لكل السوريين

مسار سياسي جديد في الشرق الأوسط، بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض

حاوره/ مجد محمد

أشار برزان الخلف إلى تحولات كبيرة ستجري في الفترة المقبلة على مستوى الشرق الأوسط، ولكنها على عكس ما يعتقد الكثيرون بمدى قربها، فهي لن تحدث على المدى القريب أو المتوسط. ومن المحتمل ان يكون هناك تغييرات كثيرة في قواعد اللعبة الحالية.

في وقت تتغير فيه الأولويات العالمية، تكثر التساؤلات حول قدرة الشرق الأوسط على التأقلم مع هذه التحولات والاستفادة منها لبناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً، كان لصحيفتنا “السوري” لقاءًا مطولاً مع برزان الخلف، العضو في مركز الجزيرة للدراسات الاستراتيجية.

*بين ما يحدث في الشرق الأوسط من طرف وعودة ترامب إلى كرسي البيت الأبيض، بين لي رأيك؟

أولاً هذا الفوز الذي أتى به الحزب الجمهوري وهذا الانتصار الذي كان ربما غير متوقع من كثير من الجهات مفاجأة، لأنهم كانوا يظنوا إنه هناك ما بقي في العالم شيء من العقلانية حتى يمنعوا هذا الرئيس العائد المنتقم إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن على ما يبدو أن العالم قد تطرف وعاد إلى اليمينية وبالتالي عاد الرئيس من جديد،  وعادت كل أفكاره التي ترتكز على الأيديولوجية المتطرفة والأيديولوجية الصهيونية التي تنبع من فكرة الحزب الجمهوري والتي يعتمد عليها، في حين أن الحزب الديمقراطي هو حزب براغماتي يؤمن بفكرة الوقوف مع الأهداف التي يريد أن يحققها وبالتالي أتى ترامب وتزعزعت أركان الشرق الأوسط، فهناك من يؤيد عودته وهناك من يتشاءم من عودته، فإيران خائفة، وتركيا لها مطامع، وأوروبا خائفة وروسيا تصفق له، فهذه كلها تناقضات كثيرة وأمريكا اللاتينية ترفض عودة هذا الرئيس، والكثير من دول العالم باتت متناقضة في توجهاتها وفي حساباتها نحو هذا الرئيس، وبالتالي هذا كله يعني أن جدلية عودة الرئيس ترامب لها أهمية كبيرة وسنرى في قادم الأيام الكثير من الانطباعات والكثير من الترددات التي تنعكس على السياسة الخارجية في العالم.

إن ما يهمنا في الشرق الأوسط أنه هناك حرب قائمة بغزة وجنوب لبنان، فما هي توجهات الرئيس ترامب على هذه الحروب، فأول من سارع لتهنئة الرئيس ترامب هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأنه كان يماطل في عقد العديد من الصفقات ل

وقف هذه الحرب، وكان متمنياً عودة الرئيس ترامب إلى الحكم لأنه كان يعلم أن غايته سوف يحققها له ترامب بعودته إلى سدة الحكم، الآن ننظر إلى إنه هناك انشقاق في الصف الإسرائيلي ما بين المتطرفين الإسرائيليين وما بين الحلفاء الإسرائيليين الذين كانوا يرفضوا ولا يحاولوا أن يأتوا أو يدعموا اللوبي الصهيوني، فكانوا يرفضوا أن يدعموا الرئيس ترامب ولكن عاد ترامب لأنه كما قلت يبدو إن العالم يتجه نحو التطرف واليمينية، فعلى الجميع أن يجهز نفسه إلى ما سوف يعود من هذا الشخص الذي يؤمن فقط بالصفقات وتعزيز صورة أمريكا أمام العالم والذي في مؤخرة دماغه الكثير من الحسابات التي يريد أن يسويها من رئاسته.

