اللاذقية/ سلاف العلي
تدهور الوضع المعيشي في كل سوريا، تدهوراً ملحوظاً بسبب الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية، إضافة إلى تراجع القوة الشرائية لليرة السورية ومنظومة الأجور في البلاد، فمنذ عدة سنوات وكل الدلائل توحي بتراجع الحالة الاقتصادية، والمواطنون في اللاذقية وريفها، كانوا عاجزين في مواجهة الارتفاع المستمر في الأسعار، وسيادة انهيار اقتصادي شامل، بدءا من انخفاض قيمة العملة الوطنية إلى توقف شبه كامل للنشاط الإنتاجي، مع ابتعاد أصحاب القرار الفعليين عن اتخاذ أي إجراءات لتخفيف الأزمة التي تفاقمت لدى الشعب، الذي يواجه الآن خطر الجوع بشكل فاقع، نتيجة للانسحاب الكبير للدولة من الإنفاق على الدعم الاجتماعي الذي يعتبر أساسيا للبقاء في ظل منظومة الأجور المجحفة.
السيدة نورا دكتورة في كلية الاقتصاد بجامعة تشرين باللاذقية، قالت لنا: مع الزيادة الخلبية في الأجور، والتي كان يفترض أن تكون إجراء لمواجهة الغلاء، وجد المواطنون أجورهم تتقلص فعليا بحكم الارتفاع الهائل لأسعار السلع في السوق. فما كان يشتريه الأجر من سلع في رمضان 2023، لم يعد قادرا على شرائه اليوم في ظل ارتفاع التضخم، وهذا التدهور ليس بجديد، ففي شهر رمضان 2023، تضاعفت تكاليف المعيشة والمواد الغذائية بشكل كبير، وأن الرقم القياسي العام لأسعار سلع المستهلك قد ارتفع بنحو 6 أضعاف، أما الأسعار الغذائية، فارتفعت بنحو 9,1 ضعفا خلال الفترة من 2021 وحتى بداية 2024، حيث وصل وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية إلى نحو 4 ملايين ليرة سورية، مقارنة بـ 2 مليون ليرة في بداية عام 2023، ما يعني زيادة تقارب 98% خلال عام واحد، حيث إن هذه مواد استهلاكية بوصفها سلة واحدة، فإن سعرها الإجمالي ارتفع من 242,000 ليرة سورية إلى 750 الف ليرة، أي أنها ارتفعت بنحو 160%. وهذا كله قبل وصول شهر رمضان الذي يشهد في كل عام ارتفاعات بنسب أعلى بكثير، ونؤكد ان تكلفة وجبة الإفطار خلال شهر رمضان لعائلة مكونة من 5 أشخاص هي بين250 الى 350ألف ليرة سورية، وذلك بالحد الأدنى، بهذا، نستنتج أن الحد الأدنى الرسمي للأجور في سوريا، لا يغطي سوى 6.1% من تكلفة إفطار العائلة المكونة من 5 أشخاص على مدار شهر رمضان، فيجب على الأسرة أن تبحث عن مصادر دخل أخرى ، يضاف الى ذلك، ان الغذاء المستورد أصبح مادة للربح الكبير، وأسعاره تتجاوز الأسعار العالمية بنسب كبيرة، وهذه الزيادات لا تنبع من تكاليف العقوبات فقط، إذ يكفي أن نلقي نظرة على أسعار الأغذية في الدول المعاقبة مثلنا لنكتشف حجم النهب الذي نتعرض له بسبب الفساد الكبير. كما أنها لا تنبع من ارتفاع سعر الدولار، حيث بات الجميع يدرك أن الأسعار المحلية تتجاوز تقلبات أسعار الدولار في السوق، ونتذكر جميعا أنه مع كل عملية جرت لرفع أسعار السلع المدعومة خلال الأعوام الماضية، كان يتم إلقاء اللوم على كلف الدعم وصعوبة تأمين المصادر المالية اللازمة لتغطيتها وتمنين المواطنين بعجوزات الموازنة.
