لكل السوريين

أكيتو ٦٧٧٤.. طقوس، وتاريخ، وتقاليد

حاوره/ مجد محمد

أكيتو، هو أحد أقدم الأعياد الدينية التي عرفتها الحضارات الإنسانية في سوريا وبلاد الرافدين، ويحتفل فيه في الأول من أبريل في كل عام، ويحييه الأشوريون والسريان والكلدانيون في سوريا، والعراق أيضاً، عيد أكيتو مازال حاضراً في طقوسهم ووجدانهم رغم مرور آلاف السنين على ذكراه، فبحسب المصادر التاريخية إن عيد الأكيتو الذي يحتفل به الآشوريون والسريانيون والكلدانيون هو أقدم المناسبات، ويعود تاريخ الاحتفال به إلى ٦٧٧٤ عام، ويسبق التقويم البابلي الاشوري كلاً من التقويمين العبري بألف عام، والفرعوني ب ٥٠٠ عام.

وللحديث عن طقوس العيد، وتاريخه، وقصته، عقدت صحيفتنا لقاء مطولاً مع الأستاذ سعيد قومي، الآشوري الأصل والحائز على إجازة في الأدب الفرنسي، ودار الحوار التالي:

*أستاذ سعيد مرحباً بك بداية، أكيتو بريخو، عيد الأكيتو بين عيد رأس السنة السورية ورأس السنة العراقية.. ماذا عن ذلك؟

أهلاً وسهلاً بك، اكيغتو بريخو، نعم هو عيد رأس السنة السورية وعيد رأس السنة العراقية في آن واحد، فالعيد هو عيد رأس السنة البابلية السريانية الآشورية، وجميع هذه الحضارات الآن تتربع في حدود دولتي سوريا والعراق حالياً، فسابقاً عند أصل هذا العيد لم تكن هناك حدود سياسية بين الدولتين، كانت جميعها أرض واحدة يتربع عليها البابليون والسريانيون والآشوريون دون أي حدود سياسية كما في وقتنا الحالي، لهذا فهو عيد سوري وعراقي في آن واحد.

*عيد الأكيتو، أساطير دينية متعددة، هل هو عيد ديني أم عيد قومي؟

سابقاً، كان عيد ديني وتتخلله طقوس سياسية واجتماعية، أما اليوم فهو عيد قومي بامتياز، لأنه سابقاً كانت الآلهة الوثنية هي المعبودة بينما اليوم الوضع مختلف بالنسبة للعبادة، وحالياً نحتفل به ونحيي إرث أجدادنا واسلافنا أصحاب الحضارات العريقة، فسابقاً كانت ديانتهم كما ذكرت آلهة وثنية، لأننا قدماء وحضارتنا كانت قبل الميلاد، أما اليوم حالنا مختلف فديننا مسيحيين من أبناء قومية آشورية أو سريانية، وكذلك تجد أشخاص مسلمين ولكنهم أيضاً أبناء قومية سريانية أو اشورية أو بابلية، فعيدنا قومي وقوميتنا أيضاً نعتز بها وهي مدعاة للفخر فأجدادنا بغض النضر عن ديانتهم حينذاك، فهم أول من علم الحضارة في العالم.

*عيد الأكيتو، تسمية انتشرت بشكل رهيب مؤخراً على وسائل الإعلام، هل هي التسمية الاساسية لهذا العيد؟

أكيتو، ريش شاتم، حجتو، جميعها تسميات لعيد السنة البابلية السريانية الآشورية، فالتسمية تختلف من قومية إلى أخرى حينذاك، وكلمة أكيتو كانت تسمى أو تلفظ عند بعض الساميين حجتو، وذلك في اللغة الأكادية والعربية لاحقاً، أما في اللغة السريانية الآرامية فلا تزال كلمة حج تعني الاحتفال إلى اليوم، وفي اللغة البابلية القديمة كانوا يسمون هذا العيد ريش شاتم وتعني كلمة ريش: رأس، وشاتم تعني: سنة، وفي لغة السورث المحكية حتى اليوم في العراق وجزء من سوريا من قبل الكلدان لا يزال يلفظونها ريش شاتة أي رأس السنة.

