لكل السوريين

راشد السهيان.. الحوار هو أساس الحل في سوريا، وعلى الجهات الفاعلة العمل بجد لضمان مستقبل سوريا

حاوره/ مجد محمد

أكد راشد السهيان، ان المستقبل في سوريا إلى حد الآن ضبابي وبدون ملامح واضحة، ونأمل بسوريا لامركزية تراعي حقوق جميع مكوناتها، وعلى جميع الأطراف في سوريا الانخراط في عمل جماعي للوصل إلى سوريا تحتضن جميع السوريين، وعلى الحكومة السورية الجديدة الجلوس على طاولة الحوار لضمان مستقبل سوريا، والوصول إلى سوريا دمقراطية تعددية لا مركزية.

الهوية الوطنية السورية المستقبلية يجب أن تكون مبنية على الاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي والديني، الكرد يجب أن يشعروا بأنهم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني، والمسيحيين يجب أن يطمئنوا إلى إن وجودهم محمي، وكل المكونات الأخرى يجب أن تجد في سوريا وطناً يحترم خصوصياتها، العدالة ليست خياراً بل ضرورة لبناء وطن على أسس سليمة، لكن تحقيق العدالة في سوريا لا يقتصر على محاسبة النظام السابق على الجرائم المرتكبة، بل يتطلب إعادة توزيع السلطة والثروة بشكل يضمن الشراكة الحقيقية لكل المكونات في المنطقة

سقوط بشار الأسد ونظامه المستبد كان حدثاً تاريخياً بالغ الاهمية، ليس فقط لأنه أنهي عقوداً من الاستبداد والقمع، بل لأنه فتح الباب على مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والاسئلة المصيرية، فما حدث لم يكن مجرد إنهيار لنظام سياسي، بل لحظة اكتشاف لتصدعات عميقة في المجتمع السوري تتعلق بالهوية الوطنية والعدالة وشكل الدولة التي يمكن أن تضمن مستقبلا آمناً وعادلاً لجميع مكوناتها.

وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا “السوري” حواراً مطولاً مع الأستاذ راشد السهيان عضو مركز دجلة للدراسات الاستراتيجية.

*ما هي وجهة نظرك، أو ما هي قراءتك للمستقبل السوري؟

بالنسبة لمعالجة موضوع هذا النظام البائد يجب أن نفكر بالاعمال التي ارتكبها بهذا الماضي الذي تجاوز ستين عاماً، منذ بداية حكم البعث الذي بدأ بتغيير المفاهيم الإجتماعية وإقامة إطار اديولوجي قومي شمولي انتهى إلى حكم الفرد الديكتاتور كما هو وعائلته، وجعل البلد سجناً لا يمكن للناس أن يفكروا فيه بحريات كاملة ولا يعبروا عن إرادتهم فلا الإرادة الشعبية ولا الإرادة الفردية إلا أن يكون متحكم بها، حتى في سياسات الدراسة والطلبة وكذلك الموظفين الذين لا يستطيعون التحرك بما يمكن أن يملي عليهم ضميرهم إلا إذا كان موجها من قبل سياسات الحزب وسياسات الحكومة، هذه الدولة التي قادت البلد إلى مرحلة المواجهات بين أبناءه لأنها أرادت تقسيم هذا المجتمع إلى جماعات متناحرة لا تقبل إلا ان يكون هو الحل والوسيط وبالتالي سيطرته على الطرفين، وبالنتيجة هو يقمع الطرفين أياً كان الطرف الذي يبحث عن حقه بأي جهة يطالب بها سواء كان من الجهة القومية أو الدينية أو حتى الإجتماعية البسيطة أو الاقتصادية، كذلك تحكم بالإقتصاد وجعله اقتصاداً لأشخاص مميزين له وهو يستنزف ثروات البلاد فكان شريكاً في كل المفاصل وبالتالي نستطيع أن نقول بأن هذا الحكم بأفراده، بأفراد العائلة التي تغولت في المجتمع والدولة وفي المؤسسات ولم يجعل من سوريا بلداً حقيقياً مع إمكاناتها أن تكون بلدا كبيراً في العالم بما تملك من اقتصاد وامكانيات وثروات وبما تملك من قدرات للشعب السوري اذا تحرر من قيود السلكة لأنه يستطيع أن ان يعطي ويستطيع أن يبدع، هذا الأمر الذي قادنا إلى النتائج التي نراها من دولة فاشلة وتكاد تكون مقسمة والآن أصبحت بلا مصير، لا نستطيع ان نتوقعه لأننا حتى الآن البديل يعتبر غير معروف إلا بتجربة بسيطة وهي تجربة دينية، وهذا التجربة الدينية إذا أخذت مداها بدون أن يكون ورائها سياسات عاقلة نخشى عليها من الانقلاب وان ندخل إلى الصراع الآخر الذي عرفناه في دول أخرى تحكم فيها الرأي الشمولي وبالتالي قاد البلد إلى فشل آخر، نريد نحن من اجل تجاوز هذه الظاهرة أن يكون هناك عقلاء في السلطة الجديدة التي تتقدم الآن بالأعمال والافعال، نستطيع أن نفكر معها في كيفية الحلول، واعتقد إن الشعب السوري عبر تاريخ الثورة الجديد كان لديهم الأوراق الكافية لوضع شكل من أشكال النظام التعددي واللامركزي والديمقراطي يعتمد على الحريات وحقوق الانسان.

