لكل السوريين

دافيد خوري: “أخشى أن تولد الأزمة الحالية أمراضا نفسية تؤدي إلى الانتحار”

حاوره/مجد محمد

أصعب ما يمكن أن يمر به الإنسان هو تعب نفسيتهن حيث يؤثر هذا التعب على كل ما يقوم به، وتتأثر النفسية غالباً بالضغوطات الخارجية لتجعله ما يتجه للعزلة ليتحول الشخص من بعدها من مرح إلى كتلة من الصمت، فالمرض النفسي في مجتمعنا غالباً ما يتم التحدث به بالسر وبصوت خافت خوفاً من نظرة المجتمع التي ترى أن المريض النفسي هو مجنون، الأمر الذي أدى إلى تقليص وندرة وجود عيادات أو مراكز للطب والمعالجة النفسية، ناهيك عن إنه في بعض المناطق يأخذ المشعوذ دور الطبيب والمعالج النفسي مما يزيد حالة المريض والشخص الذي بحاجة للمساعدة سوءاً، فلا يمكننا إغفال الجانب النفسي والتركيز على الجانب العضوي، فالمرض النفسي شأنه شأن أي مرض يصيب الإنسان كالجروح والحروق وحتى الزكام.

وللحديث عن هذا الموضوع وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع  المعالج النفسي دافيد خوري خريج كلية علم نفس بجامعة دمشق، ودار الحوار التالي:

*أستاذ دافيد مرحباً بك بداية، يخلط الكثير من الناس بين الطبيب النفسي، والمحلل النفسي، والأخصائي النفسي، فما هو الفرق بين الاختصاصات الثلاثة؟

الطبيب النفساني هو خريج كلية الطب، درس الطب العام ثم تخصص في علم النفس، تتمثل وظيفته في تشخيص المرض النفسي باعتماد الأعراض الظاهرة أمامه دون الكشف عن أسباب المرض الأساسية، و يركز في علاجه على استعمال الأدوية، في حين أن الأخصائي النفسي هو خريج كلية الآداب، حاصل على دبلوم الدراسات العليا تخصص علم النفس، يهتم بالأحداث المسببة للمرض النفسي، ويعتمد في علاجه على مجموعة من التقنيات من خلال جلسات مع المريض من أجل مساعدته على الخروج من أزمته النفسية دون الاعتماد على الأدوية، أما المحلل النفسي فهو أخصائي نفسي يستخدم المدرسة التحليلية لفرويد وتلاميذه في برامجه العلاجية، طريقته قريبة من الأخصائي النفسي بحيث يعتمد في تحليله لحالة المريض على كل ما يتعلق بطفولته و علاقته بأسرته.

*من خلال هذا التعريف، هل هناك تعاون بين القائمين بهذه الوظائف الثلاث؟

هنا نضع علامة استفهام كبيرة، للأسف هناك حاجز يضعه بعض الأطباء النفسيين بينهم وبين الأخصائيين النفسيين يحول دون وجود تعاون مثمر بينهم، لذا فإن مسألة التعاون بين المهن الثلاث صعبة التحقيق، إلا أن ذلك لا ينفي وجود تعاون ثنائي بين الأخصائي النفسي و الطبيب النفسي، أو بين هذا الأخير وبين المحلل النفسي في بعض الأحيان، فبالتشخيص الدقيق للطبيب النفسي لحالة المريض، واعتماد أدوية مناسبة لحالته إلى جانب التقنيات التي يعتمدها الأخصائي النفسي والتي تمكن المريض من الحديث عن مشكلته، يمكن أن نحقق نتيجة مرضية وفي ظرف زمن بأسرته.

*هل يمكن القول إن عدم وجود تعاون بين هذه المهن يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى خطأ في التشخيص ؟

يمكن للأخصائي النفسي، في بعض الحالات، تشخيص بعض الأمراض النفسية بحكم دراسته وتجاربه في هذا الميدان، لكن مسألة تشخيص المرض النفسي أو الخلل العقلي تبقى من اختصاص الطبيب النفسي الذي له وحده الصلاحية في ذلك، ونقطة أخرى أريد أن أشير إليها هي جهل الكثير من المرضى النفسيين بطبيعة مرضهم: فعند سؤالنا عن طبيعة مرضه تكون الإجابة ب عندي مرض أعصاب.