السيدة مريم وهو محامية أضافت: إن الدعم يعبر عن اختلال في العلاقة بين الأجور التي يتقاضاها الناس ووسطي تكاليف معيشتهم الضرورية لإعادة تجديد قوة عملهم، إذ إن فكرة الدعم أساسا ناتجة عن اعتراف ضمني بأن الأجور التي تدفع للعاملين لا يمكنها أن تغطي تكاليف المعيشة الضرورية، وبالتالي هذا التدخل نظريا هو محاولة لسد الفجوة أو جزء منها على الأقل، ويعتبر الدعم مؤشرا على اختلالٍ في توزيع الناتج بين الأرباح والأجور، بحيث تميل كفة الميزان بشكل حاسم واستثنائي إلى أصحاب الربح، ما يعنيه أن يبقى الخلل بين الأجور وتكاليف المعيشة قائما، وبالتالي تخفيض قيمة الأجور الحقيقية ، بما يحمله ذلك من مخاطر اجتماعية إضافية، وشهد الحد الأدنى للتكاليف الشهرية لغذاء الأسرة ارتفاعا وصل الى ما يقارب ال5مليون ليرة سورية في بداية عام 2024، وأي زيادة في الأجور لن تقدم أي دعم يذكر للأجور، وسرعان ما ستذوب قيمتها وسط موجات الزيادات المستمرة التي تعصف بالسوق يوميا،وقد تسهم بشكل إضافي في خفض القيمة الحقيقية للأجور، حيث إن الكمية النقدية من الليرات السورية التي ستصرف على شكل زيادة أجور ستؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة ، ما يعطي دفعة جديدة للارتفاع المتواصل للأسعار في الأسواق، ويترتب عليه تدهور في القوة الشرائية الحقيقية للأجور.
السيد عادل وهو خريج علوم اقتصادية قسم المحاسبة، باللاذقية قال لنا: لا يوجد خلاف على أن كل ليرة سورية تضاف إلى دخل العاملين المنتجين في سورية هي بمثابة خطوة إيجابية، شريطة أن تحتفظ هذه الليرة بقيمتها بدلا من أن تساهم في تقليل القيمة الحقيقية للقدر القليل من الليرات المتاحة بالفعل في جيوبهم، وهذا هو السبب الجوهري الذي يجعل الزيادة عاملا مساعدا على تفاقم تردي الأوضاع المعيشية، فهي ليست في حقيقة الأمر زيادة أجور موجهة للناس، بل هي بمثابة منحة للسوق، خاصة للمحتكرين في قطاع الغذاء. ولذلك، فإن الحاجة في الوضع الراهن تدعو إلى زيادة الأجور الفعلية لا الاسمية، وينبغي ربط الحد الأدنى للأجور بتكاليف المعيشة بشكل يضمن تغطية هذه التكاليف، ومن الضروري ألا يأتي تمويل زيادة الأجور من جيوب المواطنين أنفسهم، وان زيادات الحد الأدنى للأجور، لا تحمل أي معنى حقيقي ما لم تتواكب مع تحسين القدرة الشرائية والقيمة الواقعية لهذه الأجور، كما أن تخفيض الأسعار ليس بالأمر السهل الذي يمكن تحقيقه بالاعتماد على متغيرات السوق وحدها، نظرا لأن ارتفاع الأسعار يعود بالفائدة على أصحاب الأرباح الذين يدافعون عن مصالحهم بقوة.
السيد الفاضل المربي والأستاذ القدير والمتقاعد عبد الجواد من أحد ثانويات ريف اللاذقية قال لنا: إن الجوع هو تجسيد لعدم قدرة الإنسان على تناول الكميات الضرورية من السعرات الحرارية الكافية لتلبية احتياجه اليومي من المغذيات اللازمة لنموه البدني والذهني، وبما يضمن تأمين تغذية فعلية بمصادر البروتين والكربوهيدرات والسكريات والألياف والدهون الصحية والفيتامينات والمعادن وغيرها، ويكون الحد الأدنى الشهري لتكلفة غذاء عائلة مكونة من 5 أفراد يزيد على 4 ملايين ونصف ليرة، ويعاني الكثير فيما يمكن اعتباره اختلالا كبيرا بالنظام الغذائي، وخاصة في الريف ولا يجد الكثير مناصا سوى التكيف السلبي مع التدهور الغذائي والفقر.
السيدة تمارا وهي مهندسة كهربائية باللاذقية، أضافت وأوضحت: أحب أن أشير إلى التردي السريع في قطاع الطاقة باللاذقية، دون أي علامات تدل على أن هناك حلولا قريبة، وكما هو الحال دائما، مع كل موسم شتاء، يعاني المواطنون من زيادة جديدة في ساعات انقطاع الكهرباء، التي وصلت في العديد من المناطق اللاذقية وريفها إلى ساعتي وصل يوميا فقط وأحيانا أقل، وإذا كانت محاولات توفير تكاليف الدعم هي الدافع وراء عدم المبادرة لتوفير حوامل الطاقة اللازمة لتشغيل المحطات، فهذا يعكس إلى أي مدى وصلت اللامبالاة وقصر نظر لدى المعنيين، وأن تنشيط دورة الإنتاج الحقيقية لا يخدم مصالح القوى المتنفذة التي تستفيد من تحويل الاقتصاد إلى نموذج يعتمد على التعيش من عمليات الاستيراد والتحويلات المالية، بالإضافة إلى أنشطة أمراء الحرب في قطاعات الاقتصاد الأسود مثل التهريب، والمخدرات، والاستيلاء والسرقات.