننا، حاولت جاهدًا أن أمنع أطفالي من رؤية هذه المشاهد حتى لا تبقى عالقة في ذاكرتهم”.

الجوع والخوف

ومع تصاعد المخاطر، اضطرت فاطمة وعائلتها لمغادرة فافين والفرار على الأقدام ليصلوا إلى دير حافر، تتذكر فاطمة تلك الأيام قائلة:

“مشينا لمدة ستة أيام متواصلة، وسط الخوف من أن يلحقوا بنا، لم يكن لدينا مأوى، فاشعلنا إطار سيارة وجدناه على الطريق لنحمي أنفسنا من البرد، الطريق كان مليئًا بالخوف والجوع، وكنت أعاني من أمراض القلب والعصب، لكن لم يكن لدينا خيار سوى المتابعة”.

الوصول إلى الطبقة: بارقة أمل وسط المأساة

بعد معاناة طويلة، وصلت فاطمة وأطفالها إلى الطبقة، حيث لاقت دعمًا ومساعدة من أهالي المنطقة، تقول فاطمة:

“رغم كل ما مررنا به، أجدّد شكري للأخوة العرب والكرد في الطبقة الذين قدموا لنا المساعدة وساهموا في تخفيف معاناتنا”.

رسالة إنسانية وسط الألم

قصة فاطمة ليست مجرد سرد لمأساة فردية، بل هي صرخة تعكس معاناة آلاف المهجرين قسرًا بسبب الصراعات المسلحة في سوريا، كما تسلط الضوء على أهمية التضامن الإنساني بين مختلف مكونات المجتمع في مواجهة الأزمات.

معاناة جديدة بعد العودة إلى المجهول

لم يكن التهجير القسري أول مرة تواجه فيها فاطمة معاناة، إذ تروي عن معاناتها أثناء تهجيرها من الشهباء، حيث تقول:

“شهدنا معاناة قاسية أثناء تهجيرنا من الشهباء، كنا ننام في العراء بدون حماية، وواجهنا الكثير من المعاناة في الطريق، ومع أطفالي الصغار، اضطررنا لمغادرة الشهباء دون طعام أو شراب، وطفلي لم يكن لديه حليب حتى وصلنا إلى الطبقة هناك، قدمت لنا الإدارة الذاتية خدمات من طعام وشراب وحليب للأطفال، وهو ما ساعدنا على تجاوز على تخفيف المعاناة”.

بينما تطوي فاطمة صفحات من الألم والمعاناة، تظل قصتها شاهدة على حجم التحديات التي يواجهها المهجرون قسرًا، وأيضًا على الدور الإنساني الذي يمكن أن يخفف من آلامهم، تظل فاطمة مثالًا حيًا على صمود الإنسان في مواجهة الأزمات، ورسالة أمل في زمن يعج بالمعاناة.

“نحن أبناء هذا البلد، ولنا الحق أن نعيش كسوريين من مكونات سوريا”، تقول فاطمة في ختام حديثها، مؤكدة أن التضامن الإنساني هو ما يساعد على تخفيف آلامهم في مثل هذه الظروف.