النباتات العطرية والطبية مشروع تنموي متكامل، يقدم فرص عمل ويفتح أبوابا واسعة لطالبي العمل، نظرا لكونها تدخل في عدة صناعات، وفي التركيبة المحصولية في الزراعة، وتاليا لابد من تشجيع الزراعات الملائمة للحيازات الزراعية الصغيرة، مع إيجاد آليات التسويق، والاستثمار والاستفادة من التنوع الحيوي للطبيعة الجغرافية الساحلية.
نظرا لتنوع البيئات النباتية والمناخية فإن كل المناطق الساحلية تنتشر فيها أنواع عديدة جدا من الأعشاب الطبية وغير الطبية، وتعد أعشاب جبال الساحل السوري صيدلية طبيعية، وأن العمل في مجال جمع وتحضير ومعالجة وحفظ الأعشاب ليس بسيطا وهو يتطلب جهدا كبيرا لكون أغلب هذه الأعشاب تنمو في مناطق وعرة كما أن الحصول عليها ومعرفة الأنواع المفيدة منها يحتاج إلى قواعد محددة.
في الواقع الراهن يقوم عدد كبير من سكان الأرياف بجمع الأعشاب الطبية في مواسمها وبيعها في الأسواق أما طازجة أو بعد تجفيفها ويجري البيع للمستهلكين مباشرة أو لمحلات العطارة والعشابين وهذه الطريقة لا تحقق جمع سوى نسبة بسيطة من الأعشاب الطبية المتاحة.
السيدة نها مهندسة زراعية وهي صاحبة معمل للزيوت العطرية بينت قائلة: إن أي استثمار زراعي وفي النباتات الطبية والعطرية المعوقات نفسها، ومنها: صغر الحيازات، وضعف التمويل وصعوبة العملية التسويقية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وأن أساس الاستثمار هو السوق، ويجب أن يكون هناك أسواق حتى يستطيع كل شخص أن يقوم بالاستثمار مشيرة إلى أن لديهم معمل يعمل بشروط ممتازة ، ومع ذلك ما لا نستطيع الشراء بكميات من المزارعين حتى هم يستفيدوا لأن السوق محدود ، مشددة على ضرورة إيجاد سوق وهو الأهم هذا ومن بعدها يمكن التوسع على مستوى الزراعة والتصنيع مشيرة إلى وجود الكثير من المزارعين الذين يزرعون إلا أنه لا يوجد سوق كاف، وما يبقى لديهم من منتجات يحاولون بيعه بصعوبة، وأكدت أن عامل النجاح الأهم هو التعاون ضمن سلسلة العمل بدء من الحصول على البذار أو الشتول الصحيحة للزراعة حتى وصول المنتج إلى المصنع وصولا إلى الزبون لافتة إلى أن هناك سلسلة كبيرة يجب أن يكون هناك تعاون كامل فيما بينهم حتى يربح الجميع ويكون هناك تطوير للمنتجات بدلا من شحن مادة أولية للأسواق الخارجية.
السيد المهندس الزراعي سلطان : أكد أن الاستثمار في مجال النباتات الطبية من المشاريع ذات الأولوية ولاسيما في الوقت الراهن كمشاريع متوسطة وصغيرة لدعم الأسر الريفية والمزارعين ووجود طلب على منتجاتها في السوق المحلية لما تحققه من جدوى اقتصادية لكونها تزرع في مناطق هامشية لا تؤثر على زراعة المحاصيل الاستراتيجية وتحقق عائد مائدي للمزارعين كما أنها غير مكلفة من ناحية مستلزمات ومتطلبات الإنتاج: (الأسمدة وعمليات الخدمة وغيرها) ومن جهة أخرى تتمتع النباتات الطبية بفترة صلاحية طويلة مقارنة مع محاصيل الخضار والفاكهة فهي لا تحتاج إلى تكلفة مادية ومتطلبات للتخزين في أماكن خاصة كغيرها من المنتجات: كتخزين الخضار المبرد، إضافة إلى الأرباح التي تحققها شركات الإنتاج الزراعية والمستثمرون في هذا المجال من خلال زراعة النباتات الطبية التصديرية والمرغوبة عالمياً كزراعة الكمون وحبة البركة وغيرها، والتي ترتبط أسعارها بالأسواق الخارجية، لكن الساحل السوري هو الموطن الأصلي للعديد من النباتات الطبية ذات المحتوى جيد من المواد الفعالة، والتي يمكن أن تكون مادة أولية صالحة في مجال صناعة الأدوية الطبية النباتية وقد بدأت العديد من معامل الأدوية بالاستفادة من النباتات الطبية النامية بريا في بيئتنا المتنوعة مناخيا، كنبات القريص المنتشر في كثير من مناطق الساحل ونبات الزعتر بأنواعه المختلفة ونبات الهيدرا وغيرها.