*في ظل كل هذه التحولات كيف ترى المستقبل القريب للشرق الأوسط؟

الشرق الأوسط غارق بالأزمات المترابطة، وكل أزمة مرتبطة بالأخرى ولا يمكن عزلها عنها، فلم يعمل إلى أي حل للازمات في الشرق الأوسط منذ زمن طويل جداً، بمعنى إن هذا الإقليم الذي نسميه الشرق الأوسط هو مرتع لصراعات مجمدة لا نهاية لها ولا يمكن أن يكون هناك نهاية لها على المستوى القريب أو المتوسط، فالشرق الأوسط مشبع بالأزمات المالية والسياسية والاستراتيجية والثقافية والدينية وكل ما تريد، الشرق الأوسط ليس لديه أي وسيلة للتعامل مع الولايات المتحدة أو العالم الغربي مهما كانت طبيعة الأنظمة في العالم الغربي، فبالنسبة للولايات المتحدة هذا الشرق الأوسط وتحولاته القادمة ستكون إنه كل ما يطبخه الأمريكي في مطبخه سيأكله أبناء الشرق الأوسط مهما كانت نوعيته رديئة، لأن المسألة ليست عاطفية ولا خطابية وإنما مسألة توازن للقوى، وماذا تملك حتى تضعه أمامك على الطاولة وتحارب به، إذاً هذه هي الصورة العامة للشرق الأوسط، وعلينا أن نعترف إن هجمات السابع من أكتوبر كانت نقطة تحول إستراتيجية في تاريخ الشرق الأوسط، لأنه بسبب ذلك قررت الولايات المتحدة العودة إلى الشرق الأوسط بقوة بعد أن انسحبت منه نسبياً بشكل تدريجي، والآن السؤال كيف ستنعكس هذا العودة على الشرق الأوسط وتحولاته، برأيي هذه الانعكاسات ستكون داخلية وإقليمية ودولية، طبعاً داخلية هي ما تخطط له الإدارة الأمريكية من حلول وفق ما تعتقد هي، وإقليمياً كيف ستمد يدها للقوى الإقليمية فهناك كثيرون يحلمون بحرب أمريكية على إيران فأنا اتوقع أنه لن يحصل ذلك لأن الرئيس الجديد سيغير عقيدة الجيش الأمريكي في التدخل العسكري، فمن الخطأ الاعتقاد أنه هناك تحولات كبيرة ستجري لأن العملية معقدة جداً، فالرئيس الأمريكي الجديد ليس لديه عصا سحرية وليس لديه برنامج أساساً، فهو شخص يتحدث بشكل عشوائي وليس مفكراً سياسياً، فموقفه سيكون وفق الإدارة التي سيقوم بتشكيلها من سياسيين واستراتيجيين واستخباراتيين والأمن القومي.

*المعضلات والمشكلات كثيرة في الشرق الأوسط، إلى أي عمق ستتأثر هذه المعضلات في ظل هذه التغييرات؟

إن موضوع التحولات السياسية بالمعنى الأشمل للمصطلح لا يمكن أن تقاد بمتغير انتخاب رئيس، ولكنها تحصل نتيجة نهج أو سياسة شاملة للدول الكبرى والكتل الاقتصادية المؤثرة ومن ثم تنعكس تأثيرات تلك التحولات، والتحولات يمكن أن تقرأ عبر منافذ عديدة، ستقرأ عبر المنفذ العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، ثم يمكن أن تقرأ عبر المنافذ البيئية وغيرها، ولأن التحولات السياسية حصلت في العقد الأخير على أقل تقدير عبر انتقال شركات كبرى ذات أثر في بنية الاقتصاد بالمستوى العالمي من الولايات المتحدة إلى الصين، نتيجة نهج الحزب الديمقراطي الذي سيطر المدة الأخيرة على الوضع في الولايات المتحدة، سنجد أنه الأولويات ستكون مختلفة، ولاحظنا أن هذا التحول أودى بكثير من السياسات نحو الآراء الجيوسياسية على المستوى الاستراتيجي بتوزنات وبدأت قضية جديدة تتحرك، فلا بد من الالتفات إلى أن الصين بدأت تسيطر بوضع دولي جديد وأثر جديد وطبعاً هذا جميعه ينعكس على الوضع في الشرق الأوسط، من المؤكد أن ترامب والإدارة الجمهورية يعتمدون على القوة وتحديداً منها في الفكر الاقتصادي، ونعرف أن ترامب هو رجل رأسمالي بالأساس من جهة الهوية الخاصة به وبالتي سياسته وبرامجه ستصب بهذا الاطار، وبالمناسبة هو صرح أكثر من مرة بأن الشركات التي هاجرت أو انتقلت من أمريكا بأنه سيعمل على فرض الرسوم التي يراها مناسبة لاستعادة القوى الاقتصادية والمكانة الاقتصادية للولايات المتحدة، وهذا كله بالحقيقة هو أدوات الجمهوريين في التعامل مع قضايا الأمن.