*كيف يمكن للمريض أن يحدد الوجهة التي سوف يسلكها لمعالجة مرضه؟ وأي من الاختصاصات الثلاثة سوف يلائم مرضه؟

من هنا يظهر الفرق بين ماهية المرض النفسي والخلل العقلي، فكلنا يمر بحالات نفسية بين الفينة والأخرى، كالقلق مثلاً، أو الإحباط، أو الاكتئاب، أو عدم الرغبة في العمل، لكنها حالات لا ترقى لأن تصبح مرضا نفسيا إلا عند وجود عاملي الاستمرارية وطول المدة، فهنا نكون أمام مرض نفسي، ومن بين هذه الأمراض نجد مثلا: الوسواس، والفوبيا، والاكتئاب الذي قد يصبح حاداً في بعض الأحيان مما يستلزم معه تناول المريض لأدوية تساعده على التجاوب مع جلسات العلاج النفسي، إلا أن هناك بعض الأمراض النفسية التي لا تحتاج في علاجها إلى الاستعانة بالأدوية، وفي هذه الحالة يتم اللجوء إلى الأخصائي النفسي، عكس الأمراض العقلية كالفصام، والهلوسة السمعية والبصرية، التي لا يمكن علاجها إلا بالرجوع إلى الطبيب النفسي.

*ما السبب الذي يجعل الكثير من الناس لا يلجؤون إلى العلاج النفسي على الرغم من وجود هذه الأعراض؟

للأسف هناك تخوف من الالتجاء إلى العلاج النفسي بسبب النظرة المريبة التي ينظر بها إلى المريض النفسي داخل المجتمع الشرقي عموماً، حيث يتم وصفه في كثير من الأحيان بالجنون، أيضا تفضل الكثير من الاسر اللجوء إلى الأساليب التقليدية كالشعوذة وزيارة الأضرحة قصد العلاج، دون أن نغفل الجانب المادي وقصر ذات اليد، هذه أسباب ضمن أخرى تحول دون الالتجاء إلى الأخصائي النفسي، أو الطبيب النفسي، مما يؤدي إلى تفاقم الحالة المرضية لهؤلاء الأشخاص.

*هل يمكن للمرض النفسي أن يتفاقم ويصبح خللاً عقلياً؟

لا يمكن للمرض النفسي أن يتحول إلى خلل عقلي إلا عندما يكون المصاب بمرض نفسي مدمناً على المخدرات التي تكون السبب في تدمير بعض خلايا الدماغ، مما يؤدي إلى الإصابة بخلل عقلي.

*متى يصبح المريض النفسي عنيفاً؟

نادراً ما يصدر عن المريض النفسي سلوك عنيف، إلا في بعض الحالات كالاكتئاب الحاد، الذي يجعل صاحبه في بعض الأحيان يقدم على الانتحار نتيجة عدم التزامه بالعلاج، وأخذه الدواء بانتظام، أما المصاب بخلل عقلي فإنه يصبح عنيفاً عند عدم وجود متابعة طبية منتظمة من طرف طبيب مختص وتناوله للأدوية بصفة دقيقة ومنتظمة، ورعاية خاصة من طرف أسرته.

*في ظل الحياة التي نعيشها الآن في المنطقة، الوجوه باتت متعبة، من النادر أن نرى أناس يبتسمون في الشارع، ما تفسيرك؟

هذا حالة من حالات الاكتئاب، ولكن حالة ليست متقدمة والجميع بات يعاني منها بسبب الواقع المعيشي والظروف المقيتة التي تحاصرنا من كل اتجاه، فهذه الحالة هي اضطراب غير متقدم يصيب العاطفة والمزاج، ومنها معظم الوقت الشعور بالغم وعدم السعادة وعدم الإحساس ببهجة الأشياء و التردد وعدم صنع قرار بسهولة وعدم القدرة على التكيف مع أشياء كان من السهل التكيف معها في الماضي والشعور بالإجهاد وفقدان الطاقة وكذلك أعراض جسمانية غير مفسرة، كأن شيئا موجود على الصدر، أو في الحلق، أو حدوث صداع وتنميل، وهي ليست بحاجة للمعالجة إلا إذا تطورت، فهنا يجب التدخل النفسي بشكل ضروري والا اذا استمرت في التطور قد يصل الأمر إلى الانتحار.

 

*في ذات الموضوع، كلمة أخيرة تحب أن تضيفها؟

في مواجهة التطور السريع الذي باتت تعرفه حياتنا، سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وعدم قدرة الكثير من الناس على مسايرته في مقابل تراجع المستوي التعليمي والتربوي بالمنطقة، ناهيك عن الأزمة التي نعيشها في جميع أمورنا الحياتية والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى تراكم الضغوطات النفسية لدى أغلب الناس، لابد من وجود تربية نفسية وسط الأسرة والمدرسة، التي تساعد على تجاوز الكثير من الضغوطات النفسية.