بعد سنوات من الحرب وأزمات متعددة لفقدان الغاز والمازوت، في ظل نقص حاد في الغاز والكهرباء ومصادر الطاقة الأخرى أخرج أهالي اللاذقية وريفها، بوابيرهم القديمة من المخازن، ومن لا يمتلك ببورا سارع إلى السوق لشراء واحد، لتلبية احتياجات الأسرة الأساسية، لقد عاد السوريون إلى استخدام البوابير، وهي أدوات تراثية قديمة تستخدم في الطهي وتسخين المياه والتدفئة، وأصبحت هذه الأدوات، التي ورثها أهالي الساحل عن أجدادهم، بديلا عن الأفران الحديثة في العديد من المنازل، وساهم التأخير الحاصل بتوزيع أسطوانات الغاز المنزلي ، للجوء لاستخدام مواقد التشغيل البدائية البابور، وعلى الرغم من أن الببور كان يشغل تقليديا بزيت الكاز السائل، إلا أن الناس بدأوا يستخدمون أي سائل قابل للاحتراق، مثل المازوت المخلوط ببنزين قليل أو الكحول المكرر بطرق مختلفة، لكن ارتفاع سعر الكاز ، وعدم توفره، دفع الأهالي لاستخدام المازوت بديلا عنه، في البداية، واجهت الأسواق نقصا في توفر هذه الأدوات التي كانت تعتبر في طي النسيان منذ عقود، بدأ صناع البوابير باستخدام الحديد بدلا من النحاس بسبب انخفاض تكلفته.
يتكون الببور من صندوق بيضوي مصنوع من النحاس، مع ذراع معدنية تستخدم لتوليد الضغط، ويعلو الصندوق رأس مخصص للاشتعال، محاط بحمالات لتثبيت الطناجر أثناء الطهي، ان بوابير النحاس اختفت بسبب ارتفاع سعرها، وحلت مكانها بوابير الحديد، فبعد انقطاع طويل، عادت هذه الأدوات إلى الحياة وأصبحت جزءا من التراث الشعبي القديم، ويصل سعر ببورالحديد الجيد إلى حوالي225- 240 ألف ليرة، وبات يعتبر بديلا عن استخدام الغاز المنزلي في ظل تأخر وصول رسائل الغاز المنزلي عبر البطاقة الذكية وارتفاع أسعار أسطوانات الغاز في السوق السوداء.
ورغم ندرة الوقود، إلا أن الكميات القليلة التي يحتاجها الببور، وسهولة تعبئته بأنواع مختلفة من المحروقات، جعلت استخدامه شائعا، استخدم البعض الكاز أو المازوت أو الكحول لتشغيل الببور، بينما لجأ آخرون إلى خلط المازوت بالملح لتسهيل احتراقه، أو استخدموا الكحول الأزرق أو الأبيض المستخرج من النفط، لكن هذا الاستخدام غير المنضبط للوقود تسبب في العديد من الحوادث التي أدت إلى إصابات خطيرة، خاصة عندما تم خلط المازوت بنسبة كبيرة من البنزين السريع الاشتعال، مما أدى إلى حرائق وانفجارات في الصناديق المعدنية، يشار الى وجود فروق كبيرة بين ببور النحاس القديم وببور الحديد الحديث، حيث يفوق الأول الثاني عدة مرات في الوزن ويعتبر أكثر أمانا بسبب سمك النحاس، ويصل سعر ببور النحاس إلى أكثر من مليون ليرة، مما يجعله ثروة حقيقية للعائلات التي ما زالت تحتفظ به، وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، قامت بعض العائلات الفقيرة ببيع ما لديها من بوابير النحاس الفائضة، لكنها حرصت على الاحتفاظ بواحد منها لاستخدامه في أوقات الشدة.
وبفعل ارتفاع سعر الكاز وعدم توفره يلجأ مستخدمو بابور الكاز، لاستخدام المازوت، ويعد الحصول على كميات جيدة من المازوت مسألة سهلة إذا ما كان الزبون يعرف شخصا يمتلك علاقات جيدة بتاجر محروقات في السوق السوداء، ويشار إلى أن سعر أسطوانة الغاز في السوق السوداء وصل لـ 400ألف ليرة سورية في بعض الأحيان، وان التبرير الذي يقدمه التجار هو أن مصدر الغاز الذي يبيعونه هو الأراضي اللبنانية، وتتم عملية البيع بسرية تامة لاعتبار أن بيع المحروقات خارج المنافذ الرسمية يعد أمراً غير قانوني، وبسبب تأخر وصول رسائل الغاز المنزلي عبر البطاقة الذكية، ولسد احتياجاتهم اليومية، يعمد بعض السكان إلى الغاز السفري، الذي ارتفعت أسعار تعبئته، حيث وصل الكيلو الواحد من الغاز إلى 15 الف ليرة، أي إن كلفة ملء (أسطوانة 4 كغ) من الغاز 60 ألف ليرة، ولا تكفي لأكثر من 10 أيام إذا استخدمته أسرة مؤلفة من 5 أشخاص.
