بين سوريا وليبيا والعراق.. التوغل التركي يشوه ثقافة المنطقة، ويهدد السلم والأمن، وأردوغان يحلم بدور السلطان سليم الأول!
شهدت بعض مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في السنوات الأخيرة تحركات تركية محمومة للتدخل المباشر وغير المباشر في شؤون بعض دولها، مثل سوريا والعراق وليبيا وقطر ودول أخرى، وأثارت هذه التدخلات الكثير من التساؤلات حول دوافعها الحقيقية، وأثرها على أمن واستقرار ومستقبل المنطقة.
وتسعى تركيا بقيادة أردوغان إلى توسيع نفوذها في المنطقة كجزء من استراتيجيتها الرامية لاستعادة بعض التأثير الذي كانت تمارسه خلال الحقبة العثمانية الطويلة.
ومن أبرز مظاهر هذا التوغل التركي في المنطقة، تدخل نظام أردوغان العسكري المباشر في سوريا من خلال عمليات عسكرية احتلالية متعددة مثل “نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون”، وغيرها.
وإقامة قاعدة عسكرية تركية كبيرة في قطر عام 2017، لتعزيز حضورها في الخليج العربي،
وإرسال قوات ومستشارين عسكريين إلى ليبيا بحجة دعم حكومة الوفاق الوطني، وتكثيف وجودها وعملياتها العسكرية في العراق تحت مبررات واهية.
استراتيجية شاملة
يمثل توغل النظام التركي في الدول العربية استراتيجية شاملة في المجال العسكري والاقتصادي والثقافي، ويسعى من خلالها إلى تعزيز نفوذه في المنطقة، والبحث عن دور يجعل تركيا قوة إقليمية بارزة، في ظل التحولات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة.
فعلى الصعيد العسكري يعتمد النظام التركي على التدخل المباشر كما حدث في سوريا والعراق، وعلى إنشاء قواعد عسكرية مثل القاعدة في قطر، والقاعدة الأخرى في مقديشو بالصومال، مما منحه تواجداً استراتيجياً في الخليج الغربي والقرن الإفريقي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يسعى نظام أردوغان إلى توقيع اتفاقيات اقتصادية وتجارية واسعة النطاق مع الدول العربية، وخاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة.
وقد وقع مع ليبيا مجموعة من العقود الضخمة لإعادة إعمارها، ويسعى للاستفادة من ثرواتها النفطية والغازية، من خلال اتفاقيات بحرية تضمن مصالحه الاقتصادية.
وفي العراق عزز علاقاته الاقتصادية في مجالات الطاقة والتجارة، ويعمل على تنفيذ مشروع إنشاء خط أنابيب جديد بين تركيا والعراق.
وفي إطار سعيه إلى أن تكون تركيا محوراً لتدفق الطاقة من الدول العربية إلى أوروبا، يكثف محاولاته لعقد اتفاقيات بحرية مع ليبيا، لمد نفوذه شرق البحر المتوسط، حيث توجد احتياطيات غاز ضخمة.
وعلى الصعيد الثقافي، استخدم النظام التركي القوة الناعمة لنشر الثقافة التركية من خلال وسائل الإعلام، والمسلسلات التلفزيونية التركية كوسيلة فعالة لتحسين صورة تركيا لدى شعوبه، كونها تحظى بشعبية كبيرة في العالم العربي.
كما أنشأ العديد من المؤسسات التعليمية والثقافية في الدول العربية، مثل معهد “يونس إمره” الذي يقدم اللغة والثقافة التركية مجاناً، وأعلن هذا العام عن منحة ممولة بالكامل من الحكومة التركية، لتعليم اللغة التركية للطلاب من كل أنحاء العالم.
ويستغل أردوغان علاقات تركيا التاريخية والدينية لتعزيز دورها كزعيم إقليمي للعالم الإسلامي عبر دعم المؤسسات الدينية في الدول العربية والترويج للإسلام الوسطي الذي يزعم أنه يتبناه.
أردوغان والسلطان سليم
بعد شهرين من استلام حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا، قام أول رئيس لحكومة الحزب عبد الله غول، بزيارة دمشق في كانون الثاني 2003، تلتها زيارات إلى القاهرة والرياض وعمان والكويت، وساهمت هذه الزيارات بفتح أبواب المنطقة العربية أمام تركيا الأردوغانية وعقيدتها العثمانية الجديدة المغلّفة بطابع إسلامي.
ومع بداية أحداث الربيع العربي، تصور أردوغان أن الفرصة باتت متاحة أمامه لغزو المنطقة من جديد، فتبنى “شعارات هذا الربيع”، وبايعه إسلاميو المنطقة كسلطان وخليفة للمسلمين.
وشجعته هذه المبايعة على المزيد من التدخل في الدول العربية، وخاصة بعد استلام الإخوان المسلمين السلطة في مصر وتونس.
ولكن التدخل التركي في أحداث سوريا كان الأهم في حسابات رئيس النظام التركي الذي يحلم بدور السلطان سليم الثاني، فاستنفر كل إمكانياته لدعم ما تسمى المعارضة السورية السياسية والمسلحة، وبعد أن تأسس “المجلس الوطني السوري المعارض” في تركيا، احتضنت أنقرة كل فعاليات المجلس على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي.
واستغل أردوغان وجوده العسكري في الشمال السوري للترويج لأفكاره العثمانية الجديدة، أملاً بتكرار مسيرة السلطان سليم الذي دخل إلى سوريا بعد معركة مرج دابق في آب 1516، ثم القاهرة في كانون الثاني 1517، ليعود منها خليفة للمسلمين.