السيدة الخمسينية ام نورس تقول: نجتمع مع عدد من النساء ونتوجه الى البرية القريبة وجمع ما تيسر من الأعشاب الطبية بغرض بيعها. وتنشط مهنة بيع الأعشاب الطبية، والتي تستخدم للمواد الغذائية لكسب الرزق، وتعتبر غابات اللاذقية غنية بهذه الأصناف على الرغم من المخاطر، ام نورس تسير وفي يدها سلة ومقص لجمع أنواع معينة من الأعشاب مثل الصعتر الأخضر والزوفة والبابونج وزهرة البنفسج وزهرة البلوط، وغيرها من تلك التي يمكن بيعها، والتي تعد مصدر رزق لعائلتها، وتتسامر النساء أثناء العمل، وباتت لدى معظمهن خبرة كبيرة في أنواع الأعشاب المفيدة التي تباع في الأسواق وفترة ظهورها وأماكنها، وتضيف ان هذه المهنة منتشرة بشكل كبير بين النساء والأطفال، وتؤمن دخلا محدودا إلا أنه يساهم في تأمين الاحتياجات الأساسية، وتوضح أن العمل يبدأ في فصل الربيع ويمتد حتى الخريف، ولكل نوع موسمه، نجمع الصعتر الأخضر ودرنات نبات الأور كيد البري الذي يستخرج منه السحلب، ثم يأتي موسم الزوفا وزهرة البابونج، وفي باقي أيام العام، تجمع العائلات الحشائش (الحويشة). لكل نبات موسمه، وان مهنة جمع الأعشاب تحتاج إلى دراية ومعرفة وخبرة، وتليها مراحل عدة أهمها: التنظيف والتنشيف وأحياناً التيبيس والتنقية.
انتشرت النباتات الطبية والعطرية بكثرة في الساحل السوري خلال العقود الماضية بشكل عفوي في الطبيعة وعلى مساحة جغرافية متنوعة بدءاً من الساحل ومنطقة السهول والهضاب وحتى الجبال العالية وكانت كافية لسد حاجة السكان واليوم مع الازدياد الكبير للسكان وتوجه الأنظار نحو التداوي بالأعشاب والنباتات الطبية ازداد جمع هذه النباتات بشكل عشوائي ما جعل بعض أنواعها نادراً جداً بل على وشك الانقراض.
إن أغلب النباتات الحراجية تتمتع بخواص طبية سواء كانت شجرية أو شجيريه أو عشبية، من حراج الساحل السوري وأهمها:
الزعتر البري بنوعيه عريض الورق: الزوبع، وله فوائد طبية وغذائية لاحتوائه مادة تيمول، التي تدخل في كثير من التراكيب الصيدلانية ويستعمل في حالات السعال الديكي ـ والالتهابات التنفسية والربو والحصى.
إكليل الجبل: يستخدم في علاج أمراض الجهاز البولي وأمراض المعدة ومفرغ للصفراء ويعالج أمراض الروماتيزم وطارد للغازات وغيرها.
الطيون: يحتوي مضادات للجراثيم والديدان الحلقية ويستخدم في علاج داء السكري وتحسين امتصاص عنصر الكالسيوم.
السماق: يستخدم في صناعة الأدوية القابضة والقاطعة للنزف ويستعمل في الدباغة.
الختمية: تحتوي مادة الميوسيلاج وتستخدم طبياً كمادة ملطفة وملينة في حالات الامساك ومعالجة التهاب القصبات والرئة..
الغار النبيل ـ الزوفا ـ الآس ـ الميرمية ـ الختمية ـ البابونج ـ الخبيزة ـ القراص ـ العجرم وغيرها.
السيدة هدى المهندسة الزراعية قالت لنا: يعتبر الساحل السوري كنز هائل من الاعشاب والازهار والنباتات الطبية البرية المتنوعة غير المستثمرة الا بشكل قليل وخاطئ وهناك فئة قليلة من جامعي الاعشاب لكنها غير مرشدة وغير مدركة للخطر الذي تتعرض له النباتات الطبية البرية بسبب نزعهم النباتات من جذورها وبكميات كبيرة ما قد يعرضها للانقراض بالإضافة الى التعديات من جراء الزحف العمراني وحرائق الغابات وغيرهما، لذلك يجب أن تكون هناك قوانين تنظم هذه العشوائية ويبرز هنا الدور المهم لإقامة محميات طبيعية لا تمتد اليها يد الانسان الا وفق نظم وقوانين خاصة ومنظمة.