وشهدت اللاذقية واسواقها، أزمة حادة في توفير مادة الغاز استمرت عدة أشهر، ومع وجود آلية توزيع الغاز عبر البطاقة الذكية وتأخر وصول الرسائل، فتحت الابواب أمام السوق السوداء لبيعه بأسعار مضاعفة، مستغلين عدم توفر أسطوانات الغاز عبر البطاقة الذكية، وصعوبة آلية الحصول عليها.
السيد فادي وهو موظف في اللاذقية قال: أدى التأخير الحاصل بتوزيع أسطوانات الغاز المنزلي في مناطق اللاذقية وريفها، إلى لجوء المواطنين لاستخدام مواقد التشغيل البدائية البابور، ونحن نستخدم البابور في طهي الطعام، لأن ليس لدينا على قدرة على شراء أسطوانة الغاز، ونعتمد البابور في معظم أعمالها من طبخ، ونحتاج كل أسبوع إلى ثلاثة عبوات من المازوت بدلا من الكاز المفقود، لأننا نعتمده اعتمادا أساسيا، وسعر العبوة كل مرة رقم، حسب مزاج البائع.
السيد وليد وهو بائع بوابير وعبوات كاز إنه يبيع يوميا أكثر من 350 بابور و400 عبوة مازوت بأحجام مختلفة، حيث أن حجم العبوة الصغيرة نصف ليتر، ووصل سعر البابور الكبير الذي تستخدمه السيدات للطهو إلى أكثر من 100الف ليرة، على حين أن هناك بوابير بأحجام صغيرة، يتراوح سعرها بين 18 ـ 23 ألفا، حسب نوعه وجودته، وأشار السيد وليد إلى إقبال الناس على شرائه، بسبب نقص مادتي المازوت والغاز، وصعوبة الحصول عليهما، وهناك من يشتري المادة بكميات كبيرة، مبينا أنه يبيع هذه الكمية في غضون 9 ساعات.
يشار إلى أن البابور، عاد ليتصدر الواجهة بعد غلاء مادتي المازوت والغاز، وفقدانهما من الأسواق الرسمية، على حين كل هذه المواد تتوفر بالسوق السوداء، وهذا ما يثير الاستغراب، وبأسعار تنهك الفرد، واضطر معظم الأهالي إلى استخدام البابور، حيث إنهم عادوا إلى المطابخ القديمة لاستخراج البابور الذي احتفظوا به منذ سنوات طويلة فيما اشترت عائلات أخرى بوابير جديدة، ولذلك عادت مهنة كانت على وشك أن تنقرض ، فانتشرت معظم محلات تصنيع البوابير، لقد عادت هذه المهنة للساحة بعد انقطاع مادة الغاز وغلاء سعرها وغلاء جميع أنواع الوقود بشكل جنوني على الرغم من أنني لم أفكر يوما بالعودة إلى استخدام البوابير، الذي اعتقدت أنها اندثرت منذ اختفاء صوت جدي وجدتي.
ويضيف أبو خالد: “معظم الأهالي عادوا إلى استخدام البوابير في طهي الطعام وتسخين الماء مما ساعد على انتشارها واستخدام مصافي النفط البدائية لمادة الغاز بوصفها بديلا مناسبا للغاز النظامي”.
لكن بعض الأهالي قالوا إن هذه “البوابير” تعمل على مادة المازوت التي أصبحت متوفرة مقارنة مع بعض أنواع الوقود الأخرى.
وبسبب الاستخدام المتزايد للبوابير أصبح الناس يشترون المازوت ويخلطونه بالملح من أجل تشغيل “البابور”، وتعد هذه الطريقة أقل تكلفة من المازوت، حيث أن سعر ليتر الكاز يتراوح بين الـ 350 – و400 ليرة سورية، ويكفى لطهي وجبة غذائية حوالي لترين من الكاز.