*أبرز التحديات الآن بعد سقوط نظام الاسد، من اي نقطة تراها أهم نقطة للحديث عنها؟

المشهد يعتبر مشهد سريالي، وضع غير معروف ومبهم مستقبلياً، طبعاً كل ما صدر من السلطة الجديدة حتى الآن يدل على أنه هناك عقلانية في التعامل، هناك فهم للطبيعة السورية وأي تشدد قد يؤدي إلى حرب اهلية، ولكن الواقع السوري للأسف الشديد هو ليس بيد السوريين، فالأطراف الخارجية هي المتحكم في سوريا وهي أساساً متصارعة فيما بينها، فلا ننسى ما يفعله الكيان الإسرائيلي من حملة التدمير الممنهج لقدرات سوريا العسكرية وبنية الدولة الدفاعية، فهو يسعى إلى جعل الدولة السورية ضعيفة ومفككة ومقسمة ومنع أي تحول ديمقراطي وحقيقي، فالتدخلات الخارجية جميعها تساهم في تعميق الجرح السوري وزيادة الشرخ بين اطيافه، فالوضع كما قلت لك سريالياً ولا يمكن أن نبني تنبؤات عليه.

*بعد انتهاء فرحة السقوط، هل بتنا في مرحلة القلق الآن مما سيحصل؟

بالحقيقة انا لازلت أعيش فرحة سقوط النظام الذي عاث فساداً وخرابا في البلاد، والحقيقة إن أي تناقضات نراها الآن هي كلها بسبب ذلك النظام البائد، فعندما غادر البلد لم يعطي خبراً حتى لأقرب المقربين إليه وحتى الجنود الضباط الذي يحاربون باسمه ولكنه هرب تاركهم ورائهم لمواجهة مصيرهم، فهذا ان دل على شيئ فأنه يدل على الخسة والنذالة والقذارة الكبيرة التي يمارسها على كل مكونات الشعب السوري حتى الذين قاتلوا وتفانوا معه في تلك المدة السابقة، الآن هناك الكثير من المواطنين الذين كانوا مؤيدين له فبعد سقوطه وبيان جرائمه ومعتقلاته على جميع وسائل الإعلام باتوا من أكبر المعارضين والنادمين لتأييده في السابق،  فالطبيعي هو القلق فيما بعد ذلك، ولكن نرى بأن حتى اثناء فترة التحرير كان هناك معاملة حسنة مع الشعب وكانت معاملتهم انسانية بأخلاق راقية بغض النظر عن بعض الممارسات الطفيفة هنا وهناك، فلابد أن نعطي فرصة للقادم كي تستقر البلاد نوعاً ما

*ما هو المعيار الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار لحفظ حقوق المكونات والقوميات والطوائف المختلفة؟

المعيار واضح، وهي حاجات مشتركة للبشر جميعهم وأول هذه المشتركات هي الانتماء، الحاجة إلى الانتماء والحاجة إلى الأمن والحاجة إلى العقيدة، فيجب أن نضمن إن هذا الوطن يصلح أن يكون وطناً جيداً لجميع مكوناته وجميعهم يشعرون بالانتماء له، فهذا الشعور يكون من خلال تأمين الحاجات الأساسية لهم وضمان حقوقهم والعدالة الاجتماعية وحرية التعبير بكافة الوسائل، وأن يشعر المواطن بأنه آمناً وأن هذا البلد يضمن امغن عائلته وفكره وحتى غذائه وكل هذه الاشياء، وكذلك التأكيد إن كل شخص حر بعقيدته ويمارس طقوسه العقائدية كما يشاء ما لا يتعدى حرية الآخرين، هذه الأشياء الثلاثة إذا ضمنت للمواطن السوري فأن الشعب السوري يستطيع أن يعيش بتناغم وتوافق ويستمر بحياته كما في قرون كثيرة سابقة خلت.

*بالحديث عن الانتماء، كيف يجب أو دفع أن يشعر الكرد والسريان وغيرهم بأنهم جزء لا يتجزأ من النسيج السوري؟

العقد الاجتماعي هو الأصل، ما يتفق عليه أبناء البلد هو النموذج الذي يسير حياتهم وعلى أساسه يكون هناك حريات وإقامة دولة متطورة على اساس المواطنة، ومفهوم المواطنة في الدولة الحديثة يقوم على القاعدة التي تقول إن كل فرد يتنازل عن جزء من حريته لصالح الدولة من أجل أن تحافظ له ما تبقى من حريات، وهذا ما نسميه تحالف القوة

*ختاماً، ما بعد السقوط ما هو مستقبل مناطق شمال شرق سوريا والإدارة الذاتية؟

الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا أبدت انفتاحاً متزايداً إزاء السلطة السياسية الجديدة في دمشق، وفي بادرة حسن نية أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قرارها رفع علم الاستقلال السوري الذي رفعه السوريون منذ خروجهم في تظاهرات سلمية مناهضة لدمشق في العام ٢٠١١ على جميع مقراتها ومؤسساتها، معتبرة أنه يحق للسوريين الاحتفاء بانتصار إرادتهم في إسقاط هذا النظام الجائر، فالتغيير فرصة لبناء سوريا جديدة تضمن حقوق جميع السوريين، فلابد من حوار قادم بين قيادة الطرفين ونتمنى أن تكون هناك تفاهمات في بناء دولة موحدة تعددية ديمقراطية لامركزية.