*عودة أمريكا إلى المنطقة بعد أحداث السابع من أكتوبر، إلى أي درجة يؤثر المتغير الإقليمي في السياسة الدولية؟

عندما نتكلم عن الجغرافيا السياسية فأننا نتكلم عن مدى التأثير الذي تحدثه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبالذات في ما بعد السابع من أكتوبر، فهذه القضية هي قضية مهمة جداً لأن عودة أمريكا إلى دعم الكيان الاسرائيلي هي لن تكون أمريكية فقط، وإنما كانت من جميع دول حلف الناتو، ولكن الآن هناك تغيرات لأن ترامب كانت يهدد بالانسحاب من الحلف لأن دعم موازنة ثلثيه يعتبر أمريكي وبذات الوقت تدعم قوتها العسكرية بقدرة عشرة دول أوروبية كاملة ومتجمعة، وبالتالي هذا الخلاف في الأفكار ما بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي سوف يكون له تداعيات كبرى، ولكن على ما يبدو أن ترامب يدعم نتنياهو بكل قوة، فهو دعا إسرائيل إلى ضرب العمق الإيراني بكل قوة في حملته الانتخابية وبالتالي عندما نتكلم عن عودة أمريكا للمنطقة فهناك وجهات نظر مختلفة، فهل يقوم ترامب بدعم إسرائيل مهما كلف الثمن أم إنه أيضاً سيعقد اتفاقات مع دول المنطقة لتخفيف دعمه لإسرائيل.

*هل سيكون هناك بداية رسم لشرق أوسط جديد؟

إن البحث عن توازن للقوى في عالم متغير تدفعنا إلى مراجعة مراكز القوى في الشرق الأوسط، لا سيما الأميركية والإسرائيلية، ففي ظل تغير التحالفات الدولية الذي بدوره يضع عبئاً على دعم الولايات المتحدة اللامحدود لإسرائيل، تعتمد إسرائيل بشكل كبير على دعم الولايات المتحدة، سواء من خلال المساعدات العسكرية أو الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية، وعلى الرغم من الدعم الأميركي المستمر، قد تواجه العلاقات بعض التوترات بسبب تغير الأولويات الأميركية والتركيز المتزايد على آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة الصين، ما قد يؤدي إلى تراجع الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط وتخفيف الدعم لإسرائيل في المرحلة المقبلة، على الأكيد أننا أمام مستقبل معقد وغير واضح المعالم، فالصراعات في الشرق الأوسط ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات تاريخية ودينية وسياسية وجيوسياسية تعود إلى عقود من الزمن، فالمنطقة تعاني سلسلة من الأزمات المتداخلة تشمل النزاع العربي الإسرائيلي والتوتر بين القوى الإقليمية الكبرى، مثل إيران وإسرائيل وتركيا ومع دخول قوى دولية على خط النزاعات، مثل الولايات المتحدة وروسيا، تتعقد إمكانية إنهاء الحروب بشكل سريع.