أن أجدادنا ومنذ القدم استخدموا هذه النباتات كجزء من حياتهم اليومية وقد توفرت بكثرة في ساحلنا السوري سهلا وجبلا حتى وصلنا اليوم الى انقراض العديد منها وأهمها الزعتر الجوي الناعم والزوفا بسبب الجني الجائر وبيعها للتجار بأسعار بخسة، رغم الردة الكبيرة للتداوي بالأعشاب حاليا وذلك لخلوها من الآثار الجانبية ولفاعلية الأعشاب على العديد من الأمراض ومنها : اللاشمانيا ـ الأكزيما ـ القلاع، وتأتي اجراءات تشديد الحماية على المواقع الحراجية أول الاجراءات للحفاظ على هذه الثروة فهي لا تزال المورد الرئيس للأصول الوراثية ، وتنظيم استثمارها ومؤخرا قامت بعض التجارب على نطاق ضيق لإكثارها وانتاجها وبدأ البعض على نطاق تجاري ما زرع الأمل لنجاح هذه الزراعة وتعميمها على الساحل السوري خاصة في المناطق الجبلية قليلة الخصوبة والمعرضة لانجراف التربة وكونها تحقق هدفا ساميا آخر وهو تنظيم مساقط المياه وهذا ما نحتاجه بشكل كبير في وقتنا الحاضر.
السيدة أم جودت تقول: أجمع فقط زهرة الأور كيد التي يستخرج منها السحلب، وتعلمت آلية استخراج الدرنات ووجدتها تجارة رابحة بسبب ارتفاع سعرها، أما في بقية الأيام، فأعمل في مهنة الخياطة.
في جبالنا الساحلية تقطع النساء مسافات بعيدة يوميا لتأمين أرزاقهن، وسط مخاطر كبيرة، وتكمل السيدة ام إسماعيل قائلة: إن المردود المادي لا يتلاءم أبدا مع مشقة العمل، وخصوصا أن الأعشاب لا تنمو في مكان واحد، بل على امتداد الأنهر والمجاري المائية وفي محيط الأشجار، والعثور عليها أمر صعب، إذ يتطلب جمع كيلوغرام واحد يوما كاملا وربما أكثر، وتوضح أن التجار يتوجهون نحو القرى والارياف، ويشترون الأعشاب من العائلات التي تعمل في هذه المهنة، مضيفة أن الأسعار تختلف بحسب نوع العشبة. ويبلغ سعر كيلو صعتر الخليل نحو 5000ليرة سورية، بينما يصل سعر كيلو زعتر الجبن إلى 8000 ليرة سورية، ويباع سعر كيلو زهرة البابونج بنحو 1800الى 2000ليرة، وعلى الرغم من ضعف الأجور، باتت هذه المهنة منتشرة بشكل كبير لا سيما بين النساء، في وقت تعمل أخريات بتغليف البضائع وبيعها في أماكن أخرى.
وتقول الصيدلانية منال الصيدلي علاء حيدان التي تعمل في احدى القرى في ريف اللاذقية، إن الطلب على الأعشاب زاد خلال العامين الماضيين في شمال غربي سورية، نظرا لندرة الأدوية وارتفاع ثمنها على عكس الأعشاب، وتوضح ان العمل لا يقتصر على الأعشاب الطبية بل يشمل بعض النباتات البرية لا سيما الأور كيد، التي كانت مجهولة لدى الكثير من الناس، وهي من النباتات التي يصعب العثور عليها وتحتاج إلى أشهر من العمل لاستخراج مادة السحلب من درناتها، لكنها تحظى بطلب كبير في السوق، إن بعض الأعشاب مفيدة، ولا سيما لأمراض مثل الربو والزكام والتهاب القصبات، لكنها بالطبع لا يمكن أن تكون بديلا عن بعض الأدوية، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي أفرزتها الاحداث وضيق ذات اليد ما زالت هناك أبواب كثيرة للخير في متناول سكان الريف حيث يستفيدون من هبة الطبيعة بما تجود به من أعشاب برية لها فوائد كبيرة.
إن ريف اللاذقية يتمتع بمناخات ملائمة جدا لإنتاج مجموعة كبيرة من النباتات الطبية والتي تدخل باستخدامات الطب البديل أو الطب الشعبي، وان وجود عدد كبير من تلك النباتات التي تنمو بصورة طبيعية في الغابات والجبال وتتميز بكونها عضوية 100% حيث لا تخضع لأي معاملات بالمبيدات الحشرية أو الأسمدة الصنعية وهذا ما جعلها محط أنظار كبرى شركات الأدوية، والنباتات الطبية أعدادها كبيرة وفي مقدمتها الزعفران والقبار والزعتر الخليلي وحبة البركة والكمون وجذور الختمية، ولا تحتاج الزراعة إلى رأسمال كبير ولكن هناك حاجة إلى أجهزة تسويق حتى لا يصاب الفلاحين بصدمات عدم القدرة على تصريف منتجاتهم.