لكل السوريين

“الذهب”.. عامل إحباط لشباب وسط سوريا من التفكير بشريكة الحياة

تقرير/ بسام الحمد

أدت الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد إلى عزوف الكثير من الشباب عن الزواج، نتيجة عدم قدرتهم على تأمين المتطلبات، وفي مقدمتها الذهب الذي ارتفع سعره نتيجة تدهور سعر صرف الليرة السورية، شبان لم يكونوا يعلمون بأن ارتفاع سعر الذهب سيؤثّر على حياتهم الشخصية ويمنعهم من الزواج، إذ لم يعد بمقدورهم تأمين أي شيء من هذا المعدن النفيس ليقدّمونه لعروساتهم كما درجت العادة.

شكل ارتفاع سعر الذهب وكل شيء تقريبا في سوريا، هو بمثابة ضربة ساحقة لآمال وأحلام الشباب في الزواج والاستقرار بعد أن بلغ سعر الجرام قرابة ٩٠٠ ألف فيما بلغ الدولار الواحد اكثر من ١٦ ألف ليرة سورية، بينما يتراوح مستوى الرواتب والأجور بين ٢٠٠ و ٣٠٠ ألف ليرة.

نتيجة لذلك، يضطر عدد من الشباب في حماة، والحال ينطبق على شباب حمص وعموم سوريا، الذين هم في سنّ الزواج بسوريا الآن إلى الاستدانة لشراء “محبس” الزواج، والذي وصل أقل سعر له لـ 3 ملايين ليرة سورية، في ظل التضخم والارتفاع المهول. وفي الآونة الأخيرة، وبسبب ارتفاع سعر الذهب إلى مستويات قياسية، قامت بعض السيدات المتزوجات نتيجة لارتفاع أسعار الذهب وانخفاض قيمة الليرة بطلب تعديل مهورهنّ من أزواجهن في المحاكم الشرعية لضمان مستقبلهنّ.

ارتفاع سعر الذهب خلال الفترة الماضية بات من أبرز العوائق أمام الزواج لنسبة كبيرة من السكان بسوريا، لدرجة أن الناس صاروا يستأجرون الذهب لإحياء حفل الزواج به ومن ثم استرجاعه للصائغ، وذلك للحفاظ على العادات والتقاليد المجتمعية السائدة.

ويشتكي بعض الشبان من تزايد الضغوط عليهم، من جراء تحوّل مهور الزواج “بين ليلة وضحاها” من الليرة السورية إلى الليرة الذهبية، ما يدفع ببعضهم إلى سحب قرض لإكمال مراسم الزواج.

ويصف شباب الإقبال على الزواج “بالمخاطرة”، حيث لن يكون قادر على شراء سوى محبس فقط وأصغر محبس يزن 3 غرامات سعره يقارب مليوني ليرة مع أجرة صياغته؛ دون الحديث عن مهور الزواج التي انقلبت بين ليلة وضحاها من ليرة سورية إلى ليرة ذهبية.

وتضطر بعض الفتيات إلى استعارة الذهب من أقربائهنّ لارتدائه خلال حفلة الزفاف، وأحيانا يكتفي العروسان بشراء المحابس فقط، لأن كلفة الذهب باتت خارج القدرة الشرائية للأهالي، وهناك نسبة 60 بالمئة ممن يقبلون على الزواج والخطوبة إما يشترون المحابس فقط أو لا يشترون الذهب إطلاقا ويستبدلون المجوهرات التقليدية به، فسعر خاتم الزواج اليوم يتراوح ما بين 3-4 ملايين ليرة وهو ما لا يستطيع الشاب تأمينه في ظل هذه الظروف الصعبة.

هذا وكان سعر غرام الذهب قد سجل مستوى غير مسبوق لم يُسجل مسبقا في تاريخ سوريا، إذ وصل الغرام الواحد قبل أيام إلى نحو٩٠٠ ألف.

ويعود سبب ارتفاع سعر الذهب محليا هو ارتفاع سعر الأونصة عالميا، ويجب على الجمعية الحرفية تسعير الذهب كما في الدول المجاورة كي لا يتم تهريبه، إضافةً إلى زيادة الطلب على الذهب.

ودفع الانهيار الاقتصادي، الذي كان أبرز أوجه الحرب السورية، نسبة كبيرة من الشباب إلى العزوف عن الزواج رغم حصولهم على شهادات جامعية، والتي من المفترض أن تمكّنهم من الحصول على فرص عمل لائقة وتزويدهم بدخل كافٍ للمعيشة، إلا أن التضخم المرتفع والارتفاع المستمر في الأسعار مقابل تآكل قيمة الرواتب والأجور أدى إلى حدوث فجوة كبيرة يصعب التغلب عليها.

بالتالي تراجعت نسبة الزواج نتيجة المهور والذهب الذي يفوق قدرة معظم الشباب بسوريا. وتصل نسبة الشباب العازفين عن الزواج في سوريا تصل إلى أكثر من 60 بالمئة بسبب المستقبل المجهول وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

بالإضافة إلى الدخل المتدني وارتفاع تكاليف الزواج لأرقام خيالية، فضلا عن عدم وضوح مستقبلهم، وعدة عوامل أخرى مثل، عدم وجود مهنة محددة، ذات دخل مستقل، وهذا ما يؤجل الزواج لأجل غير محدد.

إزاء الأوضاع المعيشة الخانقة في سوريا، وهجرة العديد من الشباب إلى خارج سوريا، الأمر الذي أثّر على حياة العديد من الفتيات اللواتي لم تُتاح لهن حرية اختيار شريك الحياة المناسب، فضلا عن العديد من الصعوبات التي طغت على المفاهيم المتعلقة بخصوصية الأفراد، ما جعلت بعض الناس يتمسكون بالعادات والتقاليد لاتخاذ القرارات.

على الرغم من أن العديد من العائلات زوجّت بناتها بتكلفة أقل نتيجة لظروف المعيشة السيئة، فقد أشارت إحصائية أخيرة لـ”وزارة الشؤون الاجتماعية السورية”، إلى أن هناك أكثر من 3 ملايين فتاة عازبة فوق سن الثلاثين.

النسبة المئوية للفتيات اللاتي بقين في منزل أهاليهم، ومتأخرات في الزواج بسوريا يشكل الـ 70 بالمئة، وفقا للمعايير الاجتماعية المحلية. وضمن هذا الإطار يقول بعض الباحثين الاجتماعيين إن ارتفاع نسبة الفتاة العازبات، فوق سن الـ 30 في سوريا تعود لعدة أسباب؛ أولها هو الخليط المجتمعي الكبير الذي سببته الحرب، والذي أدى إلى وجود فروق طبقية وثقافية عديدة، الأمر الذي صعَّب على الفتاة كيفية الاختيار.