*ذكرت لي إنه عيد ديني وكذلك سياسي، كيف ذلك؟

نعم، العيد كان لأسباب ومجريات كثيرة، وأهمها الترحيب والاحتفال بالطبيعة والابتهاج بقدومها وبخيراتها الموسمية، ويتلخص ذلك في رموز أسر الإله تموز الذي يتم الاستعاضة عنه بالإله مردوخ في أيام الأكيتو، وغيابه لنصف سنة في عالم الأموات الأسفل، ومن ثم بعثه وقيامته، وهذا يحدث كل سنة ويرمز للطبيعة وحلول الشتاء وموت الزرع والخضرة ومن ثم عودتهما في فصل الربيع والصيف، وكذلك احتفالا بانتصار الإله مردوخ على الآلهة التنينية تيامات، وقيامه بخلق وتنظيم الكون، وهو رمز رائع لمقاومة أزلية القوى العدمية المتصدية لحركة الكون بغية إعادته إلى حالته السكونية الأولى، وسياسي لأنه في هذا العيد يتم إعادة تتويج الملك الأرضي، وتجديد صلاحيته وسلطته، حيث كان ملوك وحكام بلاد ما بين النهرين يعتبرون أنفسهم وكلاء أو مستأجري أرض الإله، ويتعين عليهم تجديد عقد الإيجار من الإله كل عام وتحديداً في عيد الأكيتو، وكذلك كانت مدينة بابل تزدحم بالزوار من كل المدن الأخرى كما هي الحال اليوم في شهور الحج للمدن الدينية المقدسة لكل الأديان.

*طقوس عيد الأكيتو تستمر ١٢ يوماً، متى تبدأ وكيف؟

كان تبدأ من ٢١ آذار الذي يعتبر يوم الاعتدال الربيعي ويستمر حتى ١ نيسان، ويتميز كل يوم، بشكل معين من أشكال الاحتفال، وما جاء في ملحمة جلجامش يعكس المراسم التي كانت تقام في تلك المرحلة، ففي الأيام الأربعة الأولى يتم تحضير وتجهيز وتطهير الأمكنة وتجميلها وتكليلها بالزهور ورشها بالعطر تيمناً بقدوم العيد، وفي اليوم الخامس من الطقوس التي كانوا يمارسونها كان يخرج موكب كبير جداً يحملون تمثال الإله مردوخ لمباركته في محاربة آلهة الظلام، مرفقة بالأهازيج التي تشجعه على محاربة الظلام، ومردوخ يعني سيد العالم باللغة السومرية، مار تعني سيد ودوخ تعني العالم، وفي اليوم السادس يتم إعادة هذا التمثال إلى مركزه الأساسي الذي كان متواجد في بابل، وفي اليوم السابع والثامن تتزايد الاحتفالات والأهازيج احتفالاً بانتصار الخير على الشر، وانتصار مردوخ على آلهة الظلام، وفي اليوم التاسع والعاشر كان هناك شيء جديد، حيث يشارك الملك في الاحتفالات، وينظم الكهنة بعض المراسيم لتتويجه من جديد، وفي اليوم الثاني عشر وهو يوم الاحتفال الأخير حيث يتزوج الإله ماردوخ من الآلهة سريانتوف، وبالتالي كان ينتشر الفرح من خلال الأعمال الفنية والموسيقية واستدعاء كل من كانوا يعملون في مجال الفن لتتويج الملك حيث تنتهي الاحتفالات في نهاية يوم الأول من نيسان.

*عيد الأكيتو مؤخراً تم تداوله بشكل كبير، فسابقاً لم نكن نعلم به، هل كان هناك احتفالات من قبل؟

العيد له شجون شعبي وارتباط بالذهن والثقافة والتراث ويساهم في توطيد أواصر المحبة والتواصل، هذه الأواصر لا تروق للأنظمة الدكتاتورية، وكانت تحارب عيد الأكيتو بكل الإمكانات ولم تسمح بأن يظهر على الشكل الصحيح، واتمنى أن يكون العيد مناسبة لتعزيز التواصل بين المجموعات والمكونات، لأن منطقتنا تعددية حضارية، والشيء الجميل فيها هو التعايش الذي نشاركه في منطقتنا، وهو ما سيساهم في نيلنا لحقوقنا وحريتنا من دون أقصاء أو تهميش أي أحد.

*أسطورة بيت الأكيتو من متعلقات العيد أيضاً، ما معناها ودلالتها؟

يشير مصطلح بيت أكيتو إلى المكان الذي تسكن به الآلهة على الأرض، لذا فإن هذا البيت يمثل أسطورة الإقامة القديمة للآلهة والبعيدة عن عالم البشر، حيث كانت الآلهة قد عاشت في هذه المدينة مؤقتاً قبل اختيار مكان إقامتها الدائمة، لذا كان المعنى الخفي لهذا الاحتفال هو الاحتفال بوقت اختيار الآلهة مدينة محددة ليقيم بها مؤقتاً، والغرض من هذا البيت هو أن يحرسها ويحميها من تلك اللحظة حتى نهاية الكون.

*ختاماً كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك..

أتقدم بأسمى التهاني والتبريكات لعموم الشعوب، خصوصاً ونحن في أيام أعياد عظيمة وكثيرة من أعياد الفصح، والفطر، ورمضان، ونوروز، وأكيتو، واتأمل أن تكون الأعياد القادمة أعياد خير واستقرار، وخلاص لبلادنا من الأزمات التي ألمت بها، وأن يحل الأمان والسلام على مناطقنا، وأن يبقى شعبنا يداً واحدة في مواجهة كافة الظروف والتحديات، وأكيتو